«حميدتي».. على من تقرأ مزاميرك يا جنرال

يغذي الساحة بالتصريحات

الخرطوم: صديق رمضان

بلغةٍ بسيطةٍ، وكلماتٍ معدودة ظلَّ نائب رئيس مجلس السيادة في السودان، قائد قوات الدعم السريع، الفريق أول محمد حمدان دقلو، الشهير بـ (حميدتي) يوجه رسائله إلى الرأي العام الذي يتعامل معها بتباين واضح في الآراء التي ظلت تذهب إلى اتجاهات مختلفة بين مؤيدة ورافضة ومتحفظة.

وخلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، فان حميدتي، مضى على ذات خطى حديثه الذي أدلى به أمام ثلاثة ألف من قواته بمنطقة طيبة الحسناب في النصف الثاني من شهر ديسمبر عام 2018 بالتزامن مع اندلاع ثورة الاحتجاجات الشعبية ضد نظام المخلوع عمر البشير.

يومذاك تفاجأت حكومة الإسلاميين بالقائد العسكري، وهو يوجه سهامه ناحيتها حينما طالب بمحاكمة المفسدين، وإبعاد من تسبب في الأزمة الاقتصادية التي كانت من أسباب الحراك الثوري الذي أطاح بنظام المؤتمر الوطني.

وأحاديث حميدتي الأخيرة تجئ قريبة الشبه من ذلك التصريح الشهير عام 2018 والذي كان بمثابة تأييد غير مباشر للثورة كما ذهب لذلك كثيرين وقتها.

الرجل القوي الذي بات نائباً لرئيس مجلس السيادة قبل عام، وبالتالي جزء مهم في الحكومة الانتقالية بالسودان، لكنه يبدوه غير راضٍ عن أداء الحكومة.

يتضح هذا جلياً في تصريحات جرت على لسان حميدتي خلال الفترة الأخيرة، وتحمل بين ثناياها شفافية واضحة وربما بحسب البعض تعبير عن إحباطٍ، وفي رواية أخري مؤشر لتعمده الهروب من تحمل تبعات ومسؤولية إخفاق الحكومة الانتقالية التي هو جزء منها.

ففي شهر يوليو حرك الجنرال الذي ما يزال يحتفظ بثقافته البدوية التي تطبع شخصه بالوضوح والصراحة، راكد المياه حينما كشف عن وجود (مافيا) تتحكم في الملفات الاقتصادية.

قائلاً في تدشين أول شحنة من صادر الذهب (لو عايزين البلد تمشي لي قدام لازم نحارب المافيا)، وزاد: (يتحكم فيها ناس عاملين فيها شرفاء وهم حرامية).

وقال حميدتي: إذا نفذنا الخطط التي تم وضعها من قبل اللجنة الاقتصادية لوصل سعر الدولار في السوق إلى أقل من (80) جنيه، وأضاف: (اللجنة ما قصرت في شغلها لكن بننفخ في قربة مقدودة)، وشدد على أهمية محاربة (المافيا) حسب وصفه (عشان البلد تمشي لي قدام).

موضحاً أن اللجنة الاقتصادية منذ تشكيلها كونت (8) لجان، بدأت اللجان عملها لكنها تتعرض لمعاكسات من العديد الجهات، وأضاف: (لو عايزين نمرق بالبلاد لازم نعالج الجرح بالكي).

ووجد حديث حميدتي الذي جهر به في يوليو استحساناً كبيراً من الشارع، وفي ذات الوقت، أثار حفيظة عدد من الجهات السياسية والاقتصادية. غير أن الجنرال مضي بعد ذلك في ذات طريق أحاديث الشفافية في أكثر من مناسبة.

ففي اغسطس دعا حميدتي، السودانيين للابتعاد عن تصفية الحسابات والتوحد وصدق النوايا وقبول بعضهم البعض.

وقال خلال مخاطبته حفل تدشين حملة قوات الدعم السريع لمساعدة متضرري السيول والأمطار: (لازم نقبل بعض والبلد دي ما مسجلة شهادة بحث باسم زول وكل الناس واحد وسواسية”)، ودعا للابتعاد عن “الجعجعة” والعمل لخدمة الوطن والمواطنين. مردفاً: (الجعجعة ما بتحل مشكلة.. أتكلم وافعل).

