للعطر افتضاح _ حمدوك راجي الري _ د. مزمل أبو القاسم

قبل فترة أقدم رئيس الوزراء على توجيه وزرائه ومسئوليه بعدم التسرع في إعفاء أي موظف قبل إيجاد بديله، وفهمنا من قراره أنه يخشى على أجهزة الدولة من مخاطر الفراغ الإداري، فهل تقيَّد هو بما ألزم به الآخرين؟

 

بعض ما يحدث في مسرح العبث السياسي السوداني يصيبنا بالجنون، ويدفع الحادبين على مصير البلاد إلى شد الشعر غيظاً، بعد أن امتلأت صدورهم قهراً وكمداً.

تواجه بلادنا أزمةً اقتصاديةً طاحنةً، بلغ على إثرها التضخم معدلاً انفجارياً غير مسبوق، برقم ثلاثي (143 %‎) لشهر يوليو الماضي، لينبئ بانهيار شامل للاقتصاد، والبلاد تدار بوزير مالية مُكلّف لأكثر من شهر!

وصلنا ذروة موسم الزراعة الصيفي المحاط بمشاكل عديدة، وأزمات متنوعة في الري والسماد والخيش والمبيدات والجازولين، والبلاد بلا وزير زراعة، والوزير المكلف متورط في صفقة فاسدة انتهت بتسريب بذور عباد الشمس منتهية الصلاحية ومعالجة كيميائياً للأسواق بغرض استخدامها آدمياً.

البلاد في حاجة ماسة لدعم الأصدقاء، وإعانة الحادبين، وعطايا المانحين، ومشروع الموازنة المعدل يحوي أرقاماً ضخمة للمساعدات الدولية، ووزارة الخارجية يقودها وزير مكلف!

ست شحنات من البهائم تحوي أكثر من (58) ألف رأس تمت إعادتها قبل أيام من السعودية بسبب نقص مناعتها عن المعدل المتفق عليه بين البلدين، في مشهدٍ عبثي مؤلم تكرر عدة مرات خلال العام الحالي، وفقدنا على إثره عشرات الآلاف من البهائم النافقة على ظهور البواخر، وبلادنا بلا وزير ثروة حيوانية لأكثر من شهر.

العالم كله يشكو ويبكي من جائحة الكورونا التي أهلكت الحرث والنسل، ومستشفياتنا في حالةٍ يرثى لها، ورفوف الصيدليات خالية من الأدوية، وصندوق الإمدادات الطبية يولول من نقص الأدوية المنقذة للحياة، ومراكز غسل الكلى تشكو لطوب الأرض من عدم وجود محاليل غسل الكلى للأطفال، وتضطر لاستخدام محاليل الكبار لغسل كلى اليافعين، وتحتسب موتى بينهم، والخريف يحاصر المدن والقرى، وينبئ بانهيار تام في صحة البيئة، والوزارة المعنية بالصحة يقودها وزير مكلف، ويتم استبدال قياداتها بمعدل مرة كل أسبوعين.

الكهرباء تنقطع عن الناس بمعدل عشر ساعات في اليوم، والقطوعات مبرمجة صباح مساء، والقطاع الصناعي يشكو ويبكي من عدم مده بالتيار، وصفوف البنزين والجازولين تستطيل على مدّ البصر، ووزارة الطاقة والتعدين تدار بوزير مكلف لأكثر من شهر.

الميناء شبه متوقف بسبب الصراع الدموي المجنون في ثغر السودان الباكي، و(الكرينات) تعاني من عدم الصيانة وغياب الإسبيرات، وبضائعنا تفسد بانتهاء الصلاحية على الرصيف المكشوف، والبلاد بلا وزير نقل منذ مستهل الشهر الماضي.

قبل ذاك ظلت وزارة الدفاع خالية من وزيرها أكثر من ثلاثة أشهر، عقب وفاة الفريق الركن جمال عمر رحمة الله عليه.

طالما أن السيد رئيس الوزراء الموقر لم يكن جاهزاً بما يكفي لتعيين الوزراء الجدد، فلماذا تسرع في إبعاد المُقالين؟

ما الداعي لكل هذه (المَهَلة) المهلكة، والجرجرة المقيتة في ملء الخانات الشاغرة في حكومة حمدوك، وبلادنا تنزف دماً، وتشتعل الصراعات في قلبها وأطرافها، وتلتهب أسواقها بالغلاء، وتضمحل صادراتها، ويتقلص إنتاجها كل صباح.

إلى متى سيبقى رُبع مقاعد حكومة حمدوك بلا وزراء أصيلين، لتتحرك بالإسبير، وحتام ستستمر مشاورات رئيس الوزراء الممهولة والمتعثرة من فرقاء قوى الحرية والتغيير للاتفاق على أسماء جديدة تخلف المغضوب عليهم، في زمن التشاكس السياسي الموجع، والفساد الحكومي المستشري، والإنتاج المتراجع، والإنجازات الصفرية لحكومة الثورة التي وأدت أحلام شباب الثورة، وأورثتهم حصاد الهشيم؟

إذا لم يفلح حمدوك في تعيين خلفاء لمن أقالهم فعليه أن يُعيد المُبعدين، ويتمهل بعد ذلك في تعيين الجدد كعادته في كل الملفات الحساسة والمصيرية التي تدار بنهج (ود أب زهانة) الشهير.

(كان غلبتك الهموم اتدمدم ونوم.. نوم الضحى بطوِّل العمر.. من سكاها ما لقاها.. الحي رزقو حي.. اتديَّن واتبيَّن.. ربنا ما شقالو حنكاً ضيَّعو) وما إلى ذلك من الأمثال التي تحض على الكسل، وتناهض الإنتاج والعمل!

رئيس الوزراء المبجل راجي الري؟؟

عووووووك.. يا حمدوك!!

Exit mobile version