علي كل- سلام جوبا.. (الجديد شنو)؟!!- محمد عبدالقادر

السودان

لا ادري ما هو الجديد الذي حدث في جوبا علي وجه التحديد ، ف(المناظر هي ذاتا والصور نفس المشاهد) ، ليس هنالك ثمة ما يدعو الي كل هذا الفرح الهستيري بسلام (منقوص) مع قيادات معروفة ب(خفة) وزنها السياسي و افول نجمها الميداني. الاسماء الموقعة علي الاتفاق كانت جزءا من ( حكومة الانقاذ) قاسمته المقاعد والامتيازات وعسل السلطة وابهة الصولجان، ثم عادت الان عبر بوابة التغيير لتكسب دورة حكم جديدة تحت لافتة الثورة.
خبرونا عن ما فعلته اتفاقيات السلام التي جاءت بهم من قبل الي نعيم السلطة ، لم يكن الامر الا ( بزنس سياسي) لمضاعفة المكاسب والاستئثار بمقاعد الحكم الوثيرة وتضخيم ميزانيات محاصصة وترضيات ظل يقتطعها المواطن السوداني من لحمه الموزع بين بنود صرف يومية قاسبة، حدثونا عن تاثير عودتهم الاولي لتقنعونا بجدوي الاتفاق معهم اليوم.
ليس من المنطق ان ننسف الحدث برمته ، فايما تقارب بين ابناء الوطن الواحد امر مرحب به وينطوي علي فضيلة السلم التي نبحث عنها ، ولكن قليلا من الموضوعية والواقعية مهم في تعاملنا مع ما حدث في جوبا . المواطن السوداني ماعاد يحتمل ان يكون ( فارا) لتجارب السياسيين ، يسدد فواتير خلافهم واتفاقهم في ان واحد، اذ ظل يدفع علي الدوام منصرفات الحرب والسلام بينما ينعم اصحاب السعادة من منسوبي الحركات والحكام بنعيم السلطة والشراكات الانتهازية.
ماحدث في جوبا لايعدو ان يكون صفقة لتقاسم السلطة والثروة والاستئثار بنعيم الحكم علي حساب (الشعب السوداني الفضل) ، وهو اعادة لسيناريوهات انقاذية قديمة، لا اعتقد انها تصلح للتسويق بعد إعادة دهنها بالطلاء الثوري، ذات الذين كانوا في القصر الجمهوري والبرلمان ينعمون بالشراكة مع البشير ويقتسمون معه القفشات والابتسامات عادوا الان عبر بوابة جوبا بامتيازات ومناصب جديدة.
طبل عرس السلام في جوبا كان مثقوبا رغم غناء الفريق اول عبدالفتاح البرهان؛ ورقص الحاضرين علي جماجم اهلنا في السودان وقد استقبلوا الحدث منهكين في صفوف والوقود يزحفون لايام متتاليات، كل احلامهم قطعة خبز وجالون بنزين وجرعة ماء وكهرباء تعين ابنائهم علي المذاكرة ولو ساعة في اليوم، فماذا سيحمل التوقيع لهؤلاء.. وقد خبروا كل الاسماء التي جاء بها الاتفاق ولسان حالهم يردد المثل السوداني العريق( البجرب المجرب حاقت بيهو الندامة).
بعد التغيير توقعنا ان يستلهم المتفاوضون روح الثورة التي ركبوها في زمن الهياج وما ان رحل النظام حتي ( ركبوا وش الككو) للنظام الجديد ، يفاوضون حمدوك وكانه البشير، ويتعاملون مع ( الحرية والتغيير) بوصفة التعاطي مع ( المؤتمر الوطني)، يطرحون قضايا البلد علي ذات النسق في العواصم والمنابر الخارجية بدلا عن ميدان الاعتصام ، ويجعلون من جوبا التي اوتهم في ازمنة الحرب بوابة للعودة الي القصر الجمهوري والمواقع الوزارية في الخرطوم.
تري من الذي سيمول فواتير الصفقة السياسية في جوبا ويوفر مخصصات ورواتب القادمين الجدد، من سيتكفل بشراء السيارات الانفنيتي الجديدة وايجارات المقار والمواقع واستحقاقات الفنادق، ماذا ستفعل الدولة المفلسة اصلا لاستيعاب جيوش السياسيين العائدين الي الخرطوم تحت رايات النصر والفتح المبين، هل ثمة راع لهذا الانفاق الكبير فقد سمعنا عن رعاة التفاوض ولكن هل يصح ان تستمر الرعاية لقيادات دخلت منظومة الحكم، هل سيكون قرارنا الوطني محصنا ضد الاختطاف بالنظر الي منافذ الدعم الخارجي التي تغدق علي التفاوض وبرامج ما بعد التوقيع، ثم هل وهل؟!.
لو كانوا يريدون سلاما حقيقيا لانتظروا عبدالواحد والحلو ، لماذا الاستعجال ورم الجرح علي الفساد ومحاولة تضميده بالقيح والصديد، صبرنا عاما فماذا يضيرنا ان ننتظر اخر ، لكنها انتهازية وشفقة السياسيين ، فالاتفاق لم يكن الا غطاء لتحقيق وتسويق الاجندة ، البعض يريد تمديد الفترة الانتقالية، اخر يسعي الي اللحاق بالجزء الاكبر من الكيكة والاستئثار بالسلطة والثروة، بعضهم يحاول ضرب خصومه بالاتفاق، اخرون ينتظرونه تحالفا بينهم وقوة مؤثرة في معادلة السياسة، وهكذا كل يغني علي ليلاه في اتفاقية جوبا، لتكون المحصلة صفقة وخدعة كبري لا اظنها ستنطلي علي شعبنا الصابر المحتسب.

صحيفة اليوم التالي

Exit mobile version