شرق دارفور…جزيرة معزولة في صحراء

الضعين : صديق رمضان

استغرق الجميع في نوم عميق بعد أن استسلموا لسلطانه لان الارهاق بلغ مداه عقب يوم شاق؛ هذا الامر كان لافتا لي وانا اجلس في المقعد الامامي لعربة الدفع الرباعي “اللاندكروز”؛ التي كانت تقلنا من مدينة النهود بغرب كردفان إلى الضعين حاضرة شرق دارفور؛ وحينما سألت السائق منتصف الليل عن كيف يتمكن المسافر من النوم في رحلة محفوفة بمخاطر الطبيعة وربما مفاجأت المتفلتين غير السارة التي تنتشر في هذه الانحاء من البلاد، قال وهو يضحك “الناس اتعودت على المعاناة وسوء الطريق ،لم يعد يكترثوا اليه”، عند الواحدة صباحا حاولت ان ارخي جفوني لأخذ قسط من النوم غير ان هذا الامر استعصى على بسبب الطريق بالغ الوعورة الذي يجسد معاناة ولاية شرق دارفور التي ورغم ماتكتنزه من موارد بترولية وزراعية وحيوانية الا انها تعد الولاية الوحيدة في السودان التي ماتزال خارج شبكة الطرق القومية؛ ولم يعرف الاسفلت إلى الطرق التي تربطها بالولايات الأخرى سبيلا منذ ان خلق الله الارض ومن عليها؛ بل مايدعو للحزن ان كل الطرق التي تمت تغطيتها بالاسفلت تبلغ ثلاثين كيلو متر بحاضرة الولاية مدينة الضعين فقط.

كثبان رميلة وارهاق

والرحلة بين مدينتي النهود والضعين استغرقت عشرة ساعات من العذاب والالم، فقد تحركنا عقب صلاة العشاء من مدينة النهود ووصلنا إلى الضعين عند الساعة السابعة صباحا وقد بلغ بنا الارهاق مبلغا عظيما؛ وأثناء الرحلة الشاقة فان سائق العربة كان يعاني كثيراً مع الكثبان الرملية؛ وقال وهو يحدثني ويوجه تركيزه نحو الطريق الذي ايضا تغطي اجزاء واسعه منه اشجار تحجب الرؤية:” التنقل بين النهود والضعين مثله وقعطة الجحيم ،فهذا الطريق يعد الشريان الرئيس الذي يربط شرق دارفور بانحاء البلاد المختلفة ورغم ان طولة يبلع 260 كيلو متر فقط الا ان الرحلة تستغرق احيانا اكثر من عشرة ساعات، اما في مثل هذه الايام من فصل الخريف فان الولاية تنفصل لايام من انحاء البلاد الأخرى بسبب الامطار، والله حرام البحصل ده.”

جزيرة معزولة في الصحراء

في ذات الرحلة توقفنا في الساعات الأولى من الصباح بعد مرورنا بمدينة غبيش وبالقرب من محلية اللعيت جار النبي بسبب تدهور الحالة الصحية لامرأة كانت تجلس في المقعد الخلفي وكانت عائدة من رحلة علاج بالعاصمة الخرطوم؛ فلم نجد غير ان نفسح لها المجال في المقاعد التي تقع وسط العربة ،يقول احمد وهو شاب من ابناء الضعين؛ إن مثل هذه الحالات تحدث كثيراً ؛ مضيفا:معظم الذين يتوجهون إلى الضعين عبر النهود يحضروا في ذات اليوم بالبصات عند الخامسة مساءاً ثم ينتظرون حتى السابعة او الثامنة ليتحركوا عبر السيارات الصغيرة إلى الضعين؛ التي يصلوا اليها صباح اليوم التالي وهذا يعني ان رحلتهم تستغرق اكثر من اربعة وعشرين ساعة؛ وهي مدة كفيلة باصابة الانسان بالاعياء؛ ولأن شرق دارفور تبدو جزيرة معزولة ولاتوجد طرق مسفلتة تربطها بمدن نيالا،النهود والفولة فان المواطنين وحينما شعروا بفداحة الظلم والتهميش لم يجدوا غير الاعتصام في يوليو واغسطس لايصال صوتهم إلى الحكومة المركزية ،وحتى والي الولاية الدكتور محمد عيسي عليو وحينما خاطب المعتصمين عقب توليه مسئولية ادارة الولاية تعهد امام الشباب بالاعتصام معهم باستجابة الحكومة لمطلبلهم بسفلتة طريق الضعين النهود.

ظلم الإنقاذ وشكوى الوالي

وتعد شرق دارفور من أغنى ولايات البلاد؛ حيث تحتضن حقول بترول وتمتاز بالثروة الحيوانية الضخمة والاراضي الزراعية الشاسعة عالية الخصوبة؛ ورغم ذلك فانها تفتقد إلى الطرق التي تبلغ ثلاثون كيلو فقط وموجودة في حاضرة الولاية ،اما مواطني المحليات فيعانون كما يشير القيادي عبدالله اسحق الذي يقول؛ إن المحليات ايضا تنقطع في الخريف مثلما يحدث للولاية ،معتبرا في حديث (للنورس نيوز) أن الانقاذ لم تنصف شرق دارفو وان هذا يضع على الحكومة الانتقالية مسئولية عظيمة برد الحق إلى أهل ولاية كان لهم القدح المعلى في ثورة ديسمبر ودعم اقتصاد البلاد؛ اما والي الولاية الدكتور محمد عيسي عليو فلم يجد وهو يخاطب المديرين التنفيذيين بالمحليات يوم امس الاحد بالضعين غير ان يجأر بالشكوى ويعبر عن بالغ حزنه من افتقاد الولاية إلى الطرق المسفلتة ،ويقول إن شرق دارفور تواجهة ظروفا بالغة التعقيد في ظل هطول امطار غزيرة هذه الايام ،ونوه إلى ان انقطاع الطرق الترابية اسهم في تعثر وصول شاحنات نقل البضائع والمواد البترولية و المحروقات إلى حاضرة الولاية و معظم المحليات وابرزها الفردوس التي تسبب امطار وسيول في انفصالها عن  اجزاء الولاية الأخرى .

اخيرا فان من يتجول في ولاية شرق دارفور تتملكه قناعة راسخة مفادها ان نظام الانقاذ البائد اوقع على اهلها ظلما فادحا بل هو اقرب الى العقاب الجماعي ،والمعاناة مع الطرق بالغة الرداءة تجسد حقيقة انتفاء التنمية العادلة المتوازنة طوال العقود الثلاثه الماضية،واذا اراد والي الولاية والمعارض الشرس للنظام البائد الدكتور محمد عيسي عليو ترك بصمته على جدار شرق دارفور فليس امامه غير اقناع المركز بحتمية تنفيذ طريق النهود الضعين الذي يعني تجسيده على أرض الواقع استفادة السودان من خيرات شرق دارفور ويعني ايضا رفع ظلم عن شعب الولاية الذي ظل قابضا على جمر الصبر لعقود طوال وبلغ عنده اخيرا السيل الزبى ووصل صبره إلى منتهاه.

Exit mobile version