مدني- النورس نيوز- صدق الروائي عبد العزيز بركة ساكن، عندما تحدث عن الجنجويد في كتابه مسيح دارفور قائلاً: (أهون لجمل أن يلج من ثقب إبرة من أن يلج جنجويد ملكوت الله)!… دخلت مدني في أزمة خبز حادة، فلقد تمت سرقة كل العجانات والمولدات وكل الدقيق الموجود بالمخابز، ومن قرر العمل بمساندة المليشيا – فهم من يحتكر الدقيق المسروق مسبقاً وكل متطلبات صناعة المخابز – يوفرون الحماية له، وعلى الأغلب بعدما يعمل المخبز لأيام؛ تقرر المليشيا السطو على العائد والدقيق، حدثت للعديد من المخابز، ونفس الشئ حدث للبقالات.
توقفت الحياة وأصبح المورد الرئيس هو الأسواق خاصتهم (أسواق دقلو) التي يبيعون فيها مسروقات المدينة، وهي المراكز الأساسية للتسوق؛ بدءاً من الخبز والخضروات والدقيق وكل ما يخطر على بالك، وطبعًا اللحمة بلغ سعر الكيلو العجالي 18 ألفاً، والضأن يعد ترفاً.
كانت الأيام والأشهر الأولى للجنجويد بمثابة شهر عسل، يذبحون يومياً المسروقات من البهائم والماشية، فكان مشهداً عادياً ان ترى خروفاً أو شاة معلقة بأبواب البيوت التي احتلوها.
طبعا تمت سرقة مخزون الولاية الاستراتيجي لعامين كاملين من مخازن مارنجان الضخمة وتم السماح لسكان العشوائيات والقاطنين بالبيوت والهياكل غير المكتملة بسرقة كل مخازن المصانع والمصانع نفسها.. ذات المشهد الذي شاهدناه على شاشات التلفزة بالعاصمة، تم نهب الدقيق والسكر والزيوت والصابون وكل ما يخطر ببالك، فكانت الموجه الأولى “السيارات، الحافلات والركشات”، والأدهى وامر أن أي مركبة استعصت عليهم إما حرقوها أو كسروها.. امتلأت شوارع المدينة بلوحات العربات والحافلات والركشات.
كان ولايزال منظراً مؤلماً ان تشاهد الكاروهات والدرداقات ياكأخذها المواطنون وسيلة المواصلات.. تخصصت الدرداقات في نقل المرضى وكبار السن ونقل مشتروات المواطنين من الأسواق.. المواطن أصبح هيكلاً عظمياً لا يقوى على حمل كيس من أسواق دقلو البعيدة.
تفرغ أفراد المليشيا لسوق الإتصالات الجديد.. بعد انقطاع الكهرباء والاتصالات أصبحت وسيلة الاتصالات فقط عبر أجخزة الـ”إستار لينك، الذي لا يمكن لمواطن ان يمتلكه إلا هم، كان هو شريان الحياة للمواطن في التواصل وطمأنة الأسر والأهل بالخارج.. واهم شئ كان تتم عبