المالية تركب قطار الجنون.. عادل الباز

 

فيما اري

سابق السيد وزير المالية الزمن لرفع الدعم ، فلم تعد له قدرة على الصبر الجميل لانتظار الاتفاق مع السادة في قوي الحرية والتغيير ، ولذا فهو كل يوم يفرض أمراً واقعاً جديداً دون انتظار اتفاق تعثّر طويلاً .. فلجأ أولاً إلى حيلة البنزين التجاري ثم زيادة أسعار الغاز وقريباً الكهرباء .. ذلك كله كوم وما يزمع أن يرتكبه من جنون قريباً أمر آخر !!

٢
أعلن السيد وزير المالية زيادة المرتبات بنسبة 569% ؛ وذلك يعني ارتفاع إعتمادات تعويضات العاملين من 58.6 مليار جنيه عام 2019م إلى 131.1 مليار جنيه عام 2020م أي بنسبة زيادة 123%.. حسناً السؤال من أين سيأتي وزير المالية بالموارد حتي يستطيع تغطية تلك الزيادة المهولة في المرتبات وماهي الآثار المترتبة علي تلك الزيادات في الميزانية علماً بأنها أصلاً معجزة بمايقارب ٣٠٪.؟
؜ يقول السيد الوزير في حوار له قبل ثلاثة أسابيع مع صحيفة المواكب المحترمة (مواردنا الذاتية في الوقت الحالي – هي نوعان من الموارد ؛ الضرائب والجمارك وقيمتها (158) مليار جنيه وتشكل 27% من نسبة الإيرادات و تقديراتنا محافظة جداً وتوقعاتنا أن نوفر من الجمارك والضرائب أكثر من المبلغ المذكور ولكن ، وتوخياً للتقديرات المحافظة ، قلنا إن المبلغ الذي يتم تحصيله من الجمارك والضرائب هذا العام سيكون 158 مليار، هنالك ما يسمى بإيرادات ذاتية أخرى وتمثل 254 مليار – جزء منها رسوم عبور نفط دولة جنوب السودان وعائدات النفط المنتج في السودان وبعض الشركات العاملة   بالإضافة إلى 2 مليار دولار تأتي من منظومة الصناعات الدفاعية، وهي عبارة عن ريع الصادرات الذي ستقوم به الصناعات الدفاعية هذا العام وهم يملكون مسالخ مثل مسلخ الكدرو وشركات أخرى، وهم سيدعمون الموازنة بمبلغ 2 مليار دولار) انتهى تصريح الوزير.
إذن هذه هي كل الموارد التي يعتمد عليها السيد الوزير اضافة للدعم الخارجي الذي يتوهمه!!

٣
قوي الحرية والتغيير حين أجرت مراجعة للميزانية اكتشفت أمراً عجباً ، قال د . صدقي كبلو (أنه وبعد مراجعة الموازنة وضح أن هناك مبلغ 110 مليار جنيه ضمن الإيرادات رصدت بالخطأ ( مساهمة المنظومة الدفاعية  والمقصود هو عوائد أرباح الصادرات وليس مبلغ الصادرات كله )، وعجز الموازنة سيرتفع من 70 مليار جنيه إلى 222 مليار جنيه ، وأضاف أن الموازنة تضمنت 156 مليار جنيه من العون الأجنبي ولم يتم التوقيع حتى الآن إلا على 44 مليار جنيه فقط).ترى ما ظنكم بوزير مالية يقدم ميزانية بها خطأ في الإيرادات يبلغ ١١٠مليار جنيه جملة واحدة !! هل منكم من سمع بقصة ود أبوسن مع المهندس الذي جاءوا به لتخطيط رفاعة ؟.هي لا تصلح للنشر هنا. فاسألوا منها !!
٤
إذا كان هذا هو حال الميزانية في ظل عدم توقع أي معونات أجنبية ذات بال بسبب مايشهده العالم الآن من اضطراب اقتصادي سيطول أمده ، فمن أين سيحصل السيد وزير المالية علي الموارد اللازمة لسد عجز ميزانيته لتسديد مرتبات العاملين الجديدة ؟
هناك احتمالات يحسب عليها الوزير .. يعتقد الوزير أن العوائد التي ستدخل الخزينة جراء رفع الدعم من البنزين والجازولين سترفد الخزينة بمبالغ مهولة تسمح بتقليل عجز الموازنة وبالتالي تسديد تعويضات العاملين بالدولة بالفئات الجديدة .صحيح أن رفع الدعم سيوفر موارد إضافية للخزينة العامة ولكن تراجع إيرادات الدولة بشكل عام لن تسعف السيد وزير المالية لتغطية هذا التوسع المهول في الصرف على الفصل الأول وهو المرتبات .. علماً بأن الميزانية التي قدمها سيادته معجّزة مع حساب أن الدعم مرفوع أصلاً في حساباتها الأولي .
ثانيا يعتقد الوزير أن هناك دعما خارجياً يمكن أن يتدفق علي السودان يسمح له بتغطية عجز الميزانية وخاصة بعد انعقاد مؤتمر أصدقاء السودان في يونيو القادم بحسب ما كان مخططاً له.. يتضح الآن أن الآمال المعقودة علي ذلك المؤتمر بعد الكرونا قد تلاشت فدول العالم اليوم كل في شأن يغنيه، فالاعتماد علي  ذلك المؤتمر في أي إيرادات مقدرة هو مجرد وهم لا أكثر.
ثالثاً ؛ مصادر الإيرادات المعتمدة للدولة من ضرائب وجمارك والتي ذكرها الوزير أعلاه بحسب إحصائيات الربع الأول نقصت ب٦٠٪؜ عن  إيرادات العام السابق ٢٠١٩ وهذا قبل تداعيات كورونا.وكما هو واضح فإنه مع تراجع الصادرات والواردات ستتراجع الإيرادات المتوقعة كما هو شأن كل دول العالم المغلق كما ستتراجع معدلات النمو في السودان لأقل من ١٪؜ في تقديرات متفائلة (راجع حوار الخبير التجاني الطيب في الصيحة الأسبوع الماضي).عليه يصبح التعويل علي ما جاء في الميزانية من إيرادات من الضرائب والجمارك وأي ايرادات أخري مع الركود الإقتصادي وتراجع الصادرات والواردات هي مجرد أحلام غير قابلة للتحقق .
رابعاً للأسف “القومة” التي أطلقها السيد رئيس الوزراء قبل أقل من شهر لم تلبِ الطموحات المتوقعة وأدني بكثير ماهو مطلوب لسد الفرقة و تلافي العجز في الموازنة أو حتي لدعم جهود الوزارة في التصدي لجائحة كورونا ..
خامساً ..لم يبقَ للوزير للأسف إذا أصر علي ميزانيته الحالية إلا أن يغطي عجز الموازنة من الاستمرار في طباعة النقود بدون غطاء بأكثر مما هو مرصود في الموازنة… طبع بنك السودان منذ أول العام وإلى الآن حوالي ٤٠ مليار جنيه (تريليون بالقديم) والمبالغ المفروض أن يطبعها حتى نهاية العام  ليست أكثر من ٦١ مليار جنيه، وهذا يعني أنه حتى نهاية العام المسموح له بطباعة يجب ألا تتجاوز ٢٠ مليار جنيه بحسب قانون الميزانية. هذه المعدلات العالية من طباعة الأوراق المالية هي التي ساهمت الآن في وصول معدلات التضخم ل ٧٠٪؜ وتدني قيمة الجنيه فما بالك إذا زادت الطباعة فوق المعدلات المقررة في الميزانية؟ يا ترى إلى أي رقم فلكي سيصل التضخم بسبب زيادة حجم الكتلة النقدية والندرة ؟ وقتها سيأكل التضخم (زيادات الأسعار) كل الزيادات التي منحها الوزير للموظفين وستسوء الأوضاع بالنسبة لهم أكثر من ذي قبل.
أقصي تقدير للعاملين بالدولة في كل السودان لايتجاوز الاثنين مليون موظف وعامل ، فما شأن الشعب الذي سيتأثر برفع الدعم وزيادة مرتبات العاملين.؟. ٣٩ مليون مواطن سيكتوون بنيران الزيادات في الأسعار جراء سياسات وزير المالية دون أي مساعدة تزيد مداخيلهم وسيكون الوزير قد استرضى فئة من الطبقة الوسطى بزيادة دخولهم وترك الآخرين من البروليتاريا المستضعفين لجحيم الأسواق ، الحكمة أن شعار الميزانية حرية وعدالة !!.أين هي العدالة في استمتاع الطبقات الأعلى صوتاً بموارد الدولة بينما يستمر قهر المقهورين.؟
قال الوزير إنه ينشد الهدى للإقتصاد فإذا به يركب قطار الجنون !!

Exit mobile version