‏للعطر افتضاح- عَوار التفكيك وجريمة المالية- د. مزمل أبو القاسم

السودان

الجريمة النكراء، التي وقعت داخل حوش وزارة المالية الاتحادية، بفقدان (وربما سرقة) نسخة لا تقدر بثمن من كل البيانات والقوائم المالية للدولة (من جهاز كمبيوتر موجود في مكتب مخصص للجنة التفكيك)، تجعلنا نتساءل ابتداءً، عن المعايير المتبعة في اختيار تلك اللجان.

كيف يتم انتقاء أعضائها؟

ما هي المؤهلات الواجب توافرها فيهم، وهل يتم تدقيق سيرهم الذاتية، والتأكد من خلو صحائفهم من أي إدانات جنائية، أو مخالفات إدارية أو مالية؟

أعضاء اللجان المذكورة يمتلكون صلاحيات لا حدود لها، تمكنهم من الاطلاع على بيانات ومعلومات وأسرار الدولة ووثائقها الرسمية، فهل هل يتم إلزامهم بتوقيع اتفاقيات تلزمهم بالمحافظة على تلك المعلومات، وعدم إفشائها، وضمان سريتها، وعدم إساءة استخدامها؟

إذا كان نطاق عمل تلك اللجان متعلقاً بتفكيك بِنية النظام البائد، بحسب منطوق ونصوص القانون الذي يحكم عملها، فبأي حق، وأي سلطة وأي قانون يدس أعضاؤها أنوفهم وأياديهم في أعمال (النظام الحالي) للوزارات والمؤسسات التي ينشطون فيها؟

اعترفت لجنة التفكيك المركزية على لسان عضوها وجدي صالح المحامي، أن بعض تلك اللجان لم تحترم أمانة التكليف، وأنها تورطت في اتهام أبرياء بأنهم حصلوا على وظائفهم برافعة التمكين الإنقاذي البغيض، وأن ذلك الاتهام الباطل المُنكر كلّف العديد من الأبرياء فقدان وظائفهم، وأورد وجدي معلومةً صادمةً، مفادها أن تلك اللجان الظالمة العشوائية المستبدة لم يتم تكوينها بواسطة لجنة التفكيك المركزية، وأنها نشأت من تلقاء نفسها، ونبتت داخل المؤسسات ذاتياً، مثل النباتات الطفيلية (البَرُوس).

الاعتراف الخطير يدلل على حجم العشوائية التي تحكم عمل اللجنة المركزية، التي لم تكلف نفسها عناء اختيار اللجان الفرعية التي ترفدها بمعلومات تستخدم في التنكيل بالأبرياء، ولم تهتم بتدقيق وتحقيق وغربلة ما يصدر عنها، بقدر ما سارعت إلى اعتمادها، لتصيب الكثيرين بظلمٍ ساحق وماحق، يستحيل جبره.

الطبيعي أن يتم اختيار أعضاء لجان التفكيك بتدقيقٍ شديد، وعنايةٍ فائقة تتناسب مع خطورة مهام اللجنة وصلاحياتها غير المحدودة، وأن يشمل الاختيار الأنقياء الأطهار، والخبراء المؤهلين، ممن يحترمون أمانة التكليف، ويؤدون عملهم الحساس بمسئولية تامة، ومهنية عالية، لا أن ينحصر الاختيار في ناشطين، تكاد مؤهلات غالبهم لا تتجاوز سقف ارتياد ميدان الاعتصام، وترديد هتافات الثورة، والمزايدة على الآخرين بالثورية، واتهام كل من ينتقد عملهم الفطير بالانتماء إلى (الفلول).

كيف تسمح اللجنة المركزية لمن لم يوقعوا أي اتفاقيات تلزمهم بحفظ أسرار الدولة وبياناتها السيادية والمالية والعسكرية والأمنية، بالاطلاع عليها، والحصول على نسخٍ منها، كي تصلح عرضةً للفقدان، كما حدث في وزارة المالية؟

كيف تضمن أنهم سيحافظون عليها، ولن يتصرفوا فيها بنهجٍ غير مسئول، سيما وأن غالبهم متطوعون، يعلمون بلا أجر؟

ثم.. كيف يكسب هؤلاء أجرهم، ومن أي مصدرٍ يوفرون احتياجاتهم، طالما أن غالبهم يمكثون بالشهور تطوعاً بلا مقابل داخل المؤسسات الحكومية التي يتسلطون عليها؟

كيف تضمن اللجنة المركزية أن المتطوعين الذين لا يمتلكون مصادر معلومة للدخل لن يستغلوا مواقعهم الحساسة، ووظيفتهم التي ترهب الآخرين في البلطجة والفساد واستغلال النفوذ؟

نطلق تلك الأسئلة وفِي البال ما حدث في اللجان التي تجنَّى أعضاؤها على زملائهم، و(بهتوهم) بفرية الانتماء إلى النظام البائد زوراً، وما فعله أعضاء لجنة التفكيك طرف وزارة المالية، بعد أن طالبوا الوزارة بتسديد مبالغ طائلة لهم، ووضعوا أياديهم على (14) سيارة، وظلوا ينالون حصصاً مقدرة من الوقود لها، ويتناولون وجباتهم اليومية على حساب الوزارة، برغم تشدقهم المستمر بأنهم متطوعون، وبرغم ادعاء اللجنة المركزية بأن لجانها لا تأخذ أموالاً من المؤسسات التي تعمل فيها.

لجنة المالية المتفلتة، المتجبرة، غير المهنية، تحولت إلى سيف مسلط على رقاب الشرفاء في أهم الوزارات السيادية، وفقدانها لنسخة لا تقدر بثمن من بيانات الوزارة ينبغي أن يعجل بإنهاء مهامها، وطرد أعضائها بعد إخضاعهم للمحاسبة، بعد أن وصلت بهم الجرأة حد اقتحام مكتب الوكيلة، وانتزاع مستندات من مدير المكتب وتمزيقها أمامه، لمجرد أن الوكيلة لم تستجب لمطالباتهم المالية الضخمة.

على النيابة أن تخضعهم إلى تحقيقٍ دقيقٍ، كي تعرف مصير المعلومات والبيانات الخطيرة التي ضاعت منهم، والكيفية التي فرطوا بها فيها، قبل إخراجهم من حوش المالية نهائياً.

مظاهر الفوضى والعشوائية والافتقار إلى المهنية التي تحكم عمل لجنة التفكيك ينبغي أن تؤول إلى نهايةٍ سريعة، بعد أن ضربت اللجنة الرقم القياسي في الظلم والتجبر، وصارت دولةً داخل دولة، تزدري أهم وأشهر شعارات الثورة.. (حرية سلام وعدالة).

ما أبعد هذه اللجنة العشوائية الظالمة عن العدالة، وما ألدَّ خصامها ومازأشدَّ مجافاتها لقيم الثورة، مهما تشدقت بها في مؤتمراتٍ صحافية، تجافي فيها الأقوال الأفعال.

Exit mobile version