العين الثالثة- (جَلطَات إعلاميّة)!- ضياء الدين بلال

-1-

 

مَا حَدَثَ داخِل وزارة الخارجية من تضارُب وتصادُم مُؤسف، حول ملف التطبيع مع إسرائيل، بين الوزير المُكلّف والناطق المُقال، ليس حَدَثَاً عَارضاً ولا خَطأً عَابِراً.هو مُؤشِّرٌ لأزمة أكبر، وخلل مركزي، قد ينتج كثيراً من الكوارث  في الفترة القادمة.الخطأ ليس من السفير الدكتور حيدر البدوي، فهو تحدّث وفق فهمه وتقديراته ومُيُوله، وقراءته لاتّجاه الرياح.الخطأ في الأساس، يقع على مَن اختار البدوي لمُهمّة حسّاسة جداً، وهو غير مُستعدٍ ولا مُهيأ للقيام بها.

 

-2-

 

أعرف دكتور حيدر منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، وبيننا تواصُلٌ ودودٌ.

وهو رجل مُهذّبٌ وَمثقّفٌ، له سيرة أكاديمية مُحترمة ودراسات رفيعة في الإعلام.لكن ذلك لا يجعله الرجل المُناسب في هذا المكان، في ظرفٍ مُعَقّدٍ، للتعامُل مع قضايا شائكة.

 

حيدر  البدوي انقطع عن العمل الدبلوماسي لأكثر من ربع قرن، ولم يسبق له العمل في مجالات الإعلام، إلا في نطاق الدراسات والبحوث الأكاديمية.

هو في ذلك أقرب لوزير المالية المُستقيل البدوي الآخر، حيث يفتقدان التّجارب والخِبرات العِمليّة مع الغياب الطَويل عن السُّودان كحيِّزٍ مكاني واجتماعي .

 

-3-

 

المعارف الأكاديمية مُهمّة، ولكنها لا تُغني عن المُمارسة والعمل ومُعايشة الواقع.

أساتذة معهد الموسيقى والمسرح ليسوا هُم أبرز وأميز المُغنين والمُمثلين.. وكذلك أساتذة الاقتصاد في الجامعات ليس بالضرورة يصلحون وزراء مالية ومُديري شركات وبنوك.التأهيل الأكاديمي مُضاف إليه الخِبرات العمليّة مع المُكوِّنات الشخصية هي ما يُميِّز شخصاً عن الآخر.

 

-4-

 

كيف لمن غَابَ لربع قرن من العمل الدبلوماسي، منذ أن كان سكرتيراً ثالثاً، أن يصبح ناطقاً باسم وزارة سِياديّة ذات حساسية عالية؟!

 

لكلِّ مُؤسّسة ثقافتها ورُوحها الخَاصّة وأعرافها المَحفوظة التي تُشكِّل التّصوُّرات وتُحدِّد قاموس التعبير.. فدكتور حيدر لم يتشرّب بثقافة الوزارة، ولم يستوعب خارطة المواقف وحساب المسافة والأبعاد في التعبير عنها، كيف يصبح ناطقاً باسمها؟!كان المطلوب على الأقل إخضاع دكتور حيدر وأمثاله من المُعادين للخدمة لدورات تدريبيةٍ مُكثّفةٍ، قبل مُمارسة أي نشاط عملي.

 

-5-

 

سبق نبّهنا لخُطُورة التعامُل مع الإعلام دُون إعدادٍ وتأهيلٍ تدريبي، وقُلنا في هذه المساحة : استسهال الظهور الإعلامي دُون إعدادٍ وترتيبٍ واستعدادٍ مُسبقٍ، يجرُّ كثيراً من الأخطاء على المسؤول، وقد يضعف صورته أمام الرأي العام بتشكيل انطباعٍ سالبٍ.الإعلام الآن لم يعد اجتهادات شخصية، تُخطئ وتُصيب، ولا مقدرة على الحديث المُنمّق دُون أخطاءٍ نحويةٍ وتعبيريةٍ.

الإعلام خَاصّةً المرئي منه – علمٌ له قوانين وأُسس تُحسب بالكلمة والعبارة وظلالها، مع قراءة لغة الجسد وحركة العيون ونبرة الصوت وإيماءة الرأس.

 

-6-

 

بإمكان مُخرجٍ مُتحاملٍ أن يختار لقطاتٍ وزوايا تُعطي انطباعاً نقيضاً لما يُريده المُتحدِّث، تُظهر الارتباك وعدم الثقة وربما تفضح الكذب. باستطاعة مُحاوِرٍ مُتمرِّسٍ، استدراج المسؤول لقول ما لا يُريد قوله ووضعه في مكانٍ يسهل انتياشه منه.لذا، هُناك كورسات تأهيلية تعدّها كَثيرٌ من المراكز المُتخصِّصة للمسؤولين في كيفية التعامُل مع أجهزة الإعلام.

 

-أخيراً-

 

للأسف ستكثر الأخطاء الفادحة، في كل المواقع، هُنالك حيدر ما ينتظر كاميرا ومايكروفوناً تكشفان خطأ وجوده في ذلك المكان!

 

ذلك بسبب أن الحكومة الانتقالية مَضَت في الاتجاه المُعاكس للنجاح.

 

أخضعت عمليات الفصل والتشريد، والتعيين والتّمكين المُضاد، لا للكفاءة والتأهيل ولكن للون البطاقة الحزبية!

Exit mobile version