الأخبار

انهيار شركة السكر السودانية: جذور المشكلة وسبل الإنقاذ

انهيار شركة السكر السودانية: جذور المشكلة وسبل الإنقاذ

 

بقلم: ياسر السندي

 

تمثل أحد الركائز الاقتصادية المهمة في السودان، حيث لعبت مصانعها دورًا حيويًا في تحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الاستيراد. ومع ذلك، تعاني هذه المصانع اليوم من انهيار شبه كامل، تجسد في عدم قدرتها على سداد مرتبات العاملين لسنوات متتالية، وتراجع إنتاجها إلى مستويات كارثية. وقد تفاقمت الأزمة مع الحرب الأخيرة، مما جعل من الضروري التدخل العاجل لإنقاذ هذه المشاريع قبل أن تفقد البلاد بنيتها التحتية لإنتاج السكر تمامًا.

 

أسباب الانهيار: من الخلل الإداري إلى تداعيات الحرب

 

1. الإدارة المركزية غير الفعالة

 

تعاني شركة السكر السودانية من مركزية شديدة في الإدارة واتخاذ القرار، مما أدى إلى تعطيل قدرتها على الاستجابة للمشكلات التشغيلية لكل مصنع على حدة.

 

بدلاً من وضع حلول فردية لكل مصنع وفقًا لظروفه، كانت إدارة الشركة تحاول معالجة مشاكل المصانع المتعثرة باستخدام الموارد القليلة المتاحة، مما أدى إلى استنزاف الموارد دون تحقيق أي تقدم.

 

2. ضعف نموذج الإنتاج وغياب الاستدامة

 

بخلاف مصنع الجنيد، الذي اعتمد على نظام الشراكة مع المزارعين المحليين في إنتاج القصب، كانت بقية المصانع تعتمد بالكامل على الإدارة المباشرة للشركة، مما جعلها عرضة لأي أزمات مالية أو تشغيلية.

 

عندما تم استخدام موارد مصنع الجنيد لإنقاذ بقية المصانع، تراجع المصنع نفسه حتى لحق بها في الانهيار.

 

3. فشل تجربة تأجير الأراضي

 

لجأت شركة السكر في السنوات الأخيرة إلى تأجير أراضيها لمزارعين أفراد كبديل مؤقت لتعويض العجز، إلا أن غياب دراسات متكاملة حول التركيبة المحصولية المناسبة لكل مشروع أدى إلى فشل هذه التجربة.

 

لم تتم مكافحة الآفات بشكل فعال، كما لم تتم صيانة قنوات الري، مما زاد من تدهور الإنتاجية وجعل الاستثمار في هذه الأراضي غير مجدٍ.

 

4. الآثار البيئية والاجتماعية

 

أحد الجوانب الخطيرة للأزمة الحالية هو جفاف قنوات الري في مصنع عسلاية، مما يهدد القرى المجاورة التي تعتمد على هذه القنوات في الحصول على مياه الشرب للإنسان والحيوان.

 

هذه القرى سبق تهجيرها عند إنشاء المصنع، وكان من المفترض أن تلتزم الشركة بمسؤولياتها الاجتماعية تجاه سكانها، لكن الأزمة المالية عطّلت كل أشكال الدعم.

 

سبل الحل: خطة لإنقاذ مشاريع السكر في السودان

 

1. إصلاح النموذج الإداري والتشغيلي

 

يجب إعادة هيكلة إدارة شركة السكر في السودانية بفصل المصانع عن الإدارة المركزية، ومنح كل مصنع صلاحيات تشغيلية واسعة لإدارة موارده واتخاذ قراراته بناءً على وضعه الفعلي.

 

التركيز على نماذج شراكة مثل نموذج الجنيد، حيث يتم إشراك المزارعين المحليين في عملية الإنتاج، مما يضمن استمرارية الزراعة وتقليل الضغط المالي على الشركة.

 

2. إعادة تأهيل قنوات الري والمياه

 

يجب أن يكون إنقاذ قنوات الري في مقدمة الأولويات، ليس فقط من أجل إنقاذ المصانع، بل أيضًا لحماية المجتمعات المحلية التي تعتمد عليها.

 

يمكن تنفيذ مشروع إعادة تأهيل شامل بمشاركة منظمات التنمية الزراعية، على أن يشمل إصلاح البنية التحتية وإعادة تشغيل المضخات وتعزيز صيانة القنوات بشكل دوري.

 

3. تحويل الأراضي إلى إنتاج محاصيل نقدية مؤقتًا

 

بما أن مصانع السكر أصبحت غير قادرة على العمل بكامل طاقتها، يمكن استخدام الأراضي الواسعة التي تمتلكها الشركة في إنتاج محاصيل نقدية مثل السمسم، الذرة، والفول السوداني، وذلك بالشراكة مع المجتمعات المحلية.

 

هذا الحل سيوفر موارد مالية تساعد في إعادة تأهيل المصانع، كما سيمكن المزارعين من الاستفادة من الأراضي بدلًا من تركها بورًا.

 

4. البحث عن شراكات استثمارية لإنعاش القطاع

 

تحتاج شركة السكر السودانية إلى البحث عن شراكات استراتيجية مع مستثمرين محليين ودوليين لإنعاش مصانعها، سواء من خلال التمويل المباشر أو بنظام الشراكة في الإدارة والتشغيل.

 

يمكن تقديم حوافز للاستثمار، مثل ضمانات حكومية أو إعفاءات ضريبية مؤقتة للمستثمرين الجادين.

 

5. تشكيل لجنة وطنية لإنقاذ صناعة السكر

 

على الحكومة، ممثلة في وزارة الصناعة، تشكيل لجنة متخصصة تضم خبراء في الاقتصاد الزراعي والصناعي، لوضع خطة واضحة لإنقاذ هذا القطاع الاستراتيجي.

 

يجب أن تضمن هذه الخطة جدولًا زمنيًا واضحًا لإعادة تأهيل المصانع، وإيجاد مصادر تمويل عاجلة، مع تقييم مستمر للأداء لضمان نجاحها.

 

ختامًا

 

إن انهيار شركة السكر السودانية ليس مجرد مشكلة اقتصادية، بل هو تهديد مباشر للأمن الغذائي والاستقرار الاجتماعي في البلاد. وإذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة، فإن السودان سيواجه أزمة طويلة الأمد في إنتاج السكر، وسيفقد أحد أهم موارده الزراعية والصناعية. لذا، فإن المسؤولية تقع الآن على الحكومة ووزير الصناعة لوضع خطة واقعية لإنقاذ هذا القطاع الحيوي، قبل أن يتحول إلى إرث من الماضي لا يمكن استعادته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *