الأخبار الرئيسيةتقارير

الفنان خوجلي عثمان.. هل راح ضحية لهوس “الإخوان”؟

السودان

بعد سقوط نظام الإنقاذ، يسعى البعض لفتح ملفات كثيرة طُويت إبان حكمهم، قضائياً لا سيما أن وقتها لم يكن الحكم فيها مُنصفاً، ومن بين تلك القضايا، مقتل الفنان خوجلي عثمان في منتصف التسعينات على يد شخص مجهول قيل وقتها بأنه مُختل عقلياً، ولم يُخضع للمحاكمة، وشكّك البعض في صحة أن الرجل كان (مُختلاً)، بيد أن الظروف وقتها وبطش النظام لم يكن ليتجرأ أحدٌ ويتحدّث عن تلك الحادثة التي روّعت المجتمع السوداني، وبعد ذهاب النظام بدأ الحديث عن مقتل خوجلي يعود إلى واجهة الأحداث، خاصةً وأن ذكرى رحيله كانت أمس الثلاثاء.

الخرطوم : رنده بخاري

 

دور رموز النظام في هذه القضية

كتب الصحفي صلاح شعيب مقالاً تحت عنوان (خوجلي عثمان مطالبة بفتح ملفه قضائياً)، ومضى قائلاً: بينما تشرع جهات كثيرة لإعداد ملفات التقاضي ضد رموز النظام البائد، ينبغي أن يحضر بعض الفنانين أنفسهم – أو نقابتهم – لكشف ذيول جريمة مقتل الفنان الغرويد خوجلي عثمان، والتي روّعت البلاد في النصف الأول من التسعينات بتلك الطريقة الشائنة. وقد نشرت الكثير من الإفادات، غير المُستقصية، عن دور بعض رموز النظام في هذه الجريمة النكراء التي هدفت إلى إخفاء معلومات مُهمّة عن مُحاولة اغتيال الرئيس المصري السابق حسني مبارك في إثيوبيا، ذلك بحسب ادّعاء بعض الكُتّاب أنّ الفنان كان يعلم بها.

قفل الملف

وأياً كان فحوى هذه الإفادات المنشورة أثناء فترة التقاضي السابق – وبعدها -، فقد أُتيحت الفُرصة الآن لأهل الدم لتجديد التقاضي الذي يُعيد أمر ذلك التآمر ضد الفنان إلى ساحة العدل. فما نعرفه أن الجاني لم يُحاسب بدعوى أنه مُختلٌ عقلياً، وهكذا قُفل الملف الحسّاس!! ولكن ظلت الشائعات تُحاصرنا من كل حدبٍ وصوبٍ، ومؤدى بعضها أنّ الفنان كان يعرف شيئاً من ما جرى في مُؤامرة اغتيال مبارك، ولذلك قصدت جهات أمنية بعينها إسكات صوته بكلفة عالية. أي بالطريقة التي تهجّم عليه أحد المهووسين في ليلة حزينة بنادي الفنانين، إذ طعنه في خاصرته فسقط مُضرجاً بدمائه في يوم الخميس العاشر من نوفمبر ١٩٩٤.

مُختلٌ عقلياً

الشاعر تاج السر عباس ربطته وشائج قوية مع الفنان الراحل خوجلي عثمان، وفُجع برحيله، ومن ثم دخل الرجل في حالة حداد لمدة عشر سنوات توقّف فيها عن كتابة الشعر، ثم أقنعه أصدقاؤه بعد مُعاناة بضرورة العودة الى الكتابة ومواصلة مشواره الشعري مع مطربين آخرين.. تاج السر خالف شعيب الرأي وقال إنّ البعض يحاول تسييس قضية مقتل خوجلي وربطها بحادثة اغتيال الرئيس السابق حسني مبارك، بينما الرجل الذي قتل عثمان كان مُختلاً عقلياً، ودلل على روايته هذه بأن الرجل الذي أزهق روح خوجلي، كان أحد أقربائه يعمل في صناعة المراكب بضاحية أبي روف البحر وأنا أقطن ذات الحي، وذات يوم التقيته وروى له أن قاتل خوجلي عثمان كان يعاني من (الجنون)، وكعادة السودانيين كان يتلقى العلاج عند أحد الشيوخ الذي أدمت قيوده الحديدية معصمه، لذلك لا أرجح بعد رواية (قريبه) ذاك أن يكون الحادث مُدبّراً، وإنما حادثة لرجل مختل عقلياً.

أنتجتهم آلة النظام

شعيب كتب أيضاً في ذات الموضوع مثار تحقيقنا قائلاً: الشخص الذي قتل خوجلي “ليس معتوهاً كما رُوِّج لذلك، وإنما هو شخص موتور دينياً مثله مثل الكثيرين الذين أنتجتهم آلة النظام.. وقد ازداد عددهم وتجمُّعاتهم مع مرور الأيام إلى أن بلغت أعدادهم الآلاف، وكل الأحداث التي قاموا بها تؤكد أن النظام كان يرعى أمثال هؤلاء المتطرفين”، وأضاف المصدر وثيق الصلة بالتحريات الجنائية، بقوله: “قاتل خوجلي عثمان ترك مذكرة لزوجته وكتب فيها الآتي: “أنا خارج مجاهداً في سبيل الله وإن لم أعد فعليك بتربية الأبناء على النهج الإسلامي”.. فهل هذا مجنونٌ..؟ إنه الفكر الإرهابي نفسه الذي صنعته الإنقاذ قصداً، وأوجدت له البيئة والحاضنة التي ترعرع في كنفها، بل وفتحت أبواب السودان لكل تنظيماتهم العالمية والإقليمية، وظلت تقدم لهم الدعم المالي والمعنوي في كل أنحاء العالم”.. وهكذا يفتح مصدرنا باباً جديداً للسر وراء الجريمة ما يستدعي إعادة التقصي!!

حلاة الزهرة 

الدكتور محمد عبد الله الريح الشهير (بحساس) هو الذي اكتشف الفنان خوجلي عثمان ذات مساءٍ، عندما كان يغني لأصدقائه في حديقة البلدية ويترنّم بأغنية (المضمر في خصروا ناحل)، فذهب إليه وعرّفه بنفسه، حيث كان محمد حساس له برنامج خاص برعاية المواهب باسم ألوان، وطلب منه أن يأتي إليه في مقر عمله بكلية الصيدلة التي كان يعمل أيضاً بها خوجلي في معمل السموم، وعرّفه أيضاً بالشاعر حسن الزبير الذي أعجب بصوته كثيراً وقدم له أغنية خاصة بعنوان (حلاة الزهرة) وصاغ لحنها الملحن الراحل حسن بابكر، وشارك عثمان بالبرنامج وأحرز المركز الأول، بتلك الخلفية التاريخية عن ولوج الفنان الراحل خوجلي عثمان بدأ الدكتور محمد عبد الله حديثه معنا حول فتح ملف مقتل خوجلي.

بين حسّاس وسبدرات

محمد عبد الله لم يذهب بعيداً بحديثه عن ما ذهب إليه الكاتب صلاح شعيب، وقال: بعد مقتل خوجلي كتبت مقالاً من مقر إقامتي بالمملكة العربية السعودية ونشر بصحيفة “الخرطوم”، حمّلت حكومة الإنقاذ مقتل الفنان خوجلي عثمان، ويومها تحدث عبد الباسط سبدرات الى ناشر صحيفة “الخرطوم” مُنتقداً في سماحه بنشر مثل هذا المقال، فقمت بالرد عليه بمقال آخر خلاصة ما جاء فيه، كان عبارة عن تعبير عن دهشتي بأن عبد الباسط لم يكن همّه الروح التي أُزهقت دون أي ذنب، وأكبر همه هو تحميلي لنظام الإنقاذ مسؤولية مقتل عثمان!!

هروب القاتل من السجن

يرى الدكتور محمد عبد الله الريح، أن الأمر الذي جعل الجميع يُرجِّحون كفة أن الرجل لم يكن معتوهاً وإنما قتل الرجل عمداً، هو قصة هروبه من السجن الى يوم الناس هذا لا يعرف مصيره هذا من ناحية، والأخرى أن هناك جرائم مماثلة حدثت مثل مقتل أميرة الحكيم التي هرب قاتلها من السجن ثم ألقي القبض عليه وبعدها حسب رواية الشرطة قيل إنه مزّق بنطاله وانتحر، وأردف بالقول: قاتل خوجلي وبحسب راوية الفنان عبد القادر سالم عندما جاء الى دار اتحاد الفنانين سأل عن الفنان سيد خليفة، وقال له سالم إنه غير موجود، وكان يعتقد أنه يبحث عن فنان ليُحيي له حفلاً، فأشار إليه بأن هناك الفنان خوجلي عثمان، لتقع الحادثة ويروح ضحيتها، وهنا لا بد من الإشارة الى أن ربط كثيرين لحادثة مقتل خوجلي عثمان ومحاولة اغتيال الرئيس المصري السابق حسني مبارك بحكم سفر خوجلي عثمان الى أديس أبابا كثيراً، كان يملك معلومات عن تلك المحاولة لذلك تم قتله، كما ان الهوس الديني الذي خلقه نظام الإنقاذ حول حرمة الغناء أيضاً قد يكون دافعاً.

الهوس الديني

الفنان عبد القادر سالم تعرّض لإصابة طفيفة في الحادثة التي تعرض لها الفنان خوجلي عثمان وأودت بحياته، وقال سالم عن تلك الحادثة متفقاً مع شعيب ومحمد عبد الله إن الهوس الديني عانى منه الفن في عهد الإنقاذ، وحادثة الفنان الراحل خوجلي عثمان دليلٌ على ذلك، فحالة الهوس الديني نجدها أدخلت الفن في دائرة التحريم، الى جانب تقييد المبدعين بتوجُّهات مُحدّدة تحد من إبداعهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *