آراء و مقالات

أطياف _ ٣٠ يونيو شفتو كيف ؟ _ صباح محمد الحسن

يقول المفكر عبد الرحمن الكواكبي احد رواد النهضة العربية والذي توفى في العام ١٩٠٢ وكأنه يصف بعض ثورات الربيع العربي ( الحرية التي تنفع الأمة هي التي تحصل عليها بعد الاستعداد لقبولها، وأما التي تحصل إثر ثورةٍ حمقاء فقلّما تفيد شيئا لأن الثورة غالبا تكتفي بقطع شجرة الاستبداد ولا تقتلع جذورها، فلا تلبث أن تنبت وتنمو وتعود أقوى مما كانت أولاً ) والكواكبي بالتأكيد لم يتنبأ بعلمه وعقله ودراسته بجيل سوداني تنجبه الألفية الثالثة يجعل (الحماقة) تكمن في مقولته التي تداولها أهل السياسية على مر السنين وتباكى بها كثير من المحللين وهم يرددونها في كل المنابر الإعلامية عندما تنصب الخيام لعزاء الثورات التي لم تؤت أكلها وكان التغيير عليها نقمة لا نعمة ، ولكننا وفي منابرنا يمكننا ان نفتخر أننا في السودان أعدنا صياغة هذا الحديث بالفعل قبل القول لأن لنا جيل عظيم لم يكتف بقطع شجرة الاستبداد بل ظل يغوص في أعماق الثورة ليقتلع جذورها من منبتها جيل ثورته مستمرة حتى بعد التغيير وهذه أكبر علامات الوعي والإدراك التي تجعله لا يشبه أحد خرج بالأمس ليقول للكواكبي ( كذبت ) نحن لسنا من نصنع الثورات ونكتفي بقطع رأس الأنظمة الطاغية المستبدة ، لتعود من جديد نحن لن نسمح بعودتها ولاحتى بوجودها في المشهد لتكون أضعف ناهيك ان تكون اقوى كيف لا؟ و٣٠ يونيو اعادت للمجد رونقه وللثورة روحها وعبقها وعطرها ، وألبستها ثوب جديد ليبدو لك المشهد وكأنها تحتفل بميلادها، مليونية خرجت في أبهى صورها وأجمل طلاتها المعهودة ، كانت حصة جديدة قدمت فيها عدة دروس إضافية ، في منهج ادب الثورات ذلك الفقه الذي يجهله كثير من الناس ، أولها أنها كتبت بالبونت العريض على جُدر التاريخ ( أن لا عودة للفلول من جديد ) ولم تكتف بقطع ذلك العشم بل كانت أكثر إصراراً وعزماً ان تمحو من ذاكرتهم حتى الاحلام و الأضغاث التي تراودهم بين الفينة والأخرى، والتي يحدثون بها انفسهم للإطلالة على المشهد السياسي من جديد فكانت بمثابة الرصاصة التي تسكن قلبك من حيث لاتتوقعها هذا اولاً .

الدرس الثاني هو قطع الطريق امام كل الذين كانوا يريدونها نهاية للحكم المدني ببداية التخريب والقتل وسفك الدماء وبث روح الفتنة بين المكونين العسكري والمدني لتدخل البلاد في ساحة من الفوضى وتنتقل الي قائمة الدول التي ضاعت ثورتها وشعاراتها تحت انقاض المدن وبين جثث الشهداء على قارعة الطريق .

الدرس الثالث كتب على (سبورة ) العسكر ان لابديل للمدنية الا المدنية وان الانقلابات العسكرية على الثورة أصبحت ضرب من ضروب المستحيل فليس هذا هو الشارع الذي ستجوبه الدبابات لتحتفل بعسكرية الحكم في يوم ما لطالما ان المواكب مازالت يعلو هتافها على صوت المدفع وان القلوب ماعادت تخشى وتخاف الموت.

رابع الدروس لمكونات الثورة من قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين ان الثورة اصبحت لاتحتاج الي حاضنة سياسية ، بلغت سن الرشد التي تؤهلها لقيادة نفسها فلجان المقاومة اصبحت تمسك بزمام الشارع بقبضة قوية اثبت ذلك بأنها هي من تدعو الي مليونيات والشارع يستجيب تكتب مطالبها وتسلمها الي رئيس الوزراء في عملية مباشرة شعارها ( الوسطاء يمتنعون ).

الدرس الخامس الثورة منحت الدكتور عبد الله حمدوك صكاً جديدا من الاحترام وجددت فيه الثقة والولاء وهتفت بإسمه ، في رسالة واضحة غير قابله للتحوير ، ولكن في رأيي هذا هو الدرس الأصعب الذي ان لم ينظر اليه حمدوك بعين فاحصة وعقل راجح ستكون نتائجه سالبة وهو ان حمدوك لابد أن يفي بوعوده للثوار وينفذ كل المطالب التي حملتها المذكرة مهما كان وقعها وتأثيرها على الرافضين لها ، وان يتحرر حمدوك من قيود (الطاولة الجماعية) لتنفيذ القرار وينفرد بالملعب ليحرز هدفاً دون الإلتفات الى أولئك الذين كانوا سببا في هذه الإخفاقات، رئيس يدعمه الشارع لن تحول قوة أخرى بينه وبين إستكمال مراحل التغيير ، فهذه الثقة الكبيرة من الشعب تحتاج الي عمل أكبر وبرهان أعمق ، لذلك لابد ان يرد حمدوك التحية بأفضل منها ، وإلا سيكون طريقه صعبا وشائكاً للغاية .

أخيرا لابد من تقديم واجب العزاء لكل الذين كانوا يتربصون ويخططون لتحويل هذا اليوم من ملحمة ثورية سلمية تاريخية، الى فوضى وتخريب وقتل ، الذين خاب ظنهم بعدما شخصت ابصارهم وهم يشاهدون الملايين في الشارع بالرغم من اغلاق الكباري والظروف الصحية فماذا لو التقت كل هذه الجماهير في مدينة واحدة ، في جو خالي من الكورونا ، ما الذي كان سيحدث ؟ مواكب يجب ان يتعلموا منها ادب التظاهر طريقته فنونه وسلوكه وتعامله …شفتو كيف؟

فالثلاثين من يونيو يوم بالتأكيد جعل البعض ، مغشياً عليهم ، من فرط الصدمة وقتل احلامهم قبل ان تولد مات بداخل قلوبهم ( حلم ) كبير ولأن موت الاحلام أحيانا اصعب من موت الاشخاص والأحباء لذلك احسن الله عزاءكم ، وبلغكم الصبر والثبات .
طيف أخير :

لاتسألني من أنا ومن أكون انا الصخرة انا الحلم الذي في قلبك ينبض .. أنا الثورة.

الجريدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *