آراء و مقالات

رؤى وأفكار _ فشل حكومة حمدوك وإصرار على بقائه _ د. إبراهيم الصديق على

د. إبراهيم الصديق على

اتجاهات الواقع السياسي : تفكيك واعادة ترتيب

فشل حكومة حمدوك وإصرار على بقائة

إحباط في مسار السلام وتفتت جبهة قوي التغيير

(1)

هناك إشارات كثيرة لحدوث إنتقال سياسي في السودان، وربما يمكننا الإشارة لبعض مؤشراته بالاتي:

– حدث تفتت في جبهة قوي التغيير، حيث انسحب حزب الأمة، ودارت ملاسنات اسفيرية بين الشيوعي والبعث ووجه الاتحادي انتقادات واسعة لقوى التغيير.

– ما جري في انتخابات تجمع المهنيين وعمليات الإزالة والتمكين لبعض القوى وازاحة آخرين، مما افقد التجمع فاعليته وتأثيره، وما جري في التجمع هو مظهر للخلاف بين القوى السياسية.

– الحركة السياسية والاتصالات على مستويات مختلفة، ولأول مرة يعلن مكتب رئيس الوزراء أنه (يجري إتصالات) للعبور بالفترة الانتقالية لبر الأمان، وهناك لقاءات القائم بالأعمال الأمريكي وهناك تسريبات عن زيارات أخرى، كلها تتجه الي ان هناك حاجة لإعادة فك وتركيب المرحلة الإنتقالية.

– الاحباط الذي لازم محادثات السلام، وتعدد المسارات، واضطراب المشهد، حتى تحول الأمر لعرض كبير من الحكايات والهرج السياسي، ولم يعد الأمر كما تصوره بعض الحالمين (إنجازه خلال ساعات)، بل ان الامر أصبح أكثر تعقيدا بعد أن وثقت بعض القوى السياسية صلاتها بالحركات المسلحة، وأصبح كل طرف امتداد للآخر، وخلط الأجندة الوطنية، ويضاف لذلك الانقسامات الحادة في الجبهة الثورية وتعدد الفصائل.

– ضبابية العلاقات الخارجية وتأثير ذلك على الوضع الاقتصادي، وتفاقم الأوضاع المعيشية.

– وربما يبدو غريبا ان نقول (فشل خطط التخوين والاستفزاز) للاسلاميين، لقد كانت تلك خطة اليساريين والشيوعيين بشكل اساسي، وهو خلق حالة من الفوضي والاضطرابات تستدعي إجراءات استثنائية، يتمدد في ظلها اليسار داخل المؤسسات العسكرية والأمنية، ويمكننا ان نراجع ببساطة ما جري في حادثة اغتيال د. حمدوك وصدور قرار انشاء إدارة الأمن الداخلي، ثم الحديث عن تقصير المكون العسكري قياسا على التفلتات القبلية، وربما يجدر بنا هنا الدعوة لمزيد من التحري والتحقيق لمعرفة من وراء إشعال الفتن القبلية وحتى الصراع في كادوقلي.لقد استطاع التيار الإسلامي التعامل بمسؤولية مع الاستفزازات ومحاولات جره لمربع العنف والعنف المضاد، وادي ذلك لفشل خطط إثارة الفتن المرتع الخصب لبعض القوى التي تفتقد العمق الجماهيري.

– تداعيات، ما بعد تجريد البعثة الأممية من طابعها العسكري، بناءا على طلب المكون العسكري، وهو ما ينزع من بعض القوى السياسية أداة باطشة، كانت تسعى لبسط سيطرتها وفرض أجندة من خلال إسناد دولي. كل ذلك اقتضي ان تتحرك أطراف متعددة لإعادة التشكيل من جديد.

(2)

لقد فشلت قوي التغيير في توظيف الطاقات الشعبية ما بعد الحراك، وبدلا عن ابتدار مشروعات طموحة وأفكار خلاقة ورؤى جامعة، فانها أنكفأت على مواقف صغيرة وبدلا عن قيادة المد الشعبي الي أجندة كبيرة فإنها اختارت قضايا ثانوية وثناءات على الأشخاص وطعن في آخرين، وسارعت للهدم قبل البناء، أن محاكمة رجال الأعمال وانتقاء شخصيات في القطاع الخاص جاء سابقا للدعوة للنفير الشعبي، ولم تطرح حتى هذه اللحظة اي مشروعات كبرى للإنتاج.بل سارعت بعض القوى للهدم في ثوابت لم تكن محل نقاش مثل تغيير المنهج الدراسي، ونحوه، كلها ادت الي زيادة الشك والظنون في دوافع قوي التغيير، وفوق ذلك فإن أداء الكثير من الوزراء كان مخيبا للآمال، لقد فشلت هذه الحكومة في كل المجالات السياسية والتنفيذية.ولقد انجرف د. حمدوك مع هذه القوي، وبدلا عن افتراع تحولات كبرى وبناء دولة المؤسسات والقانون، غاص هو أيضا في وحل النظرة الضيقة وإلتماس التصفيق من كرات عابرة واكتفي بالصمت في أحسن الأحوال.

(3)

كل ذلك جعل التغيير ضرورة ملحة وفق عدة محددات في المرحلة القادمة، وأولها : ان د. حمدوك سيكون مركز الإنتقال، بمعنى انه الثابت الوحيد في المعادلة، فهو على الأقل يقدم الحد الأدنى من توافق الأطراف، كما أنه يكفي الجميع مشقة البحث عن شخصية توافقية جديدة.

وثانيها : ان الاقتراب من الشخصيات ذات الطابع السياسي، وذلك تحملا للمسؤولية السياسية ونتيجة ترضيات القوى السياسية، خاصة اننا شهدنا ميل القوى السياسية للمشاركة في مستويات الحكم الولائية وتجاذبات في المجلس التشريعي، كما أن فاعلية الشارع لم تعد بذات ضراوتها لفرض اجندتها، فقد القوى السياسية الي تحزيب الشارع وادي ذلك لتفريغ شحناته العفوية و تحوله الي مواقف حزبية.

وثالثها: فإن التيار الوطني والإسلامي سيبتعد أكثر من خطوة بعيدا عن دعم اي مجموعة سياسية، أو أي تحول جديد في المشهد السياسي.

ورابعا: فإن التغيير القادم سيكون بسقف توقعات أقل.
هذه مجرد توقعات، وغالب الظن إنها ستواجه تعنتا من بعض القوى السياسية التي نالت حظا أكثر من غيرها في التمثيل في الحكومة القائمة ونخص هنا قوي اليسار، كما أن اغلب الفشل منسوب لوزراء هذا التيار.
الخميس ٢١ مايو ٢٠٢٠م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *