“الشاعرة الطبيبة” في إطلالة أنيقة عبر “النورس نيوز” .. شيريهان الطيب: الشعر سرقني من طب الاسنان

“الشاعرة الطبيبة” في إطلالة أنيقة عبر “النورس نيوز”
شيريهان الطيب: الشعر سرقني من طب الاسنان
“وطني” قصيدة كتبتها تحت البنادق وبين الرصاص.. و”الشعراء” لسان الشعب عند الحرب
“أمير الشعراء” إضافة نوعية.. “قصائد الأنثى” أكثر عاطفية.. و”الغزل” أقرب للنفس البشرية
أشعارها تأخذنا إلى زمن الحب بكل صفائه وروعته واشتياقنا إليه في وقت الصخب والرصاص وتشابك الأحداث فتطيب لنا الحياة وتجعلنا نبحث في القلوب عن من يستحق أن نسكب عليه ترتيلات العشق ومشاعرنا الدافئة. هي الرومانسية التي فقدناها، والعذوبة التي لا تأتي سوى بأحلامنا .. شيريهان الطيب ..جعلت للإبداع أجنحة تحلق من خلالها في فضاءات الشفافية .. منحت الساحة الشعرية السودانية والعربية ثوب الألق ..هي من واحدة من أبرز جيل اليوم من الشعراء الشابات .. بعطاء ها الفكري وحضورها الأدبي .. طبيبة أسنان .. مثقفة ومتميزة ..ببساطتها والقها الشعري .. ” النورس نيوز ” التقتها وقالت لنا :
حوار : محمد يوسف عبد الرحمن (ميدي)
_لكل صباح مشرق إنبلاج فجر من عمق الظلام .. متى بدأ الشعر يغري مشاعر وأنامل شيريهان .. وكيف كانت البدايات ؟ عرفت الشعر منذ أن كنت طفلة صغيرة وكنت اقرأه وأحب سماعه ولكن تفجر ينبوع الكتابة عندي مع بداية المرحلة الجامعية وأخذتني أجواء المنتديات والمشاركات،وما ساعدني أكثر هو القراءة والاطلاع فكنت في تلك الفترة مهتمة بقراءة الرواية والأدب وعلم النفس والاجتماع والكثير من الكتب والدواوين .
_من منكما اختار الآخر .. شيريهان اختارت الشعر ، أم هو الشعر من خطب ودك ؟ أظن أن الشعر من اختارني منذ البداية فمجال دراستي طب الأسنان لا يترك وقتاً لأنشطة أخرى ولكني مع ذلك كنت أكتب الشعر أكتبه بقاعات الدراسة ،أكتبه بالعيادات ،أكتبه داخل وخارج سور الجامعة ،أكتبه بالطريق إلى البيت ، كنت أحب الشعر جداً واعتبره جزء من حياتي وأكثر ما يعبّر عني وعن فهمي للحياة والآخرين.
_اليوم الأول للحرب أين كنتِ؟وكيف تلقيت نبأ الحرب؟
كنت بالبيت مع أهلي وكنت أستعد للذهاب للجامعة إذا بأصوات مدوية “بكبري النيلين” حيث أن بيتي يقع على بعد دقائق فقط منه وكنت أظن أن الأمر بسيط وعابر لأننا في هذا الحي تحديداً حي بانت شهدنا كل أنواع الثورات والمظاهرات والاعتصامات ،مرّت علينا الكثير من الكوارث وفترة الكورونا بكل حزنها وأوجاعها، لم يكن أحد منا يتوقع أن حرباً يمكن أن تنشأ بين ليلة وضحاها ..
_هل يستند الشعر إلى الموهبة أم إلى التعليم والخبرات؟الشعر يحتاج إلى الاثنين فالموهبة تكون بمثابة الروح التي تحيي القصيدة والمعرفة والقراءة والخبرة تمثّل الهيكل العظمي للقصيدة ولا توجد قصيدة بلا جسد ولاروح..
_يرى البعض أن الحروب تؤثر بشكل كبير على النساء. ما رأيك في ذلك؟ الحروب تؤثر على الجميع بنسب متفاوتة لأن الحرب تقضي على الأخضر واليابس ،الحيوان والجماد والإنسان، الحرب أكبر جريمة في تاريخ الدول ،أذكر أني كتبت هذه الأبيات وأنا بين الرصاص والبنادق في بيتنا بحي بانت
” وطني ،
وسالَ الخوفُ ملءَ جِهَاتِهِ
وطني ،
يُطلُّ الموتُ من شُرفاتِهِ
قد كانَ قنديلاً يمزّقُ ليلنا
وجميعُنَا زيتٌ على مِشكاتِهِ
الآن
تنقصنِي الشجاعةُ ربما
الآن
لا أقوى لضمِّ رُفاتهِ ”
_هل يمكن للشعر أن يكون من الأصوات الفاعلة في إنهاء الحرب؟ الشعر يمكن أن يلعب دوراً مهماً في إيصال صوت الأمة وصراخ النساء المغتصبات وأصوات الموتى الذين لم يجدوا من يسمع كلماتهم الأخيرة والرصاص موجه صوب صدورهم ، صوت الأطفال الذين ماتوا في بطون أمهاتهن والرجال الذين راحوا ضحايا بتهمة انهم يسكنون مناطق معينة أو من قبيلة معينة …
_ما طبيعة القصائد الشعرية التي تجدين في نفسك ميلا إلى رصدها بالقراءة، واقتفاء أثرها بالتلقي؟أنا أقرأ كل ما يقع بيدي بحثاً عن جملة شعرية أو عبارة تحرّك القارئ الناقد بداخلي ، يهمني كل ما يُكتب عن هموم الناس وثقافة الشعوب ويهمني الإنسان بكل ما يحمله من صفات آدمية …
_عندما يسكن ألم الشعر فيك وقت الكتابة هل تشعرين بالامتلاء الى حد يجعلك تنتمين فعلا للشعر؟ هذا السؤال يقودني إلى كون القصيدة تكتب بعد أن يصل الشعور إلى تركيز محدد فيتفجر ينبوعاً ، ذلك أن هنالك أفكار عابرة بتركيز أقل قد لا ندونها أصلاً ،وهذا الشعور بالثِقَل والامتلاء يكون لحظات ماقبل ميلاد القصيدة واشعر براحة كبيرة بعد الانتهاء منها ..
_عندما تفكرين في الكتابة هل تقتادك اللغة نحو المتخيل ام تجعلين اللغة في خدمة المتخيل؟
الخيال واللغة والمعرفة كلها وسائل لإنتاج نص خالد
يكون الخيال هو الجواد الذي نمتطيه لاستكشاف معالم الشعور ودهاليز الفكر وغابات الجمال واللغة السهام التي نطلقها لاصطياد الفكرة حيث أن الفكرة أشبه بالغزال البريّ الهارب ،وعليك أن تكون صيّاداً مُحترفاً للإمساك بها ،كل هذه العوامل معاً تساعدنا للوصول إلى الغاية العُظمى وهي القصيدة مكتملة الملامح.
_هل ثمة فاصل بين الكتابة النثرية وأختها الشعرية؟
هناك فروقات كثيرة بين النثر والشعر ،الشعر له قوالبه وضوابطه المعروفة من وزن وقافية وموسيقى أما النثر فلا يحتاج إلى كل ذلك ، فيشعر الكاتب بحرية أكثر في التعبير فكل ما يحتاجه هو اللغة والفكرة ، ولكن هناك تداخلات بين الشعر والنثر أنتجت ما يسمى بقصيدة النثر ..
الشعر كمفهوم يحتاج إلى موهبة حقيقية وإجتهاد لتستطيع التميز فيه وتحوّل هذه الضوابط إلى إبداع ودهشة لاتنتهي…
_لماذا القصيدة الغزلية هي السائدة ؟ فقلما نقرأ قصائد اجتماعية أو ما يحكي هم
الأمة ..? كون أن الغزل الأقرب إلى النفس البشرية له انتشاره وذُيوع صَيته على مدار التاريخ وحتى الآن وغداً ،لكن هذا لا ينفي أن هناك الكثير من القصائد التي تعكس هموم المجتمع وثقافته ولدينا نماذج كثيرة داخل وخارج السودان ..
_حدثينا عن مشاركاتك الشعرية والجوائز التي نلتيها ؟حِزت عدة جوائز أذكر أهمها جائزة الإيسسكو للشعر بالمغرب وجائزة الشارقة للديوان الأول وما بينهما مشاركات بالمهرجانات والأمسيات الشعرية ،ومشاركتي في برنامج أمير الشعراء في موسمه العاشر كانت الأهم.
_هل توافقيني الرأي بأن الشاعرة مازالت حبيسة جدران العاطفة في قصائدها برغم كثرة همومها وقضاياها الاجتماعية ..؟المرأة مخلوق عاطفي جداً وهذا جزء من تركيبتها الإنسانية لذا لا أستغرب كون أغلب قصائد الشاعرات عاطفية ،لكن العاطفة يمكن توظيفها في أكثر من موضوع عدا الغزل على سبيل المثال لا الحصر هناك عاطفة الحزن وهو من أنبل المشاعر الإنسانية ولدينا نموذج تاريخي مهم جدا وهي الشاعرة الخنساء في رثاءها لأخيها صخر ،وهناك الكثير من القصائد الإنسانية للشاعرات ادعو لقراءتها جيّداً وألا تَقصروا عواطفهن على الغزل.
_باعتبار أن المرأة كائن حساس وخاصة إذا كانت شاعرة ما مدى تأثير الحرب عليك وقسوة الظروف الحياتية التي آل إليها السودان في الفترة الأخيرة؟
يوجعني جداً أن الوطن المعجون بالنيل وأزرقه الذي كان يمثّل لنا الحياة، “وريحةَ الطين في جروفنا” وصيّة حمد الريح التي تربّيت عليها خسرتها دفعة واحدة؟ بين ليلة وضحاها ..
هذه مشكلة الحروب الكبرى أنها لايسلم منها مكان ولا إنسان ولا حيوان .
غادرته كحال كل النازحين تاركين أحلامهم ورائهم حاملين حقائب قليلة وذكريات كثيفة لعلها تكون زادنا في صحراء الغربة على أمل أن يعود السودان جنة خضراء .
_كلمة أخيرة مازالت تنتظر في صدرك تريدين قولها؟
في الختام أريد أن أقول أن القلم سلاح مهم جدا ،ربما لا يوقف الحرب ولكنه يمكن أن يكون سببا لإيصال صوت قضيتنا للعالم وعليه أدعو الإعلاميين والشعراء والكتّاب ألا ينسوا الوطن في حرفهم حتى نعود إليه بجناحين من شوق وحب ويعود الوطن جنتنا الخضراء .