بين اختلالات الحرب وزلزال الاقتصاد….هل أصبح الكاش أمنية للمواطن؟
قيادي:ندرة النقد تؤدي الى احتكار السيولة من قبل مجموعات تستغل الضعف الرقابي
مصرفي:التوعية بالحكم الشرعي الذي يحرم الربا ضرورية وعلى الاعلام الرسمي ان يقوم بذلك
اقتصادي:تدهور سعر الصرف ورفع معدلات النمو الاقتصادي تفاقم من الضغوط المعيشية
مواطنة:لجأت للسماسرة لأخذ “كاش” اعطوني 75 مقابل 100 وكنت مضطرة
تقرير إخباري -خديجة الرحيمة
(عايزننا نموت عشان يرتاحوا) هكذا بدأت المواطنة نادية محمد حديثها لـ(النورس نيوز) لتضيف قائلة ذهبت للسلطة القضائية لعمل إجراء خاص بي وتفاجأت بأنهم لا يتعاملون الا بالكاش ويرفضون التعامل بالتطبيقات البنكية ذهبت الى البنك منذ الرابعة والنصف فجرا وحتى ظهر ذلك اليوم ولم اتحصل على كاش فقررت اللجوء الى (السماسرة) لأني كنت مضطرة وتجولت في اكثر من خمس “أكشاك” الاخير أشار لي الى “بائعة شاي” ذهبت اليها طلبا للكاش حيث قالت لي بالحرف(بشيل منك في المية ٢٠ الف وفي الخمسين ١٠ الف) قلت لا مانع لدي اريد مائتين جنيه فقالت (٢٠٠ ما عندي لانو شالو قدامك لكن بديك ٥٠) لم يكن لدي خيار سوا الموافقة بذلك قمت بتحويل ٦٠ الف كي تعطيني ٥٠ الف اندهشت جدا عندما قامت بإعطائي ٤٠ الف وقالت لي (في الخمسين بشيل ١٠ وفي ال١٠ بشيل الفين واصلا انا بخصم من كل ١٠ الفين وما شغالة بقصة زول يحول لي حق خصم بفوق للمبلغ) قلت لها لماذا كل هذا الاستغلال لترد قائلة “انا ما استغليتك ده شغلي كده وانا كلمتك من البداية وانتي وافقتي”.
تركتها وذهبت الى اخرين حيث اشاروا لي إلى أشخاص يفترشون الكاش في الارض دمعت عيناي قبل ان اتحدث اليهم وتسألت في داخلي البنك لا يمنح غير مائة الف أين يجدوا هؤلاء تلك المبالغ وكلها من الفئة الجديدة ولكن “المضطر يركب الصعب” قلت لهم أريد كاش فردوا لي ثلاثتهم (دايرة كم ونحنا بنخصم في المية ٢٥ الف) فقبلت بذلك واخذت المبلغ الذي اريده وذهب ولكن في قلبي غصة من تلك المواقف والاستغلال الذي يتعرض له المواطن السوداني البسيط.
أزمات متتالية….
أزمة شح النقد الحالية ليست الاولى فقد كانت هناك أزمات شح كبيرة في عامي ٢٠١٨ و٢٠١٩ قبل ثورة ديسمبر وذلك كاقرب احداث مماثلة تاريخيا.
وقد ارتبطت ايضا بعدم توفر السيولة لديدى المصارف وبماكينات السحب الخاصة بكل مصرف التي ارتفعت رسومها خصمها من ارصدة اصحابها في كل معاملة الى ١٠٠ جنيه
مما افقد ثقة المواطنيين في ايداع اموالهم بها وفضلوا الاحتفاظ بها طرفهم خارج المصارف.
مما تسبب في فتح الباب واسعا امام السوق السوداء كمنفذ بديل للمصارف.
ووصلت عمولة الحصول على الكاش الى ٢٥%
الامر الذي شكل ضغطا اضافيا
على المواطنيين الى جانب الارتفاع المستمر في اسعار السلع والخدمات.
معاناة وشكاوى…..
شكاوى عديدة من مواطنين وتجار حول صعوبة الحصول على كاش رغم المعاناة في طوابير الصفوف منذ الساعات الاولى للفجر.
مما جعل البعض من المواطنين يلجأ للتسول وازدادت الظاهرة بعد استبدال العملة.
الامر الذي جعل كثير من التجار يغلقون محلاتهم التحارية واخرين يرفضون البيع عبر التكبيقات البنكية.
وتفاقمت معاناة المواطن بعد تدهور الوضع الاقتصادي بالبلاد.
المواطنة (ا ي) تروي معاناتها في الحصول على الكاش حيث قالت ذهبت الى البنك كي أحصل على كاش منذ السابعة صباحا وحتى الثالثة عصرا لم أحصل على كاش فقررت العودة الى البيت ولكنني تفاجأت بعدم وجود جنيه في حقيبتي كي ادفع للمواصلات لكني لم اتردد فقمت بغطاء وجهي وتسولت حتى تحصلت على مبلغ يوصلني الى منزلي ثم عدت.
تضخم وعقوبات…..
حال لم تقضي الحكومة على اسباب سحب المواطنيين لودائعهم من المصارف شاملة سياسة البنوك ب ” عدم توفر السيولة ” لعملائها وتفضيلات المواطنيين بالاحتفاظ بها رغم ارتفاع تكاليف الخصومات بالمنافذ المتاحة للحصول عليها فإن ظاهرة احتفاظ المواطنيين بالاموال خارج الجهاز المصرفي بنسبة كبيرة كما كانت قبل عملية استبدال العملة ستسود مرة اخرى بما يفقد القطاع الاقتصادي.
هكذا بدأ الخبير الاقتصادي وائل فهمي حديثه لـ(النورس) ليضيف قائلا مع استثناء ظروف الحرب الحالية الغير عادية وقدرته في السيطرة على ازمة التضخم وعلى ازمة تدهور سعر الصرف ورفع معدلات النمو الاقتصادي وتفاقم مختلف الاختلالات الاخري وتزايد الضغوط المعيشية على المواطنيين بالارتفاع المتواصل للاسعار العامة.
وأضاف أن حاجة المواطن للسيولة وشرائها من تجار السوق الاسود للجنيه السوداني ظاهرة رفض بعض اصحاب الاعمال خاصة الصغيرة الى تفضيل بيع منتجاتهم بالكاش عن الايداع بحساباتهم بالمصارف كاصحاب بعض المخابز وبعض المحلات التجارية. هذا بخلاف تاثير قطوعات الكهرباء وشبكات الانترنت التي تفرض حاجة المواطن للكاش على التعامل بالتطبيقات المكلفة بخصومات المصارف عند التحويلات المصرفية.
وفي هذا السياق أكد وزير المالية جبريل ابراهيم على ضرورة تحقيق التحصيل والسداد الإلكتروني في كافة الوحدات الحكومية، مبينا أنه تم التعاقد مع عدد من البنوك لسداد الرسوم الحكومية.
ولفت إلى أن اللجنة العليا لتغير العملة بصدد سن تشريعات ولوائح للتحصيل الإلكتروني لضبط عملية السداد وفرض عقوبات على المعاملات خارج عملية الدفع الإلكتروني.
ضعف واقتصاد موازي…..
شهدت مناطق سيطرة الجيش السوداني تفاقمًا في أزمة شح السيولة النقدية عقب قرار تغيير العملة، حيث تم سحب الفئات القديمة من فئة الألف جنيه واستبدالها بأخرى جديدة. خلال فترة التغيير، فُرض على المواطنين إيداع الفئات القديمة مع تحديد سقف سحب لا يتجاوز 200 ألف جنيه بالعملة الجديدة. إلا أنه بعد انتهاء هذه الفترة، خفضت المصارف سقف السحب اليومي إلى ما بين 50 و100 ألف جنيه، مما زاد من حدة نقص السيولة المتاحة. يُعزى ذلك جزئيًا إلى عدم توزيع الفئات الجديدة بفعالية أو بالكميات المطلوبة، خاصة في المناطق التي تفتقر إلى بنية مصرفية جيدة، مما أدى إلى زيادة الاعتماد على السماسرة والأسواق السوداء.
بهذه العبارات بدأ الخبير صرفي والمالي المستقل والقيادي المصرفي السابق عمر سيد احمد مشيرا الى ان أسباب شح النقد تعود الى ضعف البنية التحتية المصرفية: في العديد من المناطق، خاصة الريفية منها، يواجه المواطنون صعوبة في الحصول على العملة الجديدة بسبب نقص الفروع المصرفية والاقتصاد الموازي: تُقدَّر نسبة الكتلة النقدية المتداولة خارج النظام المصرفي بما يتراوح بين 90% إلى 95%، مما يُضعف فعالية السياسات النقدية ويزيد من حدة الأزمة.
إضافة لضعف الشمول المالي: يُعد السودان من بين الدول ذات النسب المنخفضة في الشمول المالي، حيث تشير بعض التقارير إلى أن نسبة الشمول المالي في السودان بلغت حوالي 15% اعتبارًا من عام 2014، ولا يُعتقد أنها تحسنت كثيرًا منذ ذلك الحين.
بجانب الصراعات والحروب: تؤدي الأوضاع الأمنية غير المستقرة إلى تدمير البنية التحتية المصرفية وتعطيل الخدمات المالية، مما يزيد من صعوبة الوصول إلى النقد.
لافتا خلال حديثه لـ(النورس) الى التداعيات الاقتصادية والاجتماعية التي سببها شح النقد حيث قال انتشار السوق السوداء والسماسرة: بسبب ندرة النقد، يلجأ المواطنون إلى السماسرة للحصول على السيولة، مما يؤدي إلى نشوء سوق سوداء واحتكار السيولة من قبل مجموعات تستغل ضعف الرقابة المصرفية.
مع ارتفاع تكلفة النقد: يفرض السماسرة خصومات عالية للحصول على الكاش مما يزيد من تكاليف المعيشة ويرفع أسعار السلع والخدمات، ويقلل من القوة الشرائية للأفراد، مما يوسع فجوة الفقر ويزيد المعاناة الاجتماعية.
وتعطل النشاط الاقتصادي: يؤدي ضعف توفر الكاش إلى عرقلة العمليات التجارية، خاصة في المناطق الريفية التي تعتمد على التعاملات النقدية، مما يساهم في انخفاض الإنتاجية، خاصة في القطاعات الزراعية والصناعية.
بجانب فقدان الثقة في النظام المصرفي: مع عجز المصارف عن توفير السيولة، يلجأ المواطنون إلى الاكتناز أو التعامل مع السوق السوداء، مما يزيد من ضعف القطاع المصرفي.
إن أزمة شح النقد في السودان ليست مجرد مشكلة اقتصادية، بل هي أزمة ثقة تتطلب معالجات جذرية لاستعادة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في البلاد
ونوه الى ان حلول تخفيف الأزمة تكمن في إصلاح النظام المصرفي: تقوية البنية التحتية المالية وتشجيع التحويلات الرسمية، بالإضافة إلى زيادة عدد الفروع المصرفية في المناطق الريفية.
وزيادة الشفافية: مكافحة السوق السوداء عبر سياسات مالية ورقابية صارمة، وتعزيز الثقة في النظام المصرفي.
والتوسع في الدفع الإلكتروني: نشر حلول الدفع عبر الهاتف أو الإنترنت لتقليل الاعتماد على الكاش، وتطوير البنية التحتية اللازمة لذلك.
وإصلاح السياسات النقدية: إصدار كميات نقدية كافية بطريقة مدروسة لتلبية الطلب دون التسبب في التضخم، وضمان توزيع عادل للعملة الجديدة.
وفيما يتعلق بأسباب انتشار الربا يقول الخبير المصرفي وائل فهمي لا شك بأن تجار العملة لديهم علاقات ممتدة مع تجار السلع وهم يتقاضون نسبة مقابل استثمار مداخيلهم اليومية في تجارة الكاش
فضلا عن استمرار عمليات التزوير للعملة،مشيرا الى ان التوعية بالحكم الشرعي الذي يحرم هذه الممارسات مهم جدا و ينبغي ان يكون للاعلام الرسمي دور كبير في ذلك.
واوضح كما ان هذه الظاهرة يمكن ان تختفي اذا ارادت السلطات المختصة مكافحتها، لكن يبدوا ان البعض منتفع من استمرارها بحسب تعبيره.