الأخبار الرئيسيةتقارير

من المسؤول عن استمرار الفوضى؟ مأزق السودان.. الولاة سبب في الأزمة وجزء من الحل

وكالات- النورس نيوز

يكشف التباين في الرؤى بين القوى السياسية السودانية في طريق إحداث تغيير هيكلي عميق في قواعد السلطة بعد استبدال الولاة العسكريين على أمل الانتهاء من مفاوضات السلام خلال الأشهر الستة الأولى من المرحلة الانتقالية، أن هذه السياسة قد تعيد جميع الفرقاء إلى المربع الأول بعد أن بات الولاة الجدد الذين عيّنهم رئيس الحكومة عبدالله حمدوك طرفا في الأزمة بدل أن يكونوا جزءا من مسار السلام في بلد يواجه جبلا من المشاكل المزمنة خلّفها نظام الرئيس المخلوع عمر حسن البشير.

 

الخرطوم – تصاعدت وتيرة الاتهامات بين حركات مسلحة وقوى قبلية في عدد من الولايات، وبين الحكومة الانتقالية والقوى المدنية التي تشكل ظهيرا سياسيا لها، بعد أن شهدت بعض الأقاليم توترا على وقع زيادة الاعتداءات المسلحة، واندلاع أزمة بطلها الولاة المدنيون المعيّنون أخيرا من رئيس الحكومة عبدالله حمدوك.

 

وشهدت المفاوضات بين وفدي الحكومة السودانية والجبهة الثورية في أبريل ومايو الماضيين مناقشات حادة حول استبدال حكام الولايات العسكريين بمدنيين، قبل أن تزداد المواجهة سخونة بين السلطة الانتقالية وفلول نظام الرئيس المعزول عمر البشير، بعد تظاهرات محدودة في ذلك الوقت تمكنت قوات الأمن من السيطرة عليها.

 

 

 

وما زالت أزمة تعيين القيادي بقوى الحرية والتغيير، صالح محمد صالح، واليا على كسلا بشرق السودان، تُلقي بظلالها على العلاقة بين مكونات الثورة المدنية وغالبية القبائل الرافضة لتعييه، وفشلت وساطة مجلس السيادة في تقريب وجهات النظر بين الطرفين، ما يهدّد بتعميق حدة الفجوة التي تحاول الحكومة سدّها.

جولة جديدة

 

تعقد اللجنة الرباعية التي شكلها مجلس السيادة، وتضم عضوي المجلس الفريق أول شمس الدين كباشي ومحمد الفكي سليمان، ووزير الدفاع اللواء ياسين إبراهيم ياسين، ووزير العدل نصرالدين عبدالباري ممثلا عن حمدوك، الخميس، اجتماعا حاسما مع قادة قبائل شرق السودان للوصول إلى حل وسط ينهي الأزمة القائمة.

 

وتصرّ قوى الحرية والتغيير على قرارها بتعيين الوالي، وتطالب بأن يأخذ فرصته أولا قبل تقييم أدائه وليس لديها غضاضة في إزاحته في حال الفشل في القيام بمهمته، فيما تؤكد 9 مكونات قبلية في شرق السودان على أن الوالي الجديد لا يحظى بتوافق القوى الفاعلة في الإقليم، وليس لديه مؤهلات تجعله يستطيع القيام بمهمته في الولاية التي تشهد اشتباكات قبلية من حين لآخر.

 

ولا تنفصل أزمة تعيين والي كسلا عن الخلافات القبلية التي تندلع في شرق السودان بين قبيلتي البني عامر والنوبة، لأن الوالي المكلف ينتمي إلى الأولى، فيما تتحالف قبائل البجا، الهدندوة والهوسا، مع الثانية في رفضه، وتذهب باتجاه التصعيد السياسي ضد الحكومة لإصرارها على بقائه في منصبه.

مرتضى الغالي: مكونات السلطة الانتقالية تعاني خلافات في بنيتها الداخلية

 

وانتقلت شرارة الأحداث التي تشهدها ولاية كسلا منذ أسبوعين إلى ولايات بورتسودان وجنوب كردفان ودارفور، في ظل مخاوف من انفراط العقد الاجتماعي داخل هذه الولايات التي تعاني أوضاعا أمنية هشّة يسهل اختراقها مع وجود طبيعة سكانية تعتمد على الانتماءات القبلية، ما يؤدي إلى فشل الجهود التي تبذلها الحكومة للتوصل إلى اتفاق سلام شامل مع الحركات المسلحة.

 

وعلى وقع التوتر الحاصل في كسلا تجدّدت الاشتباكات بين قبيلتي النوبة والبني عامر، على خلفية مسيرة حاشدة سيّرها أبناء النوبة لتسليم مذكرة لوالي البحر الأحمر، الأحد، احتجاجا على تعرض ابنهم الفريق أول شمس الدين الكباشي لعبارات عنصرية في منطقة الحتانة الأسبوع الماضي، قبل أن تندلع الاشتباكات بين الطرفين مخلفة 13 قتيلا و42 مصابا.

 

ولم يراع اختيار الولاة رؤية لجان المقاومة التي لديها حضورا ميدانيا في الكثير من ولايات الهامش، وتجاهل المجلس المركزي للحرية والتغيير الأسماء المرشحة بسبب المحاصصة، ما أفرز غضبا في شرق السودان والبحر الأحمر وجنوب كردفان.

 

كما أن السلطة الانتقالية تعاني ضعفا واضحا من الناحية الأمنية في ولايات الهامش تسبب في فوضى استغلتها أطراف عديدة مستخدمة شعارات الثورة لتغذية النزاعات القبلية، إلى جانب عدم انخراطها في عملية توعية سياسية شاملة للمواطنين. وقالت الباحثة السياسية منال خضير في تصريح لـ”العرب” إن “بطء الحكومة في التعامل مع أزمات المرحلة الانتقالية انعكس سلبا على علاقتها مع الهامش، ما أفسح المجال أمام قوى معادية للثورة لأن تدخل على خط الأزمة مستغلة الاحتقان”.

 

وترى خضير أن المشكلات الاقتصادية التي تواجهها الحكومة تكبّل يدها بشأن التعامل بصورة سليمة مع الهامش لأن قرارات رفع الدعم تواجه سخطا في الولايات التي تعاني أوضاعا صعبة، ما يجعل خطواتها لحل المشكلات غير مرحّب بها من قبل قطاعات واسعة من المواطنين النازحين.

 

ووفقا لمكتب الأمم المتحدة لشؤون تنسيق المساعدات الإنسانية، فإن الوضع الإنساني في السودان يتدهور بسرعة ويحتاج 9.3 مليون شخص، أي ربع سكان البلاد تقريبا لمساعدات إنسانية خلال العام الحالي.

 

ويذهب البعض للتأكيد على أن تأخر توقيع السلام، وعدم استيعاب جميع الحركات داخل مسار جوبا قد يكون مقدمة للانخراط في أعمال مسلحة بين الجيش كممثل عن المركز والحركات المسلحة التي أعلنت عن وقف العدائيات من جانب واحد، ما يعني إفشال المسار الانتقالي الذي يشكل السلام ركيزة لنجاحه وتلافي أخطاء الثورات السابقة.

 

واتهمت القوات المسلحة، قوات تتبع للحركة الشعبية لتحرير السودان، جناح عبدالعزيز الحلو، بالهجوم على الرعاة العائدين من الجنوب إلى الشمال بمنطقة “خور الورل” بجنوب كردفان، ما أدى إلى مقتل عدد من المدنيين وعناصر من القوات النظامية وتدمير معدات عسكرية ومدنية.

 

ثقة هشة

اختيار الولاة لا يراعي رؤية لجان المقاومة

 

يبرهن الوضع القائم على أن إجراءات بناء الثقة التي اتبعتها السلطة مع الحركات المسلحة في الهامش تعاني مشكلات، وغير كافية لوقف النزاعات، كما أن السلطة بحاجة إلى ضبط بوصلة تعاملها مع قضايا الهامش بشكل أكثر احترافية، لأن تبادل الاتهامات في ظل تجميد المباحثات السياسية مع حركة الحلو في جوبا قد يؤدي إلى ردة سياسية تؤثر على سير المرحلة الانتقالية برمتها.

 

ودعت الجبهة الثورية، قيادات الحرية والتغيير، وجميع القوى، المشاركة في الثورة للتشاور في جوبا بشأن إيجاد آلية جديدة لإعادة تنظيم الظهير السياسي لحكومة الثورة، وأبدت موافقتها على المشاركة في مؤتمر جامع تشارك فيه قوى الثّورة والتّغيير من كافة أنحاء السّودان لحل الأزمات الراهنة.

 

وشدّدت الجبهة الثورية في بيان أصدرته، مساء الاثنين، وقع باسم جميع القادة السياسيين والعسكريين المنتمين إليها، على ضرورة خلق حوار عميق، بعيدا عن التخوين والتحريض وتصفية الحسابات، والعداء لعملية السلام القائمة مع ضرورة إشراك لجان المقاومة وأسر الشّهداء والنساء والشباب وريف السّودان وولاياته في مشاورات توافقية مستقبلا.

 

ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي، مرتضى الغالي، أن مكونات السلطة الانتقالية تعاني خلافات جسيمة في بنيتها الداخلية أثرت على معالجتها لأزمات الهامش، لأن التحالف الحكومي يعاني خللا في جسمه المدني وثمة تباينات بين المكونين المدني والعسكري، والخلافات التي نشبت بين المركز والهامش هي إفراز طبيعي لغياب التوافق.

 

وقال في تصريحات لـ”العرب” إن “الخارطة السياسية حدثت بها تغييرات عديدة منذ ثورة ديسمبر الماضية، أثرت على سير المرحلة الانتقالية بعد أن استأثرت قوى بعينها بصنع القرار وبالتالي فكل تيار يحاول إثبات قوته، ما يدفع قوى الحرية والتغيير للتمسك بالولاة المدنيين الذين رشحتهم، برغم الاعتراضات القوية التي تواجهها”.

 

وأشار إلى أن السودان يعاني مشكلة مركزية منذ استقلاله ترتبط باقتسام الثروة والسلطة بين المركز والأطراف، والمفاوضات التي جرت في السابق لم تستطع حل هذه الإشكالية وأدت إلى انفصال جنوب السودان، وذلك يرجع لطبيعة الولايات المترامية التي تختلف في خصائصها بين ولايات غنية وأخرى فقيرة ومناطق تنشط فيها الحركات المسلحة وأخرى بعيدة عن سيطرتها.

مصدر الخبر / جريدة العرب اللندنية

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *