بلا حدود _ تحرش العسكر _ هنادي الصديق

جاء في صحيفة الجريدة يوم امس (وجه رئيس أركان القوات المسلحة ، الفريق أول ركن محمد عثمان الحسين، بتغيير اسم قوات الدفاع الشعبي، إلى “إدارة الاحتياط”. وطبقا لوثيقة رسمية للقوات المسلحة انتشرت على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي، فإن مدير إدارة التنظيم والتسليح، اللواء الركن، طارق محمد عرابي، وجَه الإدارات والقيادات والمناطق والفرق والأسلحة والمعاهد والكليات والمراكز العسكرية، بمخاطبة قوات الدفاع الشعبي، باسم “إدارة الاحتياط” في المخاطبات الكتابية، وباحتياط الخرطوم في العنوان التلغرافي. وأوضح عرابي، في إشارة أرسلها إلى القيادات العسكرية، إن تعديل مسمى قوات “الدفاع الشعبي” إلى قوات “إدارة الاحتياط”، جرى خلال اجتماع رئاسة هيئة الأركان بتاريخ الثاني من يونيو الجاري) انتهى.

اليوم صدر نفي من الجيش للخبر ولكنه من مستشار رئيس المجلس السيادي البرهان ولا يحمل توقيع رسمي له كقائد عام لقوات الشعب المسلحة ما يشير لحجم الارتباك الكبير الذي أحدثته الاشارة الرسمية بخصوص موضوع الدفاع الشعبي.
نعم، واضح جداً أن هذا الامر تم ببساطة في تحدٍ واضح وسافر للشعب الذي خرج شاهرا سلاحه الثوري ضد كل ما هو مرتبط بنظام المخلوع بما فيها هذه القوات المؤدلجة التي تشير كل الشواهد إلى تورطها في مجزرة فض الاعتصام وما تبعها من ممارسات دفع ثمنها شباب هذا الوطن. والرغبة المحمومة في إعادة إنتاجها في شكل جديد.

شخصيا لم استبعد مثل هذا الخرق الواضح للوثيقة الدستورية، ولكافة القيم والأخلاق من قبل المؤسسة العسكرية التي تترأس الفترة الأولى من عمر الفترة الانتقالية، خاصة وأن فترة رئاستها تبقى منها اشهر فقط وهو سبب أدعى لأن ترتكب الكثير من الاخطاء على هذه الشاكلة بحثا عن بقاء دائم في السلطة وليس مؤقت حسبما تنص الوثيقة.

المكون العسكري لن يرتضي إستقرار الوضع بالبلاد في ظل وجود المكون المدني وبحث الشارع المستميت عن حكومة مدنية كاملة الدسم يكون فيها العسكر أحد أضلعها التي تعمل على حمايتها من أي مهدد داخلي او خارجي، ولن يهدأ له بال طالما بات أمر وصول البعثة الاممية أمر واقع، الامر الذي سيوقف زحف المكون العسكري لضرب ما تبقى من عمر الفترة الانتقالية تلبيه لرغبات الحاضنة السياسية له املا في عودتها للمشهد السياسي مرة اخرى.

سبق وان اشرنا لمهددات عديدة للامن القومي من قبل المؤسسة العسكرية، وطالبنا مرارا بضرورة الاهتمام بإعادة الشرفاء ممن احيلوا للصالح العام بكل من القوات المسلحة وقوات الشرطة وإعادة هيكلتها وتصفيتها من منسوبي المؤتمر الوطني بجانب تطهير جهاز الامن والمخابرات من العناصر الفاسدة وتغيير عقيدته ليكون الولاء للوطن فقط وليس لفئة او حزب او ايديولوجيا معينة.

وما حدث مؤخرا من تسارع في أحداث العنف المسلح بولايات كردفان ودارفور ومدينة الفشقة الحدودية مع اثيوبيا، بجانب العديد من المدن المعروفة بإستقرارها الأمني، ايضا يتم بترتيب محكم وتحت سمع وبصر القوات المسلحة التي تقف في كثير من الاحيان موقف المتفرج إن لم تكن ضالعة في هذه الأحداث. ولعل هذا ما يفسر قلق وتململ اللجنة الامنية وتحفظها على خطاب الحكومة مع اقتراب موعد وصول البعثة الاممية، ثم اصدارها للبيان المرتبك قبل يومين.

فتح المعابر بين الولايات ودخول وخروج المواطنين (من غير حملة التصاريح) بشكل طبيعي رغم انتشار الجائحة بشكل مخيف وحصدها للأرواح بلا رحمة، ورغم ما يقال عن الإجراءات الصحية الاحترازية، وإبتزاز المواطنين ماديا من قبل بعض منسوبي القوات النظامية المكلفة بحماية قرارات الحكومة، وعدم إتخاذ إجراءات عقابية رادعة ضد النظاميين المستهترين، يدخل ايضا ضمن أساليب الضغط لإفشال ما تبقى من عمر الفترة الانتقالية، وإيجاد مبرر للإنقلاب المتوقع رغم يقين الجميع بعدم جدواه وعدم إعتراف المجتمع الدولي به، ولكن لا بأس من إرباك المشهد لحين إجراء ترتيبات جديدة ربما أسهمت في عودة الحرس القديم.

شواهد كثيرة سنتحدث عنها لاحقا تشير لقصر نظر المفاوضون والقائمون على أمر الوثيقة الدستورية (بعيدا عن نظرية المؤامرة) ويؤكد(تحرش) الشريك العسكري بالثورة، وهو الذي مُنح حقا ليس له، ليدفع الشعب الثمن في نهاية المطاف.
الجريدة

Exit mobile version