ربيع الكلمات _ الوحدة السودانية المصرية… لعبور أزمة “سد النهضة” _د.ضياء الدين عبدالرحمن

ما زال “سد النهضة” قيد التباحث و التفاوض الإستراتيجي داخل أروقة وزارتي الري و الخارجية في دول السودان و مصر و إثيوبيا و هو يستحق بلا شك هذا الزخم “الدبلوماسي” ، و في السودان لم يلقى ملف سد النهضة حظه من الاهتمام و المسؤولية من النخب السياسية و الاجتماعية من أحزاب و مؤسسات مدنية برغم ان النيل تمس قضيته الأمن القومي و يؤثر في مستقبل المشاريع الاستراتيجية للدولة ، غابت الندوات عنه و إنشغل الاعلام بقضايا السياسة “الفارغه” و النزاع حول السلطة ، لم تتم دراسة التغييرات المحتملة لإنشاء دولة إثيوبيا السد و وضع خطط و رؤى احترازية للتعامل مع هذا المستجد و تعاطوا مع الملف بمقياس سياسي بحت ، بالتأكيد هي جريمة أخلاقية ترتكبها النخب السودانية و تواصل بذلك نهج الفشل الاستراتيجي منذ الاستقلال.

قبل يوم انتهى الاجتماع المشترك الثلاثي لدول السودان و مصر و إثيوبيا حول سدالنهضة بدعوة من السودان الذي يلعب في خانه الوساطه و هي خاطئة لأنه شريك رئيس في القضية بل و من المفترض أن ينحاز مع مصر و لهما المصير المشترك ، بالرجوع للإجتماع و كانت أجندته عدد سنين ملء و تشغيل السد و الذي لم يخرج بتقدم في شئ من النقاط العالقة التي عاند فيها النظام الأثيوبي في السابق و واصل كالعادة مماطلته و عدم إلتزامه بأخلاق الحوار و مراعاته فقط لمصالح سياسية للنظام الحاكم الذي يواجه في الداخل الأثيوبي على أرض الواقع تململ و عدم رضى شعبي على سياساته و إدارته لشؤون الدولة.

في اعتقادي أن بدون اتفاقية الخرطوم الموقعة في العام 2015 كان لدولتي السودان و مصر الحق في التحكم في إدارة السد او حتى عدم إنشاءه و هذا حسب الاتفاقيات السابقة المبرمة حيث كانت الدول المشاطئة على نهر النيل مستعمرات لدول أجنبية ثم حصلت هذه الدول على استقلالها وظهرت أولى الاتفاقيات لتقسيم مياه النيل عام 1902م في أديس أبابا وعقدت بين بريطانيا بصفتها ممثلة لمصر والسودان وإثيوبيا ونصت على عدم إقامة أي مشروعات سواء على النيل الأزرق أو بحيرة تانا ونهر السوباط الا بموافقة بقية الدول ثم اتفاقية عام 1929 التي جاءت مؤكدة لحق دول المصب في الاعتراض على إقامة أي مشروعات دون موافقتها.

من المعلوم أن دولة مصر تستغل سنويا 55 مليار متر مكعب من مياه النيل من أصل 83 مليار متر مكعب تصل إلى السودان الذي يحصل على 18 مليار متر مكعب فيما يحتسب الباقي فاقدا لا يستغله السودان حسب حصته و تعتمد مصر على مياه النيل بنسبة 90% ، و بعد انشاء سد النهضة ستتناقص كمية المياة المتدفقة بكمية تقدر ب 15 مليار متر مكعب حسب كمية التبخر والتسرب والفيضان و مياه الأمطار و هذا سيؤثر بلا شك على دولتي السودان و خاصة مصر و يلقي بظلال سالبة على مشروعات المياه و الزراعة القائمة حاليا و التي هي في الأساس تحتاج لكميات إضافية من المياه كما سيضع المشروعات المزمع إنشاؤها مستقبلا في خانة الخيال لا أكثر و لا أقل.

ندعو الحكومة الانتقالية في السودان لعدم التفريط في حقوق الشعب السوداني و الاستماته في ذلك و لو لزم الأمر الوصول لأعلى درجات التصعيد ، منذ عقود و مازال المصير المشترك يربط دولتي السودان و مصر و ملف سد النهضة أحد القضايا الحساسة التي تمس حياة شعبي وادي النيل ، خرق النظام الإثيوبي للإتفاقيات يهدد السلم و الإستقرار في الإقليم الإفريقي و في وجهة نظري ان إثيوبيا غير مؤهلة للإستمرار في الاحتفاظ بمقر الاتحاد الإفريقي ، يجب عزل النظام الأثيوبي الذي يسعى لضرب الوحدة الإفريقية ، لكن نؤكد أن السودان و مصر معا و يد بيد قادران على وقف غطرسة النظام الأثيوبي و إعادة بناء القارة السمراء و قيادتها نحو تنمية مستدامة تحفظ حقوق الشعوب بحكمة وفق القوانين الدولية.

د.ضياء الدين عبدالرحمن
باحث في العلاقات الدولية

11 يونيو 2020

Exit mobile version