الفريق أول كباشي و علاقة الدين بالدولة.. عبدالله إسماعيل

السودان

(١)

اساساً يسمى إلتئام اي طرفين أو أكثر للأخذ و العطاء حول الرؤى و المواقف المتباينة ” تفاوض” يعني هذا ان المفاوض المُعين يبذل جهده كي يحقق النتائج التي تجيء متسقة مع رؤى الجهة التي يمثلها – اي ان المفاوض هنا لا يمكن ان يعبر عن قناعاته واعتقاداته الشخصية بأي حال من الأحوال .
و التفاوض لعبة كبيرة يتبارى فيها الأطراف المتفاوضة كلٌ يسعى إلى تحقيق هدف ذهبي في مرمى الآخر ، هناك سقوفات تصاغ وتصبح موجهات عامة ، هذه الموجهات تعبر عن مواقف كيانات الأطراف التي يمثلها المفاوض من القضايا كلها و خاصة الخلافية منها ولا يحق للمفاوض ان يتجاوز هذه الموجهات العامة علي الاطلاق ، اي ان المفاوض لا يفاوض برؤيته الشخصية حتى يتم نسب النجاح أو الفشل له ، فالأمر لا يخصه بصفة شخصية بل بصفة عامة.

(٢)
لبضعة أيام سلفت كانت الوساطة الجنوبية تدير الورشة غير الرسمية بين طرفي التفاوض ، الحكومة الانتقالية والحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال ، الورشة الخاصة بموضوع علاقة الدين بالدولة ، لم تجيء النتائج النهائية لهذه الورشة متسقة مع رؤية الحركة الشعبية إذ كان لوفد الحكومة الانتقالية الذي يترأسه الفريق أول كباشي وجهة نظر أخرى بالتالي تعطل التوقيع على البيان الختامي المشترك كمخرج للورشة ، ذلك لكون الطرفين لم يتوصلا لتوافق حول رؤية واحدة في موضوع علاقة الدين بالدولة ، اليوم أصدرت الحركة الشعبية بياناً حمّلت فيه الفريق كباشي مسؤولية فشل الورشة وكأن لكباشي وحده الحق المطلق في التقرير في شؤون الدولة ، كباشي مثله كأي مفاوض له صلاحيات تقيدها سقوفات الموجهات العامة للحكومة .
كان الأمر سيكون موضوعيا اذا ما نُسب الفشل إلى الطرفين وفدى الحكومة الانتقالية و الحركة الشعبية شمال مع جعل الباب مواربا لعقد مزيدا من الورش والجلسات حتى التوصل لاتفاق يحقق للناس السلام .

(٣)
المراقب للمشهد العام يلاحظ أن الفريق اول كباشي واحد من العلامات الوطنية الكبيرة التي أفرزتها الثورة ، يكاد حسه الوطني العالي يخرج من جسده وهو يهتف السودان أولا و أخيرا ، لا مصالح ولا مطامح شخصية هنا .. و تلاحظ ان أولئك الرجال جدُ يهمهم حال البلد ، و أمنها و استقرارها و سلامها و وحدتها.

(٤)
للرجل عمق فكري ، و وضوح عسكري و تعدد قدراتي ومواهبي عجيب ، هذه الصفات العظيمة كان يجب علينا أن نحفل بها ونحتفي لها ، ونشكر القوات المسلحة العظيمة ان أخرجت للناس هذا القائد بينما البلاد كانت في ذروة محنتها و في اشتداد أزمتها و عز حاجتها إلى رجل له قدرات خاصة حتى يضع ضمن رفقائه الأمور في نصابها وقد كان ، لقد لعب كباشي أدوار محورية و مهمة _ أعجب ان بعض الناس تقابل رجلٌ بهذه الإمكانيات بشيء من السخرية واللا موضوعية ، بالإساءات و التجريح و الشائعات المغرضة كانت ولا زالت تهدف تلك الحملات الممنهجة إلى كسر عظم الرجل لكنه قوي و عصي على الكسر ، يشنون حملاتهم الشعواء ضده وكأنه جاء من دولة أجنبية وتلقد فيهم منصبا ، كباشي من رحمكم ، من صلب هذا الشعب العظيم ، ولد ناحية الدلنج حيث ترعرع في سفوح و شعاف الجبال .

(٥)
السلام لا يقدر بثمن ، و في تقديري يمكن أن يدفع كل الممكن والمستحيل لقاء فاتورة السلام ، كي ننعم بالطمأنينة و نهنأ بالأمان ، تُزرع الأرض و تَنهض الدولة وتتجوّد الخدمات ويتوفر القوت ، لقد تعب الشعب المسكين ردحا من الزمان و هو يرزح تحت نير الحرب التي لا يوجد فيها منتصر ، معركة الكل فيها خاسر خاصة الذين يعيشون مباشرة في مناطق النزاع .. تلك مأساة كبرى ويجب أن تتوقف اليوم قبل الغد.

(٦)
على الطرفين تقديم جزء من التنازلات طالما أن الأمر تفاوضي ، التفاوض يقبل بعض التنازلات ، نتفاوض يعني الا يتمسك كل طرف بالمواقف بصورة صلبة ، لا بد من مرونة تقود العملية التفاوضية إلى تحقيق السلام .. ما تم اليوم في جوبا من اعلان لفشل الورشة غير الرسمية لا يعني بالضرورة نهاية المطاف ، على الفريقين تكثيف التمارين الوطنية والعودة مجددا إلى اللقاء وفي ذهنهم صور ضحايا الحروب من الأطفال والنساء ، اظن ان هذا المشهد كفيل باجبارهما على التنازل من أجل تحقيق السلام.

Exit mobile version