آراء و مقالات

تحليل سياسى _ بومبيو .. هل يصطدم بطاولة حمدوك ؟! _ محمد لطيف

الإسبوع الماضى نشرت فى هذه المساحة .. سلسلة تحليلات بعنوان .. صدفة قطرية هيجت أشجان الخليج .. وقلت أن معركة كسر العظم يجرى الترتيب لها الآن .. وكنت اعنى بذلك التقاطعات التى تشهدها المسألة السودانية .. لجهة وقوعها بين مطرقة ابوظبى وسندان الدوحة .. منذ أن إنخرط السودان فى التحالف العربي لدعم الشرعية فى اليمن .. بل اصبح السودان هو رأس الرمح فى العمليات العسسكرية على الأرض هناك .. ولم يخب ظنى .. أو لم تخطيء توقعاتى .. وكنت قد قلت أن الدوحة .. وبعد أن يئست من التواصل مع الخرطوم مباشرة .. ارسلت مبعوثها الخاص الى جوبا .. تحت غطاء العمل الإنساني .. وهو تقليد مخابراتى معروف فى الغرب .. ويبدو الآن أن المحاولة القطرية قد اثمرت نتائج ما كان اكثر الناس تفاؤلا يتوقعها .. فقد بدأ الإختراق من جوبا نفسها .. حين نجح المبعوث القطرى الخاص مطلق القحطانى فى لقاء نائب رئيس المجلس السيادي وكبير مفاوضى الحكومة السودانية .. وبغض النظر عن ما دار فى اللقاء .. فمجرد إنعقاده يعتبر نقطة فارقة .. فلزمن طويل ظل البعض ينظر للفريق محمد حمدان دقلو بإعتباره حجر العثرة فى مسار تطبيع علاقة الخرطوم بالدوحة ..!

ولكن معركة كسر العظم التى أشرنا اليها .. يبدو أنها قد بدأت تأخذ مسارات أخري .. وتجر اليها أطرافا أخرى .. ويبدو الأمر الآن وكأن الخرطوم قد اصبحت فجأة قبلة العالم .. والحديث هنا لا يبدأ من الغد حيث زيارة وزير الخارجية الأمريكى المعلنة .. بل يبدأ منذ مطلع الإسبوع .. حيث حل المبعوث القطرى ضيفا على الخرطوم .. وحين يجلس الى مسئول بارز من المراجع العليا فى الدولة .. لا يتردد المبعوث فى القول .. لستم يا دولة الرئيس فى حاجة لتوجيه دعوة لفخامتكم .. حددوا أنتم متى ترغبون فى الحضور الى الدوحة .. وستجدونها فى إنتظاركم .. ولا ينسى الضيف أن يبلغ مضيفه أن بلاده تحت أمره .. هكذا دون سقف .. وحين يستعرض المضيف جهودهم فى توفير فرص عمل للشباب فى حدود مائتين وخمسون الف وظيفة .. يفاجئه الضيف بالإعلان عن إستعداد بلاده لتوفير مئات الآلاف من الوظائف لشباب الثورة .. !!!

هذا ما كان مطلع الإسبوع .. أما حدث منتصف الإسبوع فستستقبل الخرطوم مايكل بومبيو وزير الخارجية الأمريكى .. ويبدو جليا أن الزيارة .. ووفق ما رشح عنها حتى الآن .. مستهدف بها المكون المدنى فى السلطة الإنتقالية .. صحيح أن الموقف الأمريكى المعلن هو دعم السلطة الإنتقالية فى السودان .. وصحيح أن هذه الزيارة ينبغى أن تترجم هذا الموقف الأمريكى المعلن .. ولكن الصحيح ايضا .. أن جولة بومبيو الهدف المعلن منها .. هو دعم وتوطيد العلاقات الإسرائيلية فى المنطقة .. بالطبع تحت دعوى محاصرة وعزل ايران .. فماذا فى الخرطوم .. المعلن والمعروف الآن .. أن مسألة التطبيع مع إسرائيل .. إبتدرها السيد رئيس المجلس السيادى الفريق اول عبد الفتاح البرهان .. عبر لقاء عنتيبي الشهير ..مطلع فبراير الماضى .. وكان مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلى قد قال يومها فى إيجاز مغتضب .. إن اللقاء بحث تطبيع العلاقات بين البلدين .. فماذا عن موقف المكون المدنى من هذا الأمر ..؟ و البحث عن إجابة لهذا السؤال .. هوما يجعلنا نفترض أن زيارة بومبيو تستهدف بشكل رئيسى هذا المكون المدنى ..!
فبومبيو الذى يقوم بجولته لحشد الدعم لتحقيق تعميق العلاقات الإسرائيلية فى المنطقة ليس فى حاجة لكبير جهد مع رئيس المجلس السيادي .. ولكنه ربما وجد على طاولة رئيس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك .. حقائق جد مختلفة فى إنتظاره .. منها أن اكثر من عشرة احزاب من مكونات قوى إعلان الحرية والتغيير .. وهى الحاضنة السياسية التى تلزم رئيس الحكومة أخذ رأيها فى الإعتبار .. قد أعلنت مواقف رسمية رافضة لأى تطبيع مع اسرائيل .. ومنها أن أجندة الحكومة تتصدرها الآن السلام وانقاذ الإقتصاد .. فأين يقع التطبيع مع اسرائيل من ذلك ..؟ ومنها ايضا أن الشارع يشغله الآن معاشه .. فماذا يمكن أن يقدم له التطبيع مع اسرائيل ..؟ ومنها أن مسألة التطبيع مع اسرائيل كقضية تلامس البعد العقدى .. ستتيح للإسلاميين فرصة العودة الى الساحة السياسية وبقوة .. بل قد يدفع الأمر فى هذا الوقت لتوحيد تيارات عريضة ضد الحكومة .. تبدو متفرقة إن لم تكن مشتتة اليوم .. وقد يختم حمدوك بقوله لبومبيو .. لما لا تنتظروا إكمال عملية السلام .. على الأقل تكون قد إنضمت الينا عناصر .. اكثر إستعدادا للتعاطى مع عملية التطبيع ..؟

ولئن كان هذا عن التطبيع مع تل ابيب .. فإن التطبيع مع الدوحة يذكرنا ايضا بزيارة وزير الخارجية السعودى للخرطوم خواتيم هذا الإسبوع .. ولسنا فى حاجة لمزيد من الشرح .. أما زيارة رئيس الوزراء الإثيوبى المرتقبة خلال ساعات .. لا شك أنها ستعيد الى الأذهان زيارة رصيفه .. وغريمه إن جاز التعبير .. رئيس الوزراء المصري للخرطوم الإسبوع الماضى ..!

هل تنجح الخرطوم فى إدارة كل هذه التقاطعات..؟ الإجابة ربما تحدد لحد كبير مصير الفترة الإنتقالية نفسها ..!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *