هل توقف سياسات صندوق النقد تصاعد معدلات التضخم في السودان؟

تقرير : أمل عبد الحميد

 

ارتفع معدل التضخم في السودان إلى أكثر من 136% في يونيو الماضي مقابل 114% في شهر مايو 2020 وفقا لتقارير الجهاز المركزي للاحصاء الذي عزا الارتفاع إلى استمرار زيادة أسعار سلع الغذاء والوقود.

 

اذ يشهد الاقتصاد السوداني حاليا تصاعدا في وتيرة معدلات التضخم بصورة متسارعة، منذ انفصال جنوب السودان في العام 2011 حيث أثر فقدان عائدات النفط الكبيرة (70-75%) ودفع الحكومات المتعاقبة لمحاولة السيطرة عليه بإجراءات قصيرة المدى ، منها طباعة أوراق النقد لدعم الخبز والوقود والكهرباء في محاولة لتخفيف العبء على المستهلم محليا.

 

 

 

اما خارجيا فقد تخطى الدين الخارجي ،وفقا لبيانات صندوق النقد الدولي،   60 مليار دولار اغلبها خدمات متراكمة على الدين الاصلي و التي عجز السودان عن سدادها . و احدى اسباب العجز كانت تعود لعدم مقدرة على الاستفادة من اي علاقات مع المانحين او المستثمرين او الدائنين فقد فرضت  الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات اقتصادية على البلاد طوال عقدين قبل أن ترفعها في 2017 ؛لكن رفع العقوبات الاقتصادية مع ابقاء اسم السودان ضمن قائمة الدول الراعية عرقل التعاملات المصرفية العالمية وأوقف الاستثمارات الأجنبية وزاد من حدة الضائقة المعيشية ، كما يواجه الاقتصاد السوداني إلى جانب ارتفاع معدلات التضخم ، تراجع قيمة الجنيه السوداني بوصوله إلى 140 جنيه مقابل الدولار الامريكي في السوق السوداء مقارنة مع السعر الرسمي 55 جنيها : هذا ادى بدوره الى وارتفاع مطرد في أسعار السلع الأساسية.

الا ان  البنك الدولي وفي تحليله لواقع الاقتصاد السوداني وفي مذكرته الاقتصادية القطرية عن السودان ، أكد أن البنك المركزي اعتمد عدداً من السياسات التدخلية للحد من الضغط على سوق الصرف الأجنبي وسد الفجوة بين سعر السوق الرسمية والسوق السوداء و أتاحت هذه الإجراءات مهلة مؤقتة من أجل “التقاط الأنفس” ولكنها لم تعالج مصدر نقص النقد الأجنبي، الذي يحتمل أن يكون ذا طبيعة هيكلية.

 

 

 

وأشار البنك الدولي إلى أن السودان يحتاج  إلى مجموعة من السياسات الهيكلية والنقدية، وسياسات لسعر الصرف لمعالجة الاختلالات الخارجية ، كما يتعين عليه تنويع قاعدته الاقتصادية، وتوسيع نطاق قطاعي الزراعة والصناعات التحويلية المحلية، والحد من الاعتماد على الواردات ويبرز هذا أهمية الحاجة إلى إظهار مرونة في سعر الصرف للبنوك التجارية في تعاملات الصرف الأجنبي، وتحريك سعر الصرف الرسمي ليكون أقرب إلى سعر السوق من أجل إعادة بناء احتياطيات النقد الأجنبي.

 

 

 

وأضاف البنك الدولي بأن السماح بتخفيض قيمة العملة المحلية سيخفف من الضغوط المتصاعدة على الاحتياطيات الدولية المتضائلة ، “إلا أن تخفيض قيمة العملة سيعرض الأسعار المحلية لمزيد من الضغوط، نتيجة ارتفاع فاتورة الواردات، خاصة الأصناف الغذائية”.

غابراييل نيغاتو المدير العام لبنك التنمية الأفريقي بشرق أفريقيا قال: ” إن انتقال السودان، لإصلاح اقتصاده، سيكون مؤلما” مؤكدا أن الشعب يملك ثروة ، والسلام سيأتي لاحقا، مستدركا بأن التكلفة عالية التوقعات، في ظل حكومة تعاني من أزمة مالية، وأن تطبيق السياسات المالية بشأن التضخم لها شروط صعبة في ظل العقوبات الاقتصادية.

صندوق النقد الدولي بادر ضمن سياساته بصفته بيت خبرة عالمي متخصص في سياسات الاقتصاد الكلي لتقديم الاستشارات والنصائح ، بإخراج ورقة توصية للسودان، وذلك  عقب قرار رفع العقوبات الأمريكية في ديسمبر2017 ، أوصى فيها النظام السابق باتباع مجموعة من الإصلاحات الهيكلية من أجل “استثمار فرصة رفع العقوبات الأمريكية بأفضل شكل ممكن”. شملت توصيات الصندوق تعويم الجنيه حيث إن ذلك “عامل حيوي لاستقرار الاقتصاد السوداني” جنبا إلى جنب مع توحيد أسعار تبادل العملات في السوق العملة السوداني ، ووصّى الصندوق أيضا بإلغاء الدعم الحكومي للقمح والطاقة ، بالإضافة إلى توسيع القاعدة الضريبية من أجل تحصيل المزيد من الأموال لخزانة الدولة.

ومؤخرا في يونيو الماضي أكد صندوق النقد الدولي، أنه توصل لاتفاق مع الحكومة الانتقالية لتنفيذ إصلاحات هيكلية لاقتصاد السودان، وجاء في بيان للصندوق أن الحكومة السودانية طلبت تنفيذ برنامج الإصلاح لمدة 12 شهرا المقبلة تحت رقابته، لدعم جهود استعادة استقرار الاقتصاد الكلي، ووضع الأساس لنمو قوي وشامل.  ويهدف البرنامج إلى تعبئة التمويل الخارجي، وإحراز تقدم نحو تخفيف عبء الديون للدولة الفقيرة المثقلة بالديون (هابيك).

 

 

 

ويتزامن البرنامج بحسب الصندوق مع تحديات يواجهها الاقتصاد السوداني، دفعت لانكماش النمو بنسبة 2.5% في 2019، ” متوقعا أن ينكمش بنسبة 8%  خلال 2020 لتأثير جائحة كورونا بشكل كبير على الاقتصاد” مؤكدا أن عبء ديون السودان غير مستدام ، حيث تجاوز 190% من الناتج المحلي الإجمالي في 2019، وكان معظمه متأخرات.

 

 

 

وزارة المالية والتخطيط الاقتصادى رحبت بالاتفاق و أكدت أن  البرنامج سيفتح الأبواب أمام التمويل والاستثمار الدوليين فى القطاعات الإنتاجية والبنى التحتية ، وخلق فرص العمل للمواطنين خاصة الشباب، وتعزيز جهود مكافحة الفساد والحكم الرشيد ، وأوضحت أن البرنامج يدعم جهود الحكومة لتثبيت الأسعار الأساسية، بما فيها سعر الصرف، بطريقة تدريجية لخلق حوافز للتحويلات من الخارج لتتدفق عبر القنوات الرسمية بدلاً من السوق الموازى والذى سيؤدى إلى تغذية بنك السودان المركزى بالعملات الصعبة واستقرار الجنيه السودانى فى نهاية المطاف.

 

 

 

ويشمل برنامج الحكومة المتفق عليه مع صندوق النقد الدولى فى الفترة المقبلة تعديل قانون بنك السودان المركزى لتكريس استقلاليته، مع تعزيز قدرة البنك المركزى على التركيز على استقرار الأسعار والتأسيس لوضع نظام مصرفى فعال يتماشى مع أولويات الدولة ومصلحة المواطنين برأس مال متكامل، ومؤخرا بدأت الحكومة عقب الاتفاق فى برنامج لدعم الأسر السودانية أثناء المرحلة الانتقالية، وهو برنامج تحويل نقدى ، وسيتم توسيعه ليشمل 80٪ من الأسر بحلول أوائل عام 2021.

 

 

 

المؤسسات المالية العالمية تتابع مستجدات الأحداث في السودان حالياً، وسط ترقب، مع مواصلة تنفيذ توصياتها بالرغُم من العوائق التي تواجه اقتصاد السودان من ارتفاع كبير لمعدلات التضخم وزيادة تكاليف المعيشة ، وتعذر الوصول إلى سوق القروض الأجنبية، بجانب المديونية الكبيرة للدولة والعجز عن سداد أقساط الديون الحالية للشركاء الاقتصاديين … فهل تصلح سياسات صندوق النقد الدولي ما أفسده الدهر في الاقتصاد السوداني وتوقف تصاعد معدلات التضخم ؟؟.

المصدر : وكالة السودان للأبناء

Exit mobile version