الأخبار الرئيسيةمنوعات

فائزة عمسيب لـ”النورس نيوز”: لهذا السبب (…) قيل عني “بنت شيطانة”

"أم الدراميين" تحكي قصة كفاحها الفني :

حوار : رنده بخاري

“أم الدراميين”، لقب أطلقه الدراميين والمسرحيين على الرمز الفني، الأستاذة فائزة عمسيب، عرفاناً بدورها الكبير الذي لعبته في مجال التمثيل بضروبه المختلفة، وذلك بوقتٍ كان من الصعب على حواء ان تنتصر لموهبتها في مجتمع يفرض قانونه النسوة.

فائزة، فازت لموهبتها، بعدما تخطت كل الحواجز المنصوبة قُدامها، لتتحول إلى ايقونة نجاح، وقدوة لكثير من الشابات.

  • النشأة الأولى تعتبر محطة هامة في تكوين الشخصية.. حدثينا عنها؟
  • تزوج العم عمسيب، والدي من السيدة فاطمة محمد عثمان حاكم.. فانجب منها: “عبدالله نصر، حسن، بت المني، ست البنات، عوض، فائزة”.

شاءت إرادة الله أن يكتب شقيقة الحاجة فاطمة عقيمة، واسمها نفيسة، فاشتد بها الحزن ولكنها صبرت على قضاء الله وقدره، أما أختها فاطمة فأرادت لها أن تعيش احساس الإمومة فدفعت لها بابنتها، وهي أنا فائزة، فسعدت خالتي كثيراً.

خرجت إلى الحياة في أربعينيات القرن الماضي، وتحديداً من مدينة رفاعة، وغادرت مع خالتي وزوجها اللذان هما بمثابة الأم والأب لي إلى خارج السودان، وخطينا برحالنا في اليمن السعيد، وتحديداً في اليمن الجنوبي التي لم يتنشر بعد بها تعليم المرأة، وكان قاصراً فقط على حفظ القرآن، حيث لا يوجد بها تعليم أولي أو ثانوي، فاهتدي تفكير أسرتي أن يأتوا بي إلى السودان من أجل الالتحاق بالمدرسة، ومن ثم اكمل تعلمي.

  • كيف تدرجتِ السلم التعليمي؟

التحقت بمدرسة رفاعة الغربية الأولية، وجايلت فيها سيدات كثر، واخترن جميعهن سلك التدريس، وهو الوظيفة الوحيدة التي لا تعترض عليها الأسر السودانية وقتذاك، خاصة وان مجالات عمل المرأة ضيقة ومحصورة في التدريس بالقرى، والعمل في مصلحة التلفونات، والتمريض، وهذه المهن كانت تجد اعتراض شديد من الأسر ما عدا التدريس الذي كان مقبولاً نوعاً ما.

وبعد أن أكملت المرحلة الأولية لم أفضل البقاء في المنزل، وفضلت أن انهل مزيداً من العلم، فذهبت الي مدينة ود مدني حيث التحقت بالمدرسة الوسطى، وقطنت مع عمي إلى ان أكملت المرحلة الوسطى، حيث لم تنتشر الداخليات في تلك الفترة، وكان بيت العمدة هو القبلة الأولى للبنات اللائي يأتين من قري متفرقة لمدني للالتحاق بالمدرسة الوسطى، وكان ايواء الطالبات مسؤولية تقع على عاتقه هو وبقية المشايخ، فذلك كان من إدوار الإدارة الأهلية، وفيما يخص عملهن كمعلمات كنَّ يُدّرسن جميع المواد حيث لم يظهر التخصص في تدريس المواد يومذاك.

  • في ظل تلك الظروف الاجتماعية المعقدة، كيف توجهتِ نواحي التمثيل؟

بعد أن أصبحت معلمة، تفتقت موهبتي كممثلة حيث كنت أقوم بأداء عدد من الأدوار للطالبات وأسرهن فكانت على سبيل المثال اقوم بأداء دور رجل، وارتدى ملابس رجالية ومثلت دور جزار وكان يقال عني “بنت شيطانة”.

واصلت على هذا الحال في مدرسة “القلقالة” حيث كنا نأتي بالمسرحيات أنا وزميلاتي من المنهج الدراسي، ونستخدم أناشيد المحفوظات بعد تلحينها بألحان الأغنيات في المسرحيات، وقد اهتمت الأناشيد في تلك الحقبة بترسيخ المعاني الوطنية، وجميعها تدعو إلى حب الوطن والذود عنه.

  • كيف التحقت بمجموعة التلفزيون والمسرح؟

في فترة الستينات ظهر التلفزيون، وأحدث نوعاً من التغيير، وظهرت أيضاً الأستاذة آسيا عبد المجيد، أول امرأة سودانية تعتلى خشبة المسرح، وقدمت دور مدهش في مسرحية المك نمر، وظهرن معها كلاً من تحية زروق، مني إبراهيم، لتزداد تدريجيا في فترة السبعينيات حركة المسرح، وجاء بعدها المعهد العالي للموسيقي والمسرح وفي العام 1970 انتهزت فترة الإجازة الصيفية للمدراس والتحقت بالتدريب العسكري الخاص بالحرس الوطني الذي فتح أبوابه ليسجل الراغبين، فذهبت إليهم وطلبوا مني أن أجرى فحوصات طبية لتحديد مستوى اللياقة، وبالفعل التحقت بالدفعة الرابعة، ودائماً ما تتراوح فترة التدريبات بين “10 إلى 15” يوماً.

كان الالتحاق بالحرس الوطني يتم حسب موهبة وميول الشخص، لذلك تم اختياري لأ كون ضمن مجموعة المسرح والتلفزيون، وكان الأستاذ محجوب الحارس، هو مدير خشبة المسرح القومي آنذاك، وكونت أسرة صغيرة داخل الحرس الوطني، وأصبحنا نقوم بعمل أدوار صغيرة إرتجالية، وبرز اتجاه في الحرس الوطني لإنشاء فرقة فنون شعبية، وتم اختياري كعضو بالفرقة وقالوا لي (ما حنديك دور بت صغيرة حتمثلي دور أم أو زوجة) وذلك بسبب بنيتها الجسمانية.

من شدة حبي لهذه الموهبة وافقت وقضيت معهم فترة جميلة وقررت تركهم بعد أن فتحت المدارس أبوابها، ولكنهم طلبوا مني أن أجيئهم بعد دوام المدرسة، وفي العطلات، وطلب مني محجوب الحارس، أن اتوجه إلى المسرح القومي لاجراء بروفات من أجل صقل موهبتي، وبالفعل انضممت إلى فرقة “أضواء المسرح” وتعلمت كيف أودي الأدوار الحزينة والسعيدة، بجانب الاغماء وغيرها من الفنون الادائية المتعلقة بالتمثيل.

  • ما هو موقف الأسرة؟

لم يكنْ طريق التمثيل ممهد ومفروش بالزهور والرياحين، وكغيري من بنات ذلك الزمن الذي كان يفرض قيوداً على الأنثى ويعترض على أي عمل خاص بالفن، وهناك بنات كثر وئدت موهبتهن بسب تعنت أسرهن، ولكني لم استسلم لأسرتي، وعلا صوت موهبتي على صوت معارضة أسرتي.

وبعدما كانوا يتذمرون على تأخري بسب البروفات والبقاء لساعات متأخرة من الليل خارج المنزل، وكثيراً ما كنت أوبخ على ذلك، لكني صمدت، ومع مرور الأيام كان يقابل تأخيري هذا بمقولة الليلة (وا سهرنا) وكنت استعين باكسسورات أسرتي لأداء الأدوار الموكلة إليِّ، كما كنت آخذ أيضاً حاجيات أمي من وراء ظهرها، حيث كنت افتح الدولاب واستعير ثيابها، حتى الأواني المنزلية، وكثيراً ما تتفاجأ والدتي بأغراضها في إحدى المسلسلات أو المسرحيات في التلفزيون فتصيح قائلة (أجي ديل ما حاجاتي).

  • هل أثرت رحلتك الفنية على حياتك الخاصة؟

اسقطت أمر الزواج من حساباتي لفترة من الزمن، وانشغلت بالعمل في التدريس والسفر من قرية إلى أخرى، ثم جاء التمثيل ليأخذ وقتي بأكمله، وقبل ذلك كانت الأسرة ترفض كل من يتقدم لخطبتي لصغر سني، إلى أن تقدم الدكتور عبد الرحيم الأمين ضو البيت، لخطبتي، فوافقت والاسرة، وتم الزواج في العام 1988.

للحقيقة لم يسجل يوماً اعتراضاً على عملي في التمثيل، بل قدم لي الدعم اللازم، وبعد الزواج أيضاً التزمت بحضوري المبكر للبروفات سواء كانت في المسرح أو في التلفزيون، وكثيراً ما أخرج واتركه نائماً، وأحياناً أعود بعده مما جعل الناس يتسألون وقتها هل انفصلت عن زوجي؟! إلا أنهم لا يعلمون أنني اشترطت عليه احترامي لعملي الذي يتطلب مني البقاء لساعاتٍ طوال خارج المنزل، ولم يحدث إلى أن توفاه الله أن ثار في وجهي أو ابدى غضبه من عملي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *