آراء و مقالات

اللواء الركن (م) أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب… ⭕️ الفريق آدم هارون: مقاتل جسور وأسد هصور.. ووالد شهيد ⭕️

⭕️ الفريق آدم هارون: مقاتل جسور وأسد هصور.. ووالد شهيد ⭕️

بعد التخرّج من كلية القيادة والأركان بمدة ليست بالقصيرة بمسماها القديم في العام 2000م (كرائد ركن) ذهبت لعمارة التدريب حيث التقيت بالأخ العزيز عبد الناصر عبد الحفيظ الشهير (بجمال وزة) وهو سنيرنا (ولمبة خطرنا) وبالتالي صديقي (اللدود) وقد ربطتنا كثير من الأواصر والصلات والوشائج لعل أهمها المزاملة في إدارة الاستخبارات العسكرية ومن نافلة القول في حرس الرئيس البشير ردحاً من الزمن.. كانت الزيارة بغرض (التحسّس) والاستفسار عن (شمار) البعثات الخارجية وقد كنت من الموفّقين المحظوظين الذين يحقّ لهم أن يسألوا عن (شهر البعثات) حيث أن لي فيه (نفقة) تجعلني (أعد أيامه).. أكد لي بعد الترحاب المعهود أن المتوقع وبنسبة كبيرة ظهور بعثات العراق وهي الأفضل على الإطلاق وطالبني بأسلوبه (المرح) بأن (أكتّر من سورة يس) والجكة أصلاً جكتهم حيث يرفعون الاسماء والترشيحات لرئاسة هيئة الأركان للتصديق.. ظهرت بعثة العراق بالفعل واتصل بي (السيد السنير) مبشراً بذلك مشيراً أن من يشرب من نهر الفرات ودجلة لابد وأن يعود للعراق وكنا قد تزاملنا في دورة استطلاع في بغداد العام 1994م.. كانت مدة دورة الأركان بالعراق بلد الرشيد ومنارة العهد التليد سنتان وكنت سادس ستة مرشحين للدورة كلهم أقدم مني وهم سيادة العقيد الركن ملاح توجيهي عصام الدين سعيد كوكو وسيادة العقيد الركن آدم هارون 32 والمقدم الركن عز الدين عثمان الشيخ والمقدم الركن عبد المنعم محمد (أبو فروع) والمقدم بحري ركن الهادي بنداس

كانت رفقة طيبة مليئة بذكريات صادقة ونبيلة وإخاء كبير وتداخل أسري ولقاءات صباحية تجمعنا في أكاديمية البكر بالرستمية حيث كلية الأركان العراقية وأخرى مسائية بالصالحية التي كانت عبارة عن (قشلاق) كبير فرع بغداد مقابل كراج العلاوي وليس بعيداً عن أسواق 28 نيسان المعروفة باسم أسواق الميلاد تيمناً بميلاد الراحل صدام حسين.. والصالحية اسم رنان حالد في ذاكرة كل الضباط الذين درسوا الأركان بالعراق.. كثيراً ما يقال أن سفرك مع أحدهم أو مبيتك معه يجعلك أكثر دراية ومعرفة بمكنون خصاله وسجاياه ولقد تعرفت على هؤلاء الأخوة الأكارم بحكم كل تلك الفترة التي امتدت عامين كاملين فعرفت منهم وعنهم الكثير.. لكن كان سيادتو آدم هارون شخصية مختلفة تماماً تواضعاً وأدباً جماً وسماحة وطولة بال وأناة وبذل الكرم لكل قاصد (وغاشي وماشي).. فلا عجب أن تقدمنا في امتداد علاقاته مع الأخوة الضباط العراقيين لدرجة أنه سافر خلال الإجازة الصيفية لمناطقهم ومكث يتنقل بينهم أياماً وهذا ما لم يتأت لأي منا.. لكن ما أشير إليه هنا أن العقيد الركن آدم هارون تم ابتعاثه في شاغرة ضباط العمليات والتي خصصتها رئاسة الأركان كحافز (واستراحة محارب) لكل من له سبق في مجال العمليات.. والرجل متعهد عمليات وقد حكى لنا في (جلسات صفا) الكثير من سيناريوهات وقصص الاستدعاء وقد احمرت الحدق وتمدد التمرد هنا أو هناك وكثيراً ما يستدعيه الشهيد إبراهيم شمس الدين في أي ساعة من ليل أو نهار ويكلفه بقيادة قوة لتنفيذ مهام في أي بقعةٍ من بقاع السودان.. فلا يملك غير الاستجابة فالرجل (يحسن القتال ويجيد قيادة الرجال) وهذا توفيق ربما لا يتيسر لكثير من الضباط ولكنه ييسره الله لآخرين فهم محضر خير عند تعيينهم بسبب هذا التوفيق وقد كان الرجل يمتلك كل ذلك وأكثر.. توطدّت علاقاتنا وتعرفت على أسرته وشبابه الثلاث محمد ومهند وميسرة ووالدتهم مريم وامتدت العلاقات حتى بعد نهاية الدورة ورجوعنا الخرطوم وتفرقنا في وحدات الجيش حيث كنا نلتقي في كثير من الأحيان من خلال العمل الرسمي أو المناسبات الاجتماعية.. أهم ما يميز هذا الفدائي المقاتل أنه أسدٌ هصورٌ ومقاتلٌ جسورٌ لا يشقّ له غبار تجاوز منح وسام الشجاعة الذي يمنح مرة ولكن كيف بمن كانت الشجاعة صنوه وسمته الدائمة؟؟ لقد قدّم آدم هارون وهو بالمعاش (الإجباري) إذ (أحالوه وأيّ فتى أحالو) أفضل ما قدّم وهو في الخدمة من خلال حرب الكرامة التي لا تشبهها أي حرب سابقة.. لم يحمله حق الانتصار للنفس وحظها ليعتذر (ولا يلام) لدفعته الفريق أول كباشي وسنيره الفريق أول البرهان وجونيره الفريق أول ود العطا وحقّ له وقد تقاعد بلا مسوغات موضوعية.. انطلق فقاد معارك أم درمان التي توّجت بتحرير الإذاعة ودفع به دفعته الفريق أول الكباشي في متحركات الجزيرة فجاهد بفكره وخبرته ووقته في معارك تحرير ود مدني.. وفي الوقت الذي كان يقوم فيه بكل ذلك كان ابنه الشهيد النقيب مهند وهو من ضباط شرطة الاحتياطي المركزي يقاتل في متحركات بحري التي بدأت نظافة كافوري من المليشيا الإرهابية حيث أصيب إصابة بالغة للغاية.. لكن الأطباء وكالعادة تدرجوا في إخباره بسوء حالته وشكل الإصابة إلى أن أوصلوه مرحلة خطورة الحالة ووضع الشهيد تحت التنفس الاصطناعي ليتلقى الخبر وهو حامد شاكر صابر ومحتسب موقن بأن أجل الله إذا جاء لا يؤخر وأنه إذا لم يكن من الموت بد فمن العار أن تموت جباناً ويقبر ابنه بوادي سيدنا التي نشأ وترعرع فيها.. صبر أيما صبر كما صبرت والدة الشهيد وأخوته وسلّموا الأمر لله وحقاً هذه أسرة عحيبة غريبة تضرب أروع الأمثال في الاحتساب والصبر والمرابطة والتسليم بقضاء الله وقدره.. لقد قدّم آدم هرون لأجل هذا الوطن وأمنه واستقراره الكثير من واقع وطنيته وحبه لهذا التراب واستعداده الدائم لتقدّم الصفوف في استجابة لا تعرف التأخير وتلبية للنداء لا تعرف المستحيل.. وها هو اليوم يقدّم أغلى ما يملك وهو ابنه وفلذة كبده وواسطة عقد إخوته الشهيد مهند لتلحق به كنية والد الشهيد كأرفع وأغلى وسام لا تعدله كل الأوسمة في هذه الحياة الدنيا.. اللهم تقبل ابننا الشهيد مهند واجعل روحه في حواصل طير خضر تأوي إلى قناديل تحت العرش.. اللهم اكتب لأسرته جبراً وصبراً وللسودان فتحاً ونصراً.

اللواء الركن (م) أسامة محمد أحمد عبد السلام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *