نبوءة الشعر لا تكذب..قصائد…أستكتبها الاحساس وجسدها وقائع الأحوال

النبؤة الشعرية كثيرا ما تصدق فالشاعر يتبع حدثه الذي كثيرا ما يستفز قريحته فتجود بقصيدة ما في زمان ما؛ ويدونها في دفتره وقد تسقطها الايام من ذاكرته لكن حدث العكس مع عدد من الشعراء السودانيين الذين اعادة ثورة ديسمبر قصائدهم إلى واجهه الاحداث وبعضهم وهو يلقي مفردات قصيدته فقر فاهه دهشة وهو يرى قصيدته التي كتبها قبل ردحا من السنوات حية تمشي بين الناس وكانه كتبها لهذا الحدث بل ويهتفون بها في الحراك الثوري الذي بدا قبل عام من الان لتحقق نبؤه صاغها الاحساس وترجمها قيما بعد وقائع الأحوال.

الخرطوم :رنده بخاري

عندما غنى العندليب عبدالحليم حافظ اغنية صورة قبل سنوات طوال وهو يصدح بأعلى صوته بتلكم الاغنية التي كتبها الشاعر صلاح جاهين لم يكن يتوقع جاهين ذات يوم ان تتحقق نبؤه قصيدته صورة التي يقول

مطلعها :
صورة للشعب الفرحان تحت الراية المنصورة
يا زمان صورنا صورنا يا زمان
حنقرب من بعض كمان
واللي حا يبعد م الميدان
عمره ما حيبان في الصورة”
والميدان كان هو ميدان التحرير الذي التف حوله ثوار ثورة الخامس والعشرين من يناير التي فجرها الشباب ايضا كما الثورة السودانية فصورة كانت نبوءة كما ارح مارقة ومن حقنا
الثورة أنثى
والثورة السودانية؛ التي تمضي نحو عامها الثاني ثمة شعارات كانت تردد في كل المواكب عندما بزغ فجر ميلادها؛ لم يكن يظن شعرائها ان الثورة ستعيد ميلادها من جديد كيف لا واحرفها تنبأت لذلك الحراك منها رائعة الشاعر الغنائي المعروف مدني النخلي الذي قال بعد ان شخص ببصره بعيدا وكانه يستدعي ذكريات سنوات مضت استكتبته تفاصيلها قصيدة ( ارح مارقة) وقبل ان يجيبنا على تساؤلنا كان يعتقد انه يلقي القصيدة همسا فخرج صوته متخشرج وطغت عليه نبره حزينة وقال :

رح مارقة
موت وحياة بقت
متساوية ما فارقة
قدامك غناء الميلاد
وديك شمس الأمل
شارقة ..ارح مارقة.
مسنودين على الحيط
ام زبالة وطين.
لا وارثين.
ولا لابسين
سوا السترة
وشبع حامدين.
..
ارح مارقة
على الأسواق
وضنك الحال
على ليل
التعابا الطال
فرق بين ديل
وبين ديلك..
ناس جوعى
وناسا حالا
عال العال..
ارح نكتب بلون
الاحمر الواضح
ما الواضح قالو
عليه ما فاضح..
كلام رنان يضج
صادح

من الدوحة إلى المواكب

كفف مدني بطرف جلبابه دموعا غالبها لكنها ابت الا ان تزرف وقال :قصيدة ارح مارقة كتبتها في العاصمة القطرية الدوحة ويومها كنت انا والفنان الراحل مصطفى سيد أحمد؛ نقيم بغرفة واحدة وحال البلد ساعتها يغني عن سؤالها؛ وضافت بالناس الظروف وحلمت يومها بفجر الخلاص فخرجت ارح مارقة التي ما ان انتهيت من كتابتها حملها الفنان مصطفى سيد أحمد بين يديه واعجب بها كثيرا وترجم اعجابه بصورة عملية بحمله لآلة العود وشرع في صياغة اللحن الأول لها؛ بيد ان الموت باغته ورحل دون ان ينتهي منها وبقي النص حبيس الاضابير نسبة لتخوف مطربين كبار من غناءه ويصمت لبرهة ويضيف “كذلك الانتقادات لاحقتني اذ سألني كثيرين لماذا قلت ( ارح مارقة ولم تقل ارح مارق ) واجابتي قلت لهم انني ضد الاستعلاء الذكوري والثورة أنثى وحقا كذلك ودونكم ثورة ديسمبر التي افخر بان إحدى شعارات ثوارها ( ارح مارقة ).

ذبذبات احساسه عالية

اعتبر انها كانت قراءة استباقية لثورة حلمنا بها في مخيلتنا كثيرا وشاءت الاقدار ان نعيشها لحظة بلحظة؛ بهذه العبارات ابتدر الشاعر عبدالوهاب هلاوي؛ حديثه معنا وزاد “الشاعر ذبذبات احساسه تجاه الاحداث عالية بعض الشي فالحس المرهف له دوره لذا قبل ردحا من الزمان وسنوات لا اذكرها متى كانت لكن اذكر جيدا الاحاسيس التي قادتني إلى الحلم بثورة فعندما تم التضييق علينا كمبدعين و تم تحجيمنا واغلقت ابواب الاجهزة الرسمية للدولة في وجهنا وزادت من معاناتنا الظروف المعيشية الصعبة ففي مثل هذه الظروف ولدت قصيدة بي ياتو حق وتقول بعض من كلماتها :
بي ياتو حق
بي ياتو دين
مين علمك ضرب البنادق
بين حقول الياسمين ..

ما شقشقت عصفوره اصلا ..
غير لعشها والفضا ..
ما غردت غير للنسيم ..
امطار وغيم ..
موسم رضا ..
ما طالبت غير بي صراحا ..
ولون صباحا ..
بي ياتو حق تكسر جناحا
هلاوي اكد ان هذه القصيدة كانت ايضا بمثابة تنبؤ بثورة ديسمبر التي عندما كتبها كانت في رحم الغيب إلى ان جاءت الثورة ووجدت قصائد كثيرة كانت في انتظارها وأخرى ولدت ما بعد السادس من أبريل وما بين هذا وذاك نبوءة الشعراء لا تكذب ابدا

Exit mobile version