ليأتي أخيراً وفي مناسبة اجتماعية في شهر سبتمبر وتحديداً، يوم أمس السبت، ليصوب سهامه ناحية الجميع، حينما أقر  بفشلهم، وقال أن الشعب السوداني لم يفوض أحداً ليحكمه. وقال (جميعنا متسلطين).

وأضاف  في خطاب جرئ: (نحنا برضو فشلنا كتير جداً، والبلد دي بالطريقة دي ما بتمشي. لازم الناس نتفق على رؤية تجمع كل الناس،  والإقصاء ما بودي بلد لقدام. واستبدال التمكين بالتمكين.. الجماعة ديك كانوا بمكنوا، وديل جاءوا اشد منهم في التمكين).

وأضاف حميدتي (من بداية التغيير ظهروا ناس معينة وتسيدوا على الناس وبقت اي حاجة حقتهم هم).

مردفاً (مشكلتنا الجابت لينا البلاوي وشيطنوننا لأننا قلنا كلمة الحق، وقال خلال الـ 16 شهر الماضية الكيمان بالنسبة لنا اتفرزت السيئ العايز يدمر البلد دي معروف والداير يودي البلد دي لقدام الآن معروف).

وتابع: (مافي زول مفوض الشعب السوداني، الـ40 مليون لم يفوضوا أي زول لا فوضوا حميدتي ولا برهان ولا حرية وتغيير الناس دي كلها متسلبطة).

مطالباً الشعب السوداني أن يقول رأيه واضحاً.

قائلاً  (لازم تفتح خشمك تتكلم، ما ممكن تكون قاعد كده “مبقدس”.. والحكاية تمشي زي دا).

أحاديث حميدتي ينظر إليها من زوايا متعددة، يوجد من يعتقد بأنه يختار الهروب إلى الأمام والتنصل من مسؤولية إخفاقات الحكومة الانتقالية، وآخرين يعتقدوا أن الرجل يبحث عن مكانة مفقودة بعد أن تحول إلى لاعب غير مؤثر في قرارات الدولة عقب هيمنة المكون المدني علي الجهازين السياسي والتنفيذي. فيما ينظر بعضاً منهم إلى أحاديثه الغاضبة من زاوية بحثه عن استعادة جماهيريته التي تراجعت عقب حادثة فض الاعتصام.

 

غير ان رؤية المحلل السياسي الحسين، إسماعيل أبوجنة في حديثه لـ (النورس نيوز) جاءت مختلفة كلياً في تحليله لأحاديث حميدتي.

وقال: (القائد حميدتي شكلته بيئة اجتماعية نقية خالية من الرياء والمداراة، ولذلك يميل إلى التعبير بشفافية عن ما بداخله، وإن كانت السياسة لا تجد نفسها في طريقة التعبير بالصوت المسموع، ولكن حميدتي غلبت عليه صرامة العسكرية وصراحة إنسان الريف السوداني المباشر).

ويقول أبوجنة: ومن جهة يبدو ٲن القائد غير راضٍ عن كثير من سلوكيات الحاضر السياسي من حوله علي خلفية أقوال وتصريحات غير مسؤولة حاولت النيل من رصيده الشعبي المتصاعد. وبالتالي يمكن أن تفهم تصريحاته الأخيرة بأنها مزيج من الغضب والإحباط والصراحة البدوية الطاهرة لرجل قدم بلا حدود ولم يجن غير الجحود في مفارقة غريبة تستوجب البحث والتقصي وعمل خطوات تنظيم في إطار مراجعة المسيرة القاصدة لبناء الوطن وتأمين خط ثورته العملاقة.

ويختم تعليقه أبوجنة حديثه قائلاً: (عطفا علي ما سبق يبقي القائد حميدتي شخصية مثيرة للجدل بقدر كبير، باعتباره صمام ٲمان الثورة ورصيد عسكري ٲمني ضخم في بنك الحكومة الانتقالية، ورغم كل ذلك تتناوشه سهام النقد الانطباعي الجارح في إطار الكراهية والحسد والحقد التي عرف بها كثير من السودانيين كما عبر عن ذلك مستر جاكسون في مذكراته باعتباره ٲحد القادة الانجليز الذين حكموا السودان وخبروه.

Exit mobile version