مناظير _ مفوضية الاجهزة العدلية ! _ زهير السراج

عند مناقشة مشروع قانون مفوضية اصلاح الأجهزة العدلية احتجت السيدة رئيسة القضاء بأنها لن تسمح بان يفصل قضاتها بدون أسس أو محاسبة، وكان الرد بأنه لا اختلاف حول هذا، لكن الاوفق أن يدخل ذلك ضمن مهام المفوضية لتقوم بوضع أسس ومعايير عادلة وإجراءات محددة تحول دون محاباة، وفي ذات الوقت لا يظلم احد.

الآن وبعد تعديل قانون تفكيك النظام البائد، وفي ظل رفض رئيسة القضاء للمفوضية، وجدت القضائية نفسها في حالة تخبط أوصلتها لدرجة التعاون مع لجنة التفكيك لعزل القضاة، ولعمري فإن هذه الفعلة ستكون سبة في تاريخ السلطة القضائية، اذ كيف تقبل بأن تتولي لجنة تقوم على محاصصات بين كيانات حزبية وغيرها بالتدخل في شؤونها سرا أو علانية؟!

منعا للبس اقول يجب وعلى وجه السرعة، عزل القضاة الذين ينتمون للحزب المحلول ولجهاز الأمن، والذين أفسدوا الحياة العدلية وخربوا الذمم، (لكن) بإجراءات سليمة، تحفظ كرامة واستقلال القضاء ولا تَستبدل مرارات بمرارات.

لقد كان من الممكن أن يُعالج موضوع القضاة المفصولين تعسفيا بواسطة مفوضية الإصلاح في إطار النظرة الكلية لمهامها، لكن وفي ظل رفضها لمفوضية الإصلاح قامت السيدة رئيسة القضاء بتكوين لجنة برئاسة قاضي المحكمة العليا مولانا فتحية لمعالجة أوضاع القضاة المذكورين، وعلى ضوء توصياتها التي وافقت عليها رئيسة القضاء، جاءت القرارات الأخيرة لمفوضية الخدمة القضائية، وقد أثارت جدلا حول مدى سلامتها، ليس لكونها أُعلنت قبل اعتمادها سياديا فحسب، وإنما أيضا حول مدى الإنصاف الذي حققته، وشموله للجميع.

لقد تم عزل القضاة سابقا وبأساليب مختلفة، في إطار سياسة الظلم والتمكين التي انتهجتها الإنقاذ، وامعانا في الظلم دمغتهم جميعا بالفساد دون تهم أو محاسبة، بما يستوجب رد اعتبارهم جميعا، بمن فيهم من ماتوا غبنا وألما.

دون التقليل من المجهود الذي بذلته لجنة مولانا فتحية، لكن هناك ملاحظات اثيرت من قبل القضاة المتضررين، وفي رأيي لا تزال الفرصة قائمة لسماعها ومعالجتها بواسطة ذات اللجنة، في اطار رؤية شاملة وموضوعية تضع في الاعتبار ضوابط الإصلاح القضائي، وتحقق لهم الإنصاف ورد الاعتبار .

لو تم اصلاح اجهزة العدالة بواسطة المفوضية في وقتها لباشرت مهامها وسارت الأمور سيرها الطبيعي، ولما اضطرت النيابة للإعلان عن إحالة بلاغات للمحاكم عبر مؤتمر صحفي يحضره احد قضاة المحكمة العليا ليقوم باستلام المحاضر، فهذا السلوك، مع الاحترام، يعد نقيصة ومطعنا في الهيبة والحيدة، يتجاوز شخص القاضي ليُنسب للمؤسسة بأكملها، ويؤكد أن الأجهزة العدلية لا زالت تدار بمفاهيم الإنقاذ، التي كانت تنتهج العدالة الإعلامية، فإحالة البلاغات للمحاكم واستلام محاضرها عمل روتيني يتم ما بين قلم كُتاب النيابة والقضاء، ولا يحتاج لتظاهرات إعلامية، أيا كانت دوافعها.

من المواضيع المطروحة تسليم بعض الأشخاص لمحكمة الجنايات الدولية أو محاكمتهم محليا، والأخيرة لن تكون إلا بتحقيق حيدة وكفاءة وقدرة الأجهزة العدلية للقيام بمهامها بما يتطلب قيام المفوضية لتؤدي دورها في الإصلاح، لذلك فإن وقوف البعض في طريق الإصلاح، أمر غير مفهوم ولا يحقق مصلحة الوطن، وسيفتح الباب للتدخلات الدولية.

بالإضافة إلى ما سلف ذكره هناك عدة مهام تختص بها المفوضية، مثل تحديد شروط وضوابط تولى عضوية الأجهزة العدلية والنظر في رفع أو إلغاء سن المعاش، وضع الضوابط للتفريق بين الانتماء الفكري والانتماء الحزبي لمنسوبي الأجهزة العدلية، تحديد مدى سلامة دخول الأجهزة العدلية ومنسوبيها في التجارة والاستثمار ومعالجة وضع الأصول التجارية الحالية الخاصة بالقضائية، الوقوف على أسباب تدني العمل في الأجهزة العدلية وما ينسب لها من تقصير ولمهنة المحاماة، تحديد سنوات خبرة للترافع أمام المحاكم وفقا لدرجاتها، بالإضافة الى إجراء دراسة عن تسجيلات الأراضي وما لحقها خلال الأعوام الماضية وتصحيح اوضاعها، والكثير من المهام الأخرى التي يمكن أن تقوم بها المفوضية.

أخيرا لا بد من توضيح حقيقة ان فكرة مشروع قانون المفوضية تعود للقضاة السابقين، وقد تم تبنيها وتطويرها والدفع بها للأمام بواسطة اللجنة القانونية لقوى الحرية والتغيير ثم وزارة العدل بعقد عدة اجتماعات، ثم ورشة شارك فيها المحامون عبر نقابتهم وكذلك المستشارون ووكلاء النيابة والقضاة السابقون.

ويبقى السؤال أين قضاة المحكمة العليا سواء من بالداخل أو المعارين، أين بقية اهل القانون، لماذا يكتفي بعضنا بالاعتراض على المفوضية دون طرح رؤية بديلة، لماذا نتخصص في رصد الأخطاء والتعليق والسخرية ولا نساهم في أحداث التغيير ومشاكلنا في تفاقم يومي؟!

هذا المقال ليس لانتقاد احد، لكنه دعوة للجميع لشحذ الهمم والنهوض بالوطن .
عبد القادر محمد أحمد
المحامي

تعقيب: كان ذلك جزءا من مقال كتبه مولانا عبد القادر محمد أحمد حول مفوضية اصلاح الاجهزة العدلية والفرصة مفتوحة لكل القانونيين وغيرهم للتعليق وابداء الرأي، مع الشكر الجزيل.
الجريد

Exit mobile version