الأخبار الرئيسيةالأخبار

عثمان ميرغني يكتب : هل بالإمكان إصلاح الأحزاب السودانية ؟

السؤال ليس من عندي، بل سألني البعض في أماكن عامة. وبالطبع لا يمكن افتراض أن هناك إجابة نافية أو أخرى قاطعة وحاسمة، لأن مساحة السؤال واسعة.. تشمل أحزابًا عريقة عمرها فاق الـ 80 سنة، وأخرى شابة (في عمر الدوالي) كما يقول شاعرنا بازرعة في أغنيته “شجن”. كما أن أحزابنا مارست الانقسام المستمر، فولدت لكل حزب عدة نسخ.

قبل الإجابة التي أرجو أن يتسع لها صدر القارئ.. من المهم تأكيد أن الأحزاب هي منابر سياسية لا غنى لأي ممارسة ديمقراطية عنها. هذه الإشارة ضرورية لقطع الطريق أمام أية تعليقات قد تفترض أن طرح السؤال حول إمكانية إصلاح الأحزاب يخفي وراءه نزوات دكتاتورية تسعى لمحاولة محو الأحزاب من الخارطة السياسية في السودان.

دفعة واحدة وبلا تردد، نعم، يمكن إصلاح الأحزاب ولكن..

تحت كلمة “لكن”، تَحتشد “لواكن” كثيرة، يأتي على رأسها أن إصلاح الأحزاب السودانية لا يتحقق طوعًا، بل جبراً. وعندما أقول “جبراً”.. لا أعني استخدام التشريعات القانونية والضوابط المؤسسية كأن يكون هناك مجلس للأحزاب يضع الشروط لتكوينها ونشاطها وتنظيماتها فحسب، بل يجب أن يكون للقانون سوط طويل قادر على إخضاع المخالفات الحزبية لسلطة العقوبات الصارمة.
قد يبدو غريبًا أن يكون أول الحديث عن عنف قانوني تجاه مكونات سياسية سودانية يفترض أنها هي من تملك القلم لترسيم مستقبل البلاد.. ولكن تلك واحدة من وصمات المشهد السياسي: أن الأحزاب هي أكبر خَارِق حارق للقانون. وإذا لم تخضع لسيف العقوبات المصرم، فهي لن تكترث ولن تطيعه، بل يكبر الحزب بقدر تكبره على القانون.

لنأخذ صورة مقطعية لهذه الأحزاب السياسية السودانية.
تنقسم الأحزاب السودانية إلى ثلاث فئات: الأولى، أحزاب رائدة عتيقة نشأت قبل استقلال السودان بسنوات متفاوتة، مثل حزب الأمة والحزب الاتحادي الديمقراطي (ناتج اندماج حزبي الوطني الاتحادي والشعب الديمقراطي). الثانية، أحزاب عقائدية وأيديولوجية، مثل مجموعة أحزاب الحركة الإسلامية، والحزب الشيوعي، وحزب البعث، ولكل من هذه الأحزاب نسخ ناتجة عن عمليات الانقسام المستمرة. أما الثالثة، فهي أحزاب حديثة التكوين غالبًا، تجتهد في صناعة لافتات وشعارات لم يثبت صمودها في وجه الممارسة السياسية. فظلت تبحث دائمًا وبشراهة عن “تحالفات” مع آخرين. ومع ضعف الخبرة والتعجل في الوصول إلى نتائج قبل استكمال المطلوبات، فهي تقع في المخاطر، وكثيرًا ما تكون هذه المخاطر مُحاطَة، كما حدث في 15 أبريل 2023.

المجموعة الأولى: الأحزاب العتيقة
يغلب عليها الطابع الأسري الذي يفرض هياكل محفوفة بالتوريث. فهي تعمل بمفهوم الشركات العائلية، حيث تعلو شروط السلالة على السياسة. ما أدى إلى خنق قدرتها على التغيير والتطور.

أما المجموعة الثانية: الأحزاب العقائدية.
فهي صماء في تفكيرها، غير قادرة على الفصل بين الشعارات والواقع. وتستميت في معاندة عقارب الساعة لتوقف الزمن حيث تريد، خاصة في إدارة معاركها الفكرية بلا معترك.

أما المجموعة الثالثة:
كما ذكرت آنفًا، فهي رهن مشروعات الإعاشة السياسية لا أكثر.

نعود للسؤال: هل يمكن إصلاح الأحزاب السياسية السودانية؟ والإجابة تظل نعم، ولكن بيد عمر لا بيدها، بسوط القانون لا الإرادة السياسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *