أسرار معركة الساعات العشر بالخرطوم والهبوط المحفوف بالمخاطر لطائرة البرهان

متابعات ــ النورس نيوز
لم يكن مألوفا أن تحلق مروحية تحمل رأس الدولة في سماء معركة لم تنته بعد، وكان عدد قليل جدا من القادة العسكريين يدرك أن المروحية التي هبطت، مساء أمس الأربعاء، في ناحية قصية من مطار الخرطوم الدولي كانت تحمل رئيس مجلس السيادة والقائد العام للجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان، والذي سجد لله شاكرا حينما هبط في المطار بمدينة الخرطوم التي تعاني من الحرب لنحو حولين كاملين.
وبحسب مصادر عسكرية، فإن البرهان رفض خيارات بديلة تقتضي هبوط طائرته بعيدا عن أرض المعركة، وبعد وصوله غادر إلى القيادة العامة للجيش ثم مباشرة للقصر الرئاسي حيث وجد -على غير ما يتوقع- 3 صحفيين من شبكة الجزيرة في انتظاره.
ضابط طيار بالجيش السوداني وصف للجزيرة نت الزيارة بأنها كانت محاطة بالمخاطر من ناحية التوقيت واختيار وسيلة الطيران ثم السير في مساحات مفتوحة في قصر شهد قصفا بالمسيّرات قبل أيام قليلة، وقد صرح البرهان لشبكة الجزيرة بأن المعارك انتهت وباتت الخرطوم حرة في أقصر وأبلغ تصريح، ثم انصرف للاحتفال بالنصر وسط جنوده.
وبحسب مصادر عسكرية من بينها قائد سلاح المدرعات اللواء نصر الدين عبد الفتاح، فإن زيارة البرهان للمطار وللقصر كان من المفترض أن تكون في الليلة التي تسبق عيد الفطر لبث رسالة تهنئة للشعب السوداني من داخل القصر الرئاسي، لكن البرهان تعجل واختار أن يكون أول من يدشن مطار الخرطوم الذي أكمل الجيش السوداني السيطرة عليه قبل ساعات من هبوط المروحية الرئاسية.
خطة الإيهام بالغرق
في المعارك الأخيرة استخدم الجيش السوداني خطة الإيهام بالغرق التي أشار إليها قائد بارز في الجيش شارك بفعالية في هذه المعارك، وطلب في حديثه للجزيرة نت حجب هويته. وهنا يفصل الدكتور أسامة عيدروس المتخصص في الدراسات الإستراتيجية -في تصريحه للجزيرة نت- هذه النظرية غير المتعارف عليها بين عامة الناس.
فالجيش -بحسب عيدروس- كان يهدد بإغلاق الخرطوم عبر متحركات من رجاله عابرة من كل فج عميق وبالفعل بدأ في ذلك، وحينما شعرت قوات الدعم السريع بالخطر عقب إغلاق الجسور ومع غياب قيادة مركزية، حدث الانهيار الكبير الذي انتهى إلى الفرار المعلوم والمشهود.
يعقوب الداموكي الكاتب الصحفي والمستشار السابق لقائد قوات الدعم السريع والذي اختلف مع مؤسساتها قبل اندلاع الحرب، يقول للجزيرة نت إن الجيش استخدم حيلة ذكية حينما سمح لأفراد المليشيا بالخروج سيرا على الأقدام ودون سلاح، وبدون ما نهبوه من الخرطوم، حتى يؤكد للعالم أن ما حدث هزيمة ساحقة لمليشيا الدعم السريع وليس انسحابا كما يردد مستشارو “حميدتي”.
وكان الباشا طبيق مستشار قائد قوات الدعم السريع قد قال في تغريدة على منصة إكس إن “قواتهم لم تهزم ولن تهزم وإن ما حدث هو عملية إعادة تموضع لها بمنطقة أم درمان لأسباب عسكرية” في حين كان القائد بهذه القوات اللواء حسين الصول واقعيا عندما اعترف في تغريدة بأن قواتهم خسرت بعض المعارك، واصفا الحرب بأنها ليست بالسهلة، ليعود ويؤكد أنها كر وفر وجولات لم تنته بعد.
خطة الاجتياح العظيم
قبل أكثر من عام وتحديدا نهاية مايو/أيار من العام الماضي، كان الجيش السوداني يجري بروفة حية لخطة اجتياح الخرطوم حيث قامت قوات خاصة بالعبور من أم درمان مستخدمة زوارق حربية لتصل مواقع تمركز قوات الدعم السريع عند جسر الحلفايا على النيل شمال مدينة الخرطوم بحري.
ثم بعد أن قامت القوات الخاصة بتحييد حراس الجسر، عبرت قوات من المشاة والسيارات العسكرية الجسر ذاته ثم توغلت في عمق حي الحلفايا التاريخي بالخرطوم بحري، ثم انسحبت بشكل مفاجئ ومحبط لكثير من أنصار الجيش.
وكانت نتائج تلك البروفة تستكشف دفاعات الخصم ثم التدريب بشكل عملي على خطة الاجتياح العظيم وهو ما تم لاحقا، في 26 سبتمبر/أيلول الماضي، حينما عبر الجيش 3 جسور حيوية في لحظة صفر واحدة وبخسائر بشرية محدودة.
وكانت تلك خطة تستهدف قطع خطوط إمداد العدو بحسب اللواء معتصم الحسن الأستاذ بأكاديمية الأمن العليا، والذي أردف في حديثه للجزيرة نت بأن الجيش لم يكتف بقطع خطوط إمداد العدو، بل بنى ببراعة خطوط إمداد جديدة خاصة به جعلت خطوطه أكثر ترابطا كما تحتوي على بدائل تحسبا للطوارئ.
ماذا كان ينقص الجيش السوداني؟
كان هنالك سؤال يلح على الكثيرين محوره: لماذا تأخر الجيش في حسم المعركة لنحو عامين؟ يرى اللواء الحسن أن الجيش لحظة اندلاع الحرب قبل عامين لم يكن في كامل الجاهزية خاصة في مجال المشاة حيث أوقفت الحكومة السابقة التجنيد منذ العام 2011 كما كانت هنالك تحديات في مجال التسليح.
ومن بين هذه التحديات، وفقا لضابط في الجيش السوداني طلب حجب هويته، أن سلاح المدرعات كان يعاني من نقص في المقذوفات، كما أن الطيران الحربي كان متهالكا مما ألقى بمسؤولية إضافية للقيادة الحالية لإعادة بناء الجيش والذي تم في زمن قياسي مقارنة مع عظم المهمة.
ويؤكد الفريق أول فتح الرحمن قائد سلاح البحرية الأسبق أن الجيش السوداني قام في البدء بامتصاص صدمة العدوان، كما تعامل بمبدأ أن سلامة الجند مقدمة على خسارة الأرض والتي يمكن تعويضها لاحقا.
ماذا يحدث في الضفة الأخرى؟
بينما كان الجيش السوداني عيد بناء نفسه كان الدعم السريع يغرق في المشاكل حيث عانى -وفقا لأسامة عيدروس- من فقدان القيادة الميدانية المسيطرة بجانب إهدار الدماء في معارك خاسرة بدلا من الانفتاح المدروس تجاه هدف عسكري واحد ومحدد.
ويوضح أن قوات الدعم السريع تفرقت في مساحات واسعة مع ترك القرار للقيادات الميدانية التي عاثت فسادا كبيرا ممثلا في نهب المدنيين وانتهاك أعراضهم وسرقة ممتلكاتهم مما جعلها قوات سيئة السمعة ويصعب الدفاع عنها، وفي الجانب الآخر كان الجيش يدير معاركه بشكل مركزي صارم، حسب عيدروس.
المصفاة خسارة يصعب تعويضها
يضيف اللواء معتصم الحسن أن أكبر عقبة واجهت قوات الدعم السريع، عقب خسارتهم لمعركة مصفاة البترول في منطقة الجيلي شمال الخرطوم، أنهم لم يتمكنوا بعد ذلك من توفير وقود للسيارات القتالية والتي تعتبر مصدر قوتهم الوحيد المتمثل في الحركة السريعة المصحوبة بكثافة النيران.
ويشير الحسن إلى أن هذه القوات وجدت نفسها في نهاية المطاف بإمدادات أقل ونقص حاد في المستحقات المالية، بجانب خصم بدأ في كامل الجاهزية للمواجهة والانقضاض.
وبعد أن سيطر الجيش، في سبتمبر/أيلول الماضي، على عدد من الجسور المهمة كانت الخطة تمضي في تحقيق التحام بين الجيوش لفك الحصار عن قوات الجيش التي استبسلت في الذود عن مقارها في القيادة العامة وسط الخرطوم وسلاح المدرعات غربي الخرطوم وسلاح الإشارة جنوبي الخرطوم بحري.
وكان في وقت سابق قد تم فك حصار سلاح المهندسين نوب غرب أم درمان الذي التحم مع قوات قاعدة وادي سيدنا شمال أم درمان، كما نجحت القوات العابرة لجسر الحلفايا في الالتحام مع جيش سلاح الإشارة ومن بعده مع القوات الموجودة في القيادة العامة.
لكن المتحرك -الذي عبر جسري الفتيحاب والنيل الأبيض على النيل الأبيض والتقى في منطقة المقرن بالخرطوم- لم يتمكن من تحقيق هدفه بالوصول للقيادة العامة للجيش بسبب تمركز قوات الدعم السريع في بنايات عالية، وفقا لمصدر ميداني مسؤول تحدث للجزيرة نت مشترطا حجب هويته.
ويضيف المصدر ذاته “كنا نخشى من هجوم انتحاري على قواتنا بهدف عودة المليشيا لأم درمان عبر أي من الجسرين، لذلك كان تركيزنا على المحافظة على مواقعنا أكثر من التقدم، وقد حاولت قوات سلاح المدرعات نجدة هذه القوات والالتحام معها، وبالفعل تقدمت قوات المدرعات حتى وصلت المنطقة الصناعية غربي ووسط الخرطوم ولم تنجح في مسعاها”.
وهنا تم تعديل الخطة بشكل سريع وطُلب من قوات المدرعات تعديل هدفها حيث أصبح الوصول للقيادة العامة وسط الخرطوم بدلا من الالتحام مع الجيش المتخندق في منطقة المقرن، وهو ما تحقق بالفعل وزاد من الضغط النفسي على قوات الدعم السريع الموجودة وسط الخرطوم والتي انقطع عنها الإمداد وباتت تحت رحمة الجيش، حسب مصدر رفيع في الجيش تحدث للجزيرة نت.