آراء و مقالات

رسالة إلى الدولة ، أنصفوا أهل الصادر … فإنهم يسندون ما تبقى من جسد الوطن

☘️🌹☘️

*همس الحروف*
*رسالة إلى الدولة ، أنصفوا أهل الصادر … فإنهم يسندون ما تبقى من جسد الوطن*
✍️ *د. الباقر عبد القيوم علي*

 

إلى الدولة ، بكل ما تمثله من مؤسسات و سلطات و مرجعيات ، إلى من بأيديهم القرار ، و بقلوبهم رجاء .. أن يسمعوا صوت العقل و الإنصاف .

إن في أفق البلاد المتعب ، حيث يتعثر الاقتصاد وتتآكل الموارد ، لا يزال هناك رجال يشقون طرق الصحراء ، ويمتطون صبر الإبل ، و مشقة الترحال ، يحملون على عاتقهم تجارة قديمة بقدم التاريخ ، متجذرة في وجدان هذه الأرض ، لا تعرف الجهوية و لا القبيلة ، بل تسير بهدي المصلحة الشخصية و تتبعها المصلحة الوطنية .

إن تجارة الإبل اليوم هي التي ترفد خزينة الدولة بما لا يقل عن نصف مليون دولار في الأسبوع ، و هذا غير حصيلة الصادر ، و مع ذلك تتعرض لخطر التوقف ، لا بفعل الشح في الموارد ، بل نتيجة قرارات رعناء مرتجلة من صغار منفذي القانون ، الذين يقومون ببعض الممارسات غير المدروسة ، التي تفرق و لا تجمع ، وتضعف أواصر الثقة بين الدولة و مواطنيها .

يجب ان يعلم الجميع أن إجراءات الميليشيا التعسفية قد بلغت حد التحريم تجاه دخول الإبل من دارفور ، و كردفان إلى الولاية الشمالية ، و قد منعت تصديرها عبر القنوات الرسمية إلى مصر ، مانعة بذلك مورداً حيوياً من أهم موارد موارد الدولة ، و مستهدفة بذلك التجارة الخارجية في صميمها ، و لكن رغم ذلك لم يتراجع التجار بل جازفوا بأرواحهم وممتلكاتهم ، وعبروا طرق التهريب ، لا حباً في المخالفة التي يمكن ان تفقدهم حياتهم أو مالهم ، و لكن كان ذلك من أجل الدفاع عن أرزاقهم ، ومساهمةً منهم في دفع عجلة الاقتصاد التي أوشكت على التوقف .

غير أن المفارقة المؤلمة أن التاجر أو بضاعته ، إذا نجيا من قبضة الميليشيا ، و وصل أحدهما او كلاهما إلى أراضي الولاية الشمالية ، وجدا إنهما يواجه أشكالاً جديداً من المعاناة ، لا تقل قسوتة عن الطريق الذي عبروه ، إذ تتلقفهما بعض الأجهزة الأمنية بإجراءات تعسفية ، و أحياناً تتدخل الجهات العدلية و تدخل الناجين في دوامة (الجرجرة) التي قد تطيل في أمد حبس القطعان ، مما يؤدي إلى نفوق بعضها ، و تعرض البعض الآخر إلى المرض و الهزال ، و ذلك تحت مظلة التحقيق ، الذي تضيع معه الحقوق ، فيقع التاجر بين فكي الميليشيا من جهة ، وجفاء المؤسسات الرسمية من جهة أخرى ، و بذلك يخسر كل شيء .

فأيّ طريق ينتظر على هؤلاء التجار أن يسلكوه ؟ ، وإن كان القانون لا يحميهم في مناطق خارجة عن سيطرة الدولة ، فهل يعقل أن يهانوا في مناطق يفترض أنها تخضع لسلطة القانون ؟ ، إن هذا الواقع المزدوج ، الذي يسحق التاجر مرتين ، و يهدد إستقرار التجارة ، و ينسف الثقة في مؤسسات الدولة ، ويزرع الإحباط في نفوس من تبقى واقفاً على خط النار ، يصدر و يخاطر بنفسه و بماله .

و ما يؤلم أكثر ، هو إستغلال البعض لسلطة القانون من أجل تصفية حسابات جهوية أو قبلية ، و أحياناً يكون الجهل سبباً في ذلك ، و ما هو معلوم بالضرورة أن الجهل ليس له هدف ، و يتم ذلك من باب إبراز العضلات ، و ركوب الرأس ، فكيف يتم إتهام من خاطر بنفسه ، و بماله لإيصال قطيعه إلى محجر دنقلا ، متحدياً كل المخاطر ، ودافعاً للواشي ، ومستأجراً للحماية ، فكيف يتم تفسير ذلك بأنه مخالف أو خائن ، و هو في الحقيقة يعتبر أحد أعمدة الإقتصاد ، وسبب مباشر في إدرار المال العام .

لا أبرر للتجاوزات ، و لا أدعو إلى اختراق القانون ، و لكني ارفع صوتي عالياً لأوصل أصوات أناس ساهموا في بناء الإقتصاد عبر تجارتهم ، فهل العلة تكمن في القوانين التي لا تراعي الواقع ، و لا تستمع لأصحاب الشأن ، أم العلة في أدوات تنفيذ القانون ، و على العموم هذا الأمر الذي يتمثل في غياب التفهم لطبيعة هذه التجارة ، قد يؤدي إلى نتائج عكسية ، مما يتسبب في انهيار مورد كانت الدولة و لا تزال في أمس الحاجة إليه .

لقد تضائل عدد الإبل المصدرة خلال الأسبوع الواحد إلى أقل من 500 رأس ، بعد أن كان العدد يقارب الأربعة آلاف أسبوعياً ، فهل تتحمل الدولة مثل هذه الخسارة في ظل هذا الظرف الحرج ؟ .

إن إنصاف المظلومين هو حجر الأساس في بناء الثقة ، وحماية الصادر هي حماية للوطن ، و أي أحد يقف مع التاجر المنتج ، و ليس المهرب يعتبر رجل دولة .

فإن لم تتدارك المؤسسات هذا الأمر ، و تمد يدها إلى هؤلاء الرجال ، بالحماية لا بالعقاب ، و بالإنصاف لا بالاتهام ، أمثال (أولاد التوم) ، فإن التوقف عن التصدير سيصبح خياراً إضطرارياً ، لا إحتجاجاً ، و لا عصياناً ، بل هروباً من واقع مرير لا يطاق ، وخوفاً من ظلم لا يحتمل .

ليكن معلوماً للجميع أن عدد الإبل التي نفقت في القطيع المحتجز منذ أكثر من شهر بأمر إحدى الجهات العدلية في دنقلا حتى تاريخ كتابة هذا المقال قد بلغ أربع رؤوس ، بالإضافة إلى عدد آخر أصابها الهزال نتيجة الظروف الصعبة ، كما تعرض البعض الآخر للمرض و الجوع والعطش ، مما يزيد من تفاقم معاناة القطيع ، و سيؤثر ذلك بشكل مباشر على قيمته الاقتصادية .

بلغني قبل النشر أن إحدى الأجهزة الأمنية الرسمية قد اعترضت قطيعاً مكوّناً من 600 رأس من الإبل ، و قد قامت باحتجاز جميع الرعاة الذين كانوا مع القطيع للاشتباه بهم ، تاركةً فقط اثنين من الرعاة معه ، و هذا الوضع يضع الراعيين في مأزق حقيقي ، حيث يصعب عليهم توصيل القطيع إلى دكة خدمات التصدير ، ما يزيد من تعقيد الأمور ، و يعرقل حركة الصادر بشكل غير مسبوق .

و كان من الممكن أن يتم احتجاز الرعاة بعد وصول القطيع إلى دكة خدمات التصدير ، إذا كان لابد من توقيفهم ، مما كان سيتيح لهم إتمام الإجراءات بشكل قانوني ، ومنظم ، و لكن ما حدث يعقد الأمور أكثر ، إذ أن احتجازهم في هذه المرحلة قبل وصولهم إلى نقطة التفريغ ، يزيد من صعوبة توصيل القطيع ، و يعرقل حركة الصادر بشكل غير مبرر .

و قد بلغني الآن أيضاً أن قطيعاً آخراً ، قد أكمل كافة إجراءات الصادر ، و قد تم توقيفه عند نقطة أرقين بواسطة إحدى الجهات العسكرية غير الرسمية ، بحجة عدم دفع إيصال الغرفة التجارية بالولاية الشمالية . هذا التوقيف يضاف إلى سلسلة التعقيدات التي يواجهها التجار ، مما يزيد من حدة الأزمات التي تعرقل حركة الصادر بشكل غير مبرر .

إني أضع بين أيديكم هذه الرسالة ، و لا أطلب فيها إلا ما يليق بالعدل ، و القانون و الحكمة ، و كلي ثقة أن في الدولة لا يزال هنالك من يسمع ، ويفهم ، و يعمل لما فيه خير للبلاد و العباد .

معنون إلي :

1/ سعادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة

2/ سعادة الفريق أول ركن مهندس إبراهيم جابر عضو مجلس السيادة

3/ السيد عابدين عوض الله والي الولاية الشمالية

4/السيد عمر أحمد بانفير و زير التجارة و التموين

5/ سعادة الفريق محمد على أحمد صبير رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية

6/ سعادة مولانا الفاتح طيفور النائب العام

7/ السيد الأستاذ أمير حسن بشير وزير المالية بالولاية الشمالية

8/ السيدة الأستاذة حنان أحمد عبد الرحمن مفوض التجارة بالولاية الشمالية

9/ سعادة اللواء إيهاب حسن صالح مدير مباحث التموين

10/سعادة اللواء محجوب أبكر مدير الأمن الإقتصادي

11/السادة الرأي العام … الشعب السوداني المعلم

اللهم إني قد بلغت ، اللهم فاشهد

و الله من وراء القصد .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *