العين الثالثة- (الدولةُ الأعمقُ) والفسادُ الأكبر!- ضياء الدين بلال

-١-

رجلُ مالٍ وثروة، عاد للعمل في السودان بعد غيبة، كان متنقلاً لسنوات بنشاطه المالي في عدة دول عربية وغربية.
فاجأني بمعلومةٍ كانت بالنسبة لي غريبة وصادمةً.
قال ؛ هل تصدقُ الأرباحَ التي نُحققها في السودان، لا يُمكن الحصولُ عليها في أي دولةٍ أخرى؟!

وقال :الأرباحَ في السودان قد تتجاوز ٢٠٠٪، وهي نسبةٌ يصعب الوصولُ إليها في غالبِ دول العالم.
وأضاف مُحدثي: (رغم وجودِ مخاطرَ عاليةٍ، إلا أن الأرباحَ المغرية تدفعُ بنا نحو المجازفة).
وحينما توسعتُ في النقاش مع محدثي، وجدتُ أن سببين أساسييْن وراء هذه المفارقة.
مُفارقةَ، أن يكون سودانُ معاناةِ عامةِ الشعبِ، هو ذاته سودانُ الثراءِ والثرواتِ والفرصِ، لمجموعةٍ محدودةٍ متلونة عابرةٍ للأنظمة السياسية.
السببان الأساسيان هما:
الأول/ الفسادُ وعلاقاتُ المصالحِ السرية بين المسؤولين وكبارِ الموظفين مع رجالِ المال.
الثاني/ ضعفُ المؤسسية وعدمُ الكفاءة وغباءُ القوانين وما يترتبُ على ذلك من ثغراتٍ ومنافذَ لفهلونجية السوق.
-٢-
كثيرٌ من التعاقدات الحكومية الكبرى في المشاريع ذاتِ التكلفةِ الماليةِ العالية، ترتبت عليها خسائرُ فادحةٌ على خزينة الدولة.
ذلك إما لوجود فسادٍ في الجانب الحكومي أو بسببِ ضعفِ كفاءة المفاوض ومستشاريه، أو الاثنين معاً!ً

أكثر ما ظل يُلحق ضرراً بالغاً بمصالح
الوطن هو تسييسُ قضايا الفساد ، وابتذالُها في تشويه سمعة الخصومِ وتصفيةِ الحسابات.
كل الأنظمةِ السياسيةِ المتعاقبةِ استخدمت ذلك السلاحَ ضد خصومها.
حتى الرئيسَ السابق عمر البشير في آخر أيامه استخدم سلاحَ تسييس الفساد ضد المناوئين لترشيحه داخل حزبه عبر حملة اصطياد القطط السمان.
والآن الحكومةُ الانتقالية عبر لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد تسيرُ على ذات الطريق وبنفس النهج (تسييس قضايا الفساد)!
-٣-
الفسادُ الأكبرُ هو ما لا يتمُّ الحديثُ عنه ولم تُفتح ملفاتُه في كل الأنظمةِ والعهود.
الفسادُ الأكبرُ ما تقوم به الدولة الأعمقُ منذ الاستقلالِ إلى اليوم والتي أسقطتْ حكمَ البشير أمس وتهددُ حكم حمدوك اليوم، وهي دولةُ المصالح.
الدولةُ الأعمقُ، هي التي فرضت على السيدين (المهدي والميرغني) في الديمقراطية الثالثة إبعادَ الوزيرِ محمد يوسف أبو حريرة.
أُُبعد المحامي الجسور من منصبه الوزاري لانحيازه لمصالح الشعب ضد مطامع التجار.
وعندما سُئل رئيس الوزراء السيد الصادق المهدي عن إبعاد (أبو حريرة) من وزارة التجارة، قال مقولته الشهيرة: (وجد في الجو شطة فعطس)!
يأتي نظام ويسقط آخر وهم وأقفون على أبواب مصالحهم يستقبلون القادمين بالورود ويودعون المغادرين باللعنات!

لهم طرق وأساليب مخبورة في احتواء السياسيين وإفساد كبار الموظفين والمصرفيين.
-٤-
(الدولة الأعمق) هي دولةُ تحالفِ كبارِ التجار ورجال المال مع السياسيين والمصرفيين والموظفين في كل أجهزةِ الدولة.
القوانين تُراعي مصالحهم والقراراتُ تتخلقُ في مكاتبهم وقصورهم ومزارعهم والمعلومات تصل آذانَهم أولاً بأول.

من يصدقُ أن الحكومةَ بكل أجهزتها، لا تعرفُ من يتسببُ في ارتفاع الدولار وهبوط قيمة الجنيه؟!
نعم، تعرفُهم بالاسم والوسم والعنوانِ ولكن لا تجرؤ على الاقترابِ منهم، فتكتفي بصِبيةِ البرندات!
-أخيراً-
(الدولةُ الأعمقُ) ستظلُّ في كل الأنظمةِ تمارسُ فسادَها الأكبر، وهي محميةٌ بشبكةِ المصالح.
لا يطالُها قانونٌ ولن تُرهبها إجراءاتُ الطوارئ.
وكما يقول المثل الأمريكي: (القوانينُ مثلُ نسيجِ العنكبوت، تقع فيه الطيور الصغيرة وتعصفُ به الطيورُ الكبيرة)!

Exit mobile version