العين الثالثة _ (وصمة عار)؟! _ ضياء الدين بلال

-١-

رجل سبعيني كان يقود سيارته في طريق عام.
وجد مجموعة من الشباب في مقتبل العمر يرسمون عَلَم السودان على الأسفلت.
توقّف الرجل للحديث إليهم:

(ألم يكن الأفضل لنا ولكم أبنائي أن تقوموا بتنظيف الأوساخ المُتراكمة على جنبات الطرقات، بدلاً من رسم عَلَم السودان على الأرض)؟!

غالب شباب السودان لهم حماسٌ وطاقة دفّاقة وروح وثّابة ولكنهم لا يجدون قيادات سياسية ومجتمعية ترشدهم إلى ما يفيد وينفع مُجتمعهم.

بل كثير من القيادات في سبيل منافقة وممالقة الشباب وكسب ولائهم، ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا تبعاً لمن دونهم في العمر والتجربة والخبرات.

فلا تجدهم كذلك السبعيني، ينصحون أو يصوبون الشباب، إذا أخطأوا في التقدير والتعبير، بل يمالونهم في ما يفعلون أو يلتزمون الصمت الخبيث.

-٢-

مشهد أعضاء السفارة الإماراتية بالخرطوم وهم ينظمون حملة لتنظيف بعض الشوارع كان مؤلماً وموجعاً ومهيناً!
أعضاء السفارة بروح خيرة، شعروا بأن لهم دوراً في مساعدة السودانيين لا بالمال والمساعدات والتغريدات فقط، ولكن حتى في تنظيف دارهم!
تخيّل عزيزي القارئ قيام بعض ضيوفك بتنظيف منزلك نيابةً عنك!
يفعلون ذلك وأنت من على فراشك تنظر إليهم ويدك على خدك و(كوعك على اللحاف)!
وحين نُتّهم من البعض بالكسل واللا مبالاة نغضب ونثور لكبرياء مزعوم وكرامة مدعاة.
ستتحوّل صور أعضاء السفارة الإماراتية وهم يقومون بتنظيف شوارع الخرطوم إلى وصمة عار في جبين أي سوداني في كل مكان إلى نهاية التاريخ!

-٣-

تشاهد القنوات العالمية تنقل على مدار الساعة، تفاصيل مأساة السيول والفيضانات في السودان.

انهيار آلاف المنازل، موت العشرات، جثث مجهولة تحملها مياه النيل، تشريد خمسمائة ألف مواطن. وحينما تذهب بك أصابعك على الريموت للقنوات السودانية، تجد الغناء والحديث الماسخ والونسة الرتيبة!

وعندما تتصفّح مواقع التواصل الاجتماعي تجد نجوم العالم يغردون تعاطفاً من أجل السودان وإغاثة أهله.

أما في غالب صفحات السودانيين فلا تجد غير تهاني النجاح والمُناسبات الخاصّة وأحاديث السياسة الجوفاء والتقاذف بالشتائم والإساءات والصراع الأصلع على المشط المكسور!
العالم يُنادي من أجل إغاثة السودان، وأصحاب المصانع والشركات يسابقون الدولار بزيادة الأسعار!

-٤-

السياسيون يتنقّلون بين المطارات لتوقيع مذكرات التفاهُم مع عبد العزيز الحلو!

مشغولون بالقوانين والشريعة وفصل الدين عن الدولة والعلمانية وتقسيم السُّلطة والثروة وسيداو!

لا يتحدّثون عن فصل (الطين عن الدولة) – كما قال أحدهم – ولا عن إغاثة المُتضرِّرين ولا عن تردي الخدمات ومعاش الناس ومُعاناة الأسر!

لا تجد بينهم (شيّال تقيلة وصاحب وجعة وقشّاش دموع الببكن)!

سماسرة مواقف وتُجّار أزمات ولوردات حرب يستثمرون في دماء الشباب من أجل المقاعد والمناصب والامتيازات!

-٥-

لم يتكرّم حزبٌ واحدٌ بمُناشدة عضويته للوقوف مع المُتضرِّرين من الفيضانات في محنتهم!
لم يدعُ تجمُّع المهنيين، شباب الثورة لتنظيم مليونية لصد عدوان النيل بالمتاريس!
لم يرسم للشباب خريطة توضح الأماكن المحتاجة للعون والإسناد لينفروا اليها ثقالاً وخفافا!
وحدهم أبناء تلك المناطق من توتي إلى سنجة، يقفون في مواجهة غضبة النيل بصدور عارية وسواعد قوية وعزم صميم.
ويغنون مع حمّيد:
يفيض النيل.. نحيض نحن
يظل حال البلد واقف.. تقع محنة
ولا النيل القديم ياهو.. ولا يانا
نعاين في الجروف تنهد.. ولا يانا
رقاب تمر الجدود تنقص.. ولا يانا

-أخيراً-

اتركوا كل ما كان بينكم جانباً، واخرجوا من خنادقكم الفكرية والسياسية، وابحثوا لهذا الوطن عن يابسةٍ من الطوفان.
إذا لم تُنظّف قلوبنا من الغِل والبغضاء، لن تُنظّف شوارعنا وطرقاتنا من الأوساخ، ولن تأمن مدننا وأريافنا من السيول والفيضان!

Exit mobile version