أرفعوا الدعم.. احمد يوسف التاي

لم أصل إلى قناعة حول قضية جدلية كما هي حالي اليوم بشأن رفع الدعم عن البنزين والجازولين، وذلك وفقاً لحقائق مجردة، وإذا كانت معارضة رفع الدعم على أيام النظام المخلوع تبررها حالات الفساد المستشري والتكالب على المال العام والإسراف في الإنفاق الحكومي، فما عادت تلك حجة للرافضين اليوم لهذه الخطوة، لأنه ببساطة لا يوجد مخرج آخر أكثر فاعلية وجدوى ومنطق سوى رفع الدعم عن الوقود أولاً وصولاً لرفع الدعم الكامل بعد أن يسترد اقتصادنا الوطني عافيته …

صحيح أن معظم الشعب السوداني لديه حساسية شديدة تجاه عبارة “رفع الدعم”، ولعل مردّ هذه الحساسية هي التحدي والقهر الذي كان يواجه به النظام المخلوع شعبه الرافض لهذه الخطوة (رفع الدعم عن الوقود)، لكن أعتقد أن حكومة الثورة الآن إذا فتحت حواراً هادئاً مع المواطنين حول رفع الدعم ووضعت كل الحقائق الصادمة والمبررات المنطقية لهذه التدابير، خاصة رفع الدعم عن البنزين والجازولين ستجد أصواتاً ترتفع لاستعجالها برفع الدعم، فالأمر ليس مغالطات وعنتريات بل منطق وحجة وموضوعية وتعقل..

تقول آخر التقارير الاقتصادية العالمية إن السعر المتوسط للتر البنزين عالمياً يبلغ حوالى (1.10) دولار أمريكي، هذا هو السعر المتوسط لكل دول العالم، وقطعاً هناك دول يصل فيها سعر اللتر أكثر من «دولارين» بما يعادل مائتين جنيه سوداني رغم أنها منتجة للنفط، يعني أن مواطني تلك الدول تشتري لتر البنزين بما يعادل (100) جنيه سوداني بالمتوسط وفقاً لسعر الدولار، بينما يشتري المواطن السوداني لتر البنزين بـ(6) جنيهات لتقوم الحكومة بدفع الفرق..

فالحقيقة التي يتغافل عنها الكثيرون هي أن الحكومة السودانية تشتري لتر البنزين بمبلغ دولار على الأقل بما يعادل أكثر من (90) جنيهاً سودانياً، وتبيعه للمواطن بمبلغ (6) جنيهات، بمعنى أن الحكومة تدفع أكثر من (84) جنيهاً للمواطن ميسور الحال عن كل لتر بنزين، والحكومة أيضاً تشتري لتر الجازولين بمبلغ (90) جنيهاً وتبيعه للمواطن ميسور الحال بـ(4) جنيهات، والمواطن السوداني الفقير في حقيقة الأمر هو الذي يدفع ثمن ذلك الدعم.

على الحكومة أن تواجه الشعب السوداني بهذه الحقائق المجردة وبيان التحديات الاقتصادية الماثلة والمبررات لاتخاذ الإجراءات التقشفية ومنها المسائل المتعلقة بالدعم السلعي خاصة الوقود، بدءاً بالبنزين وانتهاءً بالسلع الاخرى عبر قرارات وتدابير اقتصادية تراعي الفئات الضعيفة، فاليوم هناك منطق قوي لدى الحكومة وحُجج مقنعة ومبررات يسندها المنطق والعقل .

فعندما يأتي الحديث عن رفع الدعم الكثيرون منا يصمُّون آذانهم ولو أنهم أدركوا أن الدعم الذي يغطي الجميع يخالف أسس العدالة لسمعوا وتعقلوا، فهو يأخذ من الفقير المعدم ويعطي الغني صاحب الثراء المجنون، وفضلاً عن كل ذلك فهو يُسهم في عجز الموازنة العامة وأخطر ما في الأمر أن الدعم الحكومي المباشر للسلع هو البوابة الرئيسة المشرعة على الدوام للتهريب الذي يُعتبر اليوم هو أس البلاء..

…اللهم هذا قسمي فيما أملك…

نبضة أخيرة:

ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.

Exit mobile version