روحي ليه.. مشتهية ود مدني؟
للعطر افتضاح
د. مزمل أبو القاسم
روحي ليه.. مشتهية ود مدني؟
* بحمد الله وفضله وموفور نعمته تم تحرير أرض المحنة من قبضة الأوباش، وعمّت الفرحة كل أرجاء الوطن.. وأجزم واثقاً أن السودان لم يعرف طوال تاريخه فرحةً تعدل فرحة استعادة (أرض المحنة) التي تمت في يومٍ تاريخي بهيٍ الطلعة وسيم القسمات.. سالت فيه (مشاعر الناس جداول).
* احتفل السودانيون بتحرير مدني السني بطريقة هستيرية، اختلطت فيها دموع الرجال بزغاريد الحرائر وضحكات الأطفال وعرضة الشيوخ.. احتفلوا في كل قارات الدنيا، وفي كل أرجاء المعمورة، احتفلوا أرضاً وبحراً وجواً.. احتفلوا ليل نهار، واستبانت في فرحتهم العارمة مكانة مدني السني في نفسوهم الطيبة، ولمدني تحديداً رمزية كبيرة عند أهل السودان، لذلك أتى فرحهم باستعادتها عارماً وضخماً وباذخ الروعة والجمال.
* معلوم أن الأوباش طفقوا في قتل أهل مدني وشفشفة المدينة منذ الدقيقة الأولى لسقوطها، حيث تعرضت مدني وضواحيها لاستباحةٍ كاملة، وعنفٍ غير مسبوق، أجبر الملايين من أهلها والنازحين إليها على مغادرتها على جناح السرعة، ورُويت يومها قصصٌ تقطع نياط القلوب عن تلك الرحلة الموجعة المفجعة، عندما اضطر المرضى وكبار السن والأطفال إلى الخروج من مدني إما سيراً على الأقدام أو على ظهور الدواب، فقضى بعضهم نحبه في الطرقات.
* الآن وبحمد الله ومِنَّته وفضله تبدل الحال واختلف المشهد، بعد أن نجح الجيش الباسل في استعادة عروس الجزيرة والسودان، وبدأت مسيرة التعافي منذ اليوم الأول للتحرير، وشرع الجيش في تأمين السكان ومطاردة فلول الجنجويد حتى نظّف مدني النقية البهية من دنسهم، وتم تأمين المدينة من كل الجهات، ثم توالت البشريات بوصول والي الولاية إليها، مع أركان حربه.
* كانت البداية بدخول فرق من مهندسي الجيش وخبرائه لجمع مخلفات الحرب وتنظيف المدينة بإزالة القذائف غير المتفجرة من منازلها وطرقاتها ومرافقها العامة، ثم تلتهم فرق الدفاع المدني ووزارة الصحة لإزالة الجثث المتحللة من الشوارع، ودفنها بطريقة لائقة وتعقيم المدينة ومراجعة مرافقها وتنظيفها.
* تلتهم شركة زين للاتصالات التي استحقت التهنئة والإشادة على نجاحها الباهر في إعادة شبكتها إلى مدني بسرعة تستوجب الثناء.
* بالطبع شاركت الشرطة في تحرير أرض المحنّة بنصيب الأسد عبر فرسان الاحتياطي المركزي الذين كانوا في طليعة القوات التي دحرت المرتزقة من الناحية الشرقية ودخلت مع قوات الجيش (بقيادة مرعب الجنجويد سعادة العقيد عبادي وقوات درع البطانة)، وبالمثل لم تتأخر الشرطة في دخول المدينة بفرق من قوات الدفاع المدني، وكان سعادة اللواء شرطة الطاهر عبد الحفيظ رئيس هيئة تأمين المرافق والمنشآت (مشرف القطاع الأوسط) من أوائل المبادرين بدخول المدينة للإشراف على عمليات فتح أقسام الشرطة ومكاتب الإدارات المتخصصة مثل الجوازات والسجل المدني والمرور وغيرها، وبقي في مدني حتى اللحظة، فاستحق الإشادة على جهده المتميز وعمله المتقن.
* بالمثل سارع السيد وزير الداخلية خليل باشا سايرين بزيارة ود مدني للاطمئنان على أوضاعها وترتيب عمل قوات الشرطة فيها، كما حرَّكت الإدارة العامة للمرور منسوبيها إلى عاصمة ولاية الجزيرة بقوافل كبيرة من كل الولايات، وأشاع ظهور رجال المرور في شوارع مدني فرحة عارمة في نفوس مواطنيها، لأن رجل المرور يحمل رمزية الأمان والاطمئنان، ويشير إلى عودة الأحوال إلى طبيعتها، كذلك سارع الفريق أول شرطة خالد حسان محي الدين مدير عام الشرطة إلى زيارة المدينة، بمعية مدير شرطة ولاية الجزيرة سعادة اللواء عبد الإله محمد علي الذي رابط في الولاية ولم يفارقها مطلقاً، واستمر في مزاولة عمله من المناطق المؤمَّنة حتى تم تحرير مدني ودخلها مع فرسان الشرطة ظافراً منتصراً بحمد الله.
* كذلك بادرت الهيئة القضائية بتسمية قاضي المحكمة العليا، مولانا عبد المنعم بلة فرح رئيساً للجهاز القضائي في ولاية الجزيرة، وكان الاختيار موفقاً لأن مولانا عبد المنعم من أصحاب الكفاءة والهِمّة العالية والخبرات النوعية، ولم يتأخر مولانا في الوصول إلى مدني لتفقد مجمعات المحاكم، ووجّه بتنظيفها وتأهيلها وصيانتها وتجهيزها لمباشرة أعمالها، ولن تكون المهمة ميسورة، لأن الأوباش شفشفوا كل مجمعات المحاكم وسرقوا كل أثاثاتها وأجهزتها وحرقوا مقارها بالكامل.
* كذلك اهتمّ النائب مولانا الفاتح طيفور مشكوراً بأمر مدني، وسارع إلى تسمية مولانا النذير حامد رئيساً للنيابة في عروس الجزيرة ووجه بمباشرة أعمال النيابة فوراً وقد كان، مع أن حال مقار النيابة لم يختلف كثيراً عن حال مجمعات المحاكم في مدني.
* بالمثل كانت فرق المياه في مقدمة الواصلين إلى المدينة، حيث تم الشروع في صيانة وتأهيل الآبار وخطوط النقل، لتوفير المياه للمواطنين، وتم تشغيل عدد مقدر من المحطات والآبار بحمد الله، وكذلك دخلت الفرق الفنية للكهرباء التي تعرضت بنيّاتها الأساسية إلى أضرار بالغة، ستستلزم صيانتها بعض الوقت.
* كان سعادة والي الجزيرة الطاهر إبراهيم الخير من أوائل الواصلين إلى المدينة، بل دخلها مع جيش سنار وكاد يفقد حياته عندما تعرضت قافلته لكمين أدى إلى استشهاد بعض مرافقيه، وقد باشر مهامه بهمةٍ ونشاط.
* بالطبع كان سعادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة، القائد العام في مقدمة زوار أرض المحنة للوقوف على أحوالها، وكانت لتوجيهاته وتعليماته أبلغ الأثر في تحريك دولاب الدولة لتأمين المدينة وتشغيل الخدمات للمواطنين، وسبقه أسد الجبال سعادة الفريق أول شمس الدين الكباشي الذي وصل إلى ود مدني بعد ساعات قليلة من دخول الجيش إليها، وقبل أن يتم الفراغ من تنظيفها من آخر جيوب التمرد، وتلاه أسد البقعة، سعادة الفريق أول ياسر العطا الذي تفقد كل أرجاء المدينة واطمأن على استتباب الأمن فيها.
* حتى اللحظة تم تشغيل 52 محطة مياه باستخدام الديزل و 12 محطة بالطاقة الشمسية، وأكد والي الولاية سعيهم لاستكمال العمل بقطاع المياه فى مدة لا تتجاوز أسبوعاً واحداً لأن المياه تعني الحياة، بينما سيتطلب تشغيل المستشفيات وعودة بقية دواوين الدولة للعمل بعض الوقت لأن المليشيات دمرت وشفشفت كل المستشفيات مؤسسات الدولة ونهبت أجهزتها وممتلكاتها وحرقت بعضها، ومع ذلك تتوافر الإرادة والعزيمة القوية لصيانتها وتأهيلها وتجهيزها كي تعود إلى نطاق الخدمة في أسرع وقتٍ ممكن.
* ود مدني (أرض المحنَّة وعروس مدن السودان) تتعافى وتتزين وتستحم وتتعطر، وقوافل أهلها تتوافد عليها من كل مكان تحمل الفرح والبشرى، وستستعيد الدُرَّة المكنونة كامل ألقها وبهائها القديم قريباً بحول الله، وما يحدث فيها من تأهيل وإعمار يدلل على عظم الفرق بين الجيش المهني القومي والمليشيا المجرمة.
* قريباً بحول الله ستغني مدني مع ابنها المبدع (الباشكاتب ود اللمين رحمة الله عليه) رائعة خليل فرح الشهيرة: (مالو أعياه النضال بدني.. وروحي ليه مشتهية ود مدني.. ليت حظي يسمح ويسعدني.. طوفة فَدْ يوم في ربوع مدني.. كنت أزور أبويا ود مدني.. وأشكي ليه الحضري والمدني.. آهٍ.. على حشاشتي ودجني.. وحنيني ولوعتي وشجني.. آهٍ آه.. دار أبويا ومتعتي وعجني.. يا سعادتي وثروتي ومجني).. كامل الإعزاز وكل الحب لمدني السني عروس السودان الجميلة البهية النقية.