البرهان ، قائدٌ فذ بعيد عن الأضواء ، قريب من الأفعال

☘️🌹☘️

*همس الحروف*

البرهان ، قائدٌ فذ بعيد عن الأضواء ، قريب من الأفعال

✍️ *د. الباقر عبد القيوم علي*

في خضم هذه الأحداث الجارية ، و المشاهد التي يعيشها السودان اليوم ، تبرز شخصية الفريق عبد الفتاح البرهان كقائد غير تقليدي ، قد أجد نفسي مختلفاً معه في بعض الامور ، و لكن على الرغم من ذلك لا بد لي أن أقف شاهداً على ما إتفقت معه فيه ، و كما يعلم الجميع أن هذا الرجل يقف بعيداً عن ضجيج الإعلام ، وهرج السياسة ، ليظهر بمواقف قد تكشف عن عمق تفكيره واستراتيجياته العسكرية و عمق البعد السياسي الذي يتميز به ، و على الرغم من أنه لا يحب الأضواء ، ولا يشارك إلا مجبوراً في الثرثرة السياسية التي أصبحت سمة العصر ، إلا أن أفعاله هي التي تتحدث عنه ، وهي التي توضح إلى أي مدى يمتلك هذا الرجل رؤية شاملة لما يجري في السودان .

البرهان ليس من النوع الذي يتحدث كثيراً ، أو يُكثر من الخطب الحماسية و السياسية ، و يحاول في بعض الأحيان إستخدام لغة الجسد الناعمة لتوصيل مرادة ، و لقد شكلت بعضها نسبة مشاهدات و مشاركات عالية في وسائل التواصل الاجتماعي، بل و أصبحت أيقونة من أيقونات المرحلة ، فقد ظل دائماً يردد جملتة الشهيرة: (الناس ديل يا يكملوا هم يا نكمل نحنا) . هذه العبارة ليست مجرد كلمات عابرة ، بل هي فلسفة تجسدت في أفعاله وتوجهاته ، و نجده قد مارس مع المرتزقة النظرية الروسية التي تقول الأرض تبتلع الجيوش ، و هي تعبير مجازي يستخدم كإشارة إلى الحروب أو المعارك التي يتوسع فيها أي جيش ما ، في الجغرافيا ، فمن المؤكد أنه سيخسر التاريخ و المستقبل، لأنه بذلك يكون فقد حالته الصلبة و أصبح رخواً بالتمدد ، فبأقل جهد حربي و أقل قوة يمكن إصطياده في شكل مجموعات متجزئة ، مجموعة تلو الأخرى ، و أشهر الأمثلة التاريخية على ذلك هو غزو نابليون بونابرت لروسيا في عام 1812 ، حيث كانت الأرض والمناخ القاسي من العوامل التي أسهمت في هزيمة جيشه هزيمة نكراء .

فنجد أن الجملة التي يستخدمها القائد البرهان دائماً هي عبارة معادلة بسيطة و واضحة المعالم : إما أن نحقق النصر نحن ، أو نتركهم يحققونه بأنفسهم ، و ذلك يعني لا مجال للوساطة أو التنازلات ، من خلال معطيات قراءتنا مواقف الرجل ، وجدناه يعرف جيداً ما يريد ، و يسير وفق خطة محكمة ، لا تفسدها تعقيدات السياسة أو التدخلات الخارجية .

في الوقت الذي كان فيه العالم يتربص بالسودان و يشهر أوراقه المختلفة للضغط عليه ، نجد أن القائد البرهان إستخدم معهم سياسية شعرة معاوية ، كأساس للتعامل مع الضغوط ، فوجدناه محنكاً في قضية معبر أدري الحدودي مع تشاد ، و لقد كان وقتها خيار العالم واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار ، إما أن يفتح السودان المعبر لإيصال المساعدات ، أو يتعرض لمزيد من الضغوط الدولية ، فكان البرهان حاضر البديهة ، و بأقل الكلمات وأبسط الأفعال ، اتخذ قراراً جريئاً بفتح المعبر ، و حينها إنتقده الكثيرون و انا كنت أحدهم ، و لكنه بحنكته و نظرته البعيدة كان قد أعد الأرضية المناسبة لتوجيه الأحداث بما يخدم مصالح السودان ، مستعيناً بخبرات أجهزة الدولة المخابراتية .

و نجد كذلك أن البرهان قد أظهر دهاءً استراتيجياً عكس نوع شخصيته و أسلوبه في القيادة العسكرية والسياسية ، و تأثيره على الساحة المحلية و الإقليمية ، و الدولية ، فوضح ذلك جلياً حينما رفض الانخداع بالمؤامرات السياسية التي كانت تُحاك في جنيف ، و في لحظة دقيقة ، إختار وزير المعادن بدلاً من وزير الخارجية للمشاركة في المفاوضات ، وهو ما اعتبره الجميع خطوةً تكتيكية بارعة أفشلت المخطط الدولي قبل أن يبدأ .

لكن ما يميز حقاً ، هو رجل صامت ، و ضابط لسانه إلى أقصى درجة ، فنجده لا يعلق على المبادرات السياسية بتصريحات كبيرة و كما انه لا ينجر خلف الإستفزازات ، بل يفضل أن يتحدث عبر الأفعال المباشرة ، فقد وضع الجيش السوداني في موقع القوة التي تقف بصلابة ضد أي تدخل أجنبي ، مؤكداً بذلك أن السودان سيظل يدير شؤونه بطريقته الخاصة ، ولا تهمه المحاولات المستمرة لزعزعة استقراره ، فهو مع صمته صابر و محتسب .

و في الوقت الذي يبدو فيه الكثيرون يتساءلون عن مستقبل السودان ، يأتي البرهان ليُربك حسابات الجميع ، محققاً أهدافه بتكتيك عسكري وسياسي محنك ، فهو ليس مجرد قائد عسكري ، بل هو قائد يعلم متى يتحدث ومتى يصمت، ومتى يتخذ القرارات الحاسمة .

يا نكمل نحن ، و يا يكملوا هم ، هذه هي فلسفة القائد البرهان التي تُعبّر عن أسلوبه في فنون الحياة السياسية والعسكرية ، و في هذه الجملة البسيطة يكمن كل معنى القيادة الحقيقية ، حيث لا مجال للضعف أو التردد أو الإرتباك ، في النهاية نجد البرهان يتعامل مع السودان كما يتعامل القائد مع جيشه بتركيز كامل على الهدف ، و بعزم لا يعرف التراجع .

و لذلك ، لا شك أن الشعب السوداني ، في يوم من الأيام ، سيقف أمام اختبار حاسم ، سيعرف فيه إن كان سيتبع هذا القائد الذي قادهم عبر الأزمات بعقلانية وثبات ، أم أن الأحداث ستأخذهم في اتجاه آخر ، ولكن ما يبدو واضحاً الآن هو أن هذا الرجل الداهية قد وضع خارطة طريق بعيدة عن الثرثرة ، و لا تهمه سوى النتائج الحقيقية ، التي تأتي عبر الأفعال ، لا الأقوال .

نصيحتي للسيد القائد البرهان : إن القيادة التي تستند إلى المبادئ الأخلاقية هي التي تستطيع أن تحافظ على توازن الدولة وتستمر في تحقيق الاستقرار ، لكن حينما تنحرف الأفعال عن هذا الطريق ، فإنها تصبح مصدر تهديد ليس فقط للاستقرار المحلي ، بل أيضاً للمستقبل السياسي و النظام الحاكم ذاته .

سيدي القائد ، في ظل الظروف الراهنة و الأحداث المؤلمة التي تشهدها مدينة ود مدني ، ومع توثيق المجازر التي يرتكبها بعض منسوبي القوات المسلحة أو الذين يساندونها و يقاتلون تحت مظلتها ، فإن الأمر قد أصبح في غاية الخطورة ، و هذه الأفعال التي تسيء إلى قيمنا الإنسانية ، وتلحق ضرراً بالغاً بالسمعة الوطنية ، قد تُسجل في التاريخ على أنها نقطة سوداء ضد دولتنا ، وستجعلنا نقف أمام محاكمات قد لا تختلف في تأثيرها عن مصير الرئيس السابق ، عمر البشير ، الذي وجد نفسه في أتون المحاكم الدولية .

إن استمرار هذه الانتهاكات يمكن أن يجر السودان إلى متاهات قانونية ودبلوماسية خطيرة ، حيث أن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان لا تُغتفر في المحافل الدولية ، وقد تؤدي إلى عواقب وخيمة لا تحمد عقباها ، فكل فيديو أو صورة تُنشر ، و توثق لهذه المجازر تصبح عبئاً إضافياً على سمعة القيادة السودانية ، و لهذا يجب أن يُحاسب كل من يقف وراء هذه الأفعال على المستوى المحلي ، قبل أن تصبح المحاسبة دولية .

إن الحفاظ على العدالة، واحترام حقوق الإنسان ، و وقف أي نوع من انواع هذا العنف هو مسؤولية القيادة أولاً وأخيراً ، و يأتي ذلك من خلال اتخاذ القرارات الحاسمة لإنهاء هذه الانتهاكات ، و بذلك يمكنكم أن تنقذوا السودان من مصير مظلم ، و تعيدوا بناء الثقة بين الشعب والقوات المسلحة ، وبالتأكيد ستعززون مكانة السودان على الساحة الدولية.

أدعوكم سيدي القائد ، إلى اتخاذ موقف حازم ضد هذه الممارسات المرفوضة تماماً ، وفتح تحقيقات جدية لردع مرتكبي هذه الجرائم ، فالعين يجب أن تكون على المستقبل ، و المستقبل لن يرحم من يتسبب في الخراب ، حافظوا على سمعة السودان، وعلى العدالة ، لأن التاريخ سيحاسبنا جميعاً على كل صغيرة أو كبيرة نفعلها اليوم و الله فوق ذلك حسيب .

و الله من وراء القصد

Exit mobile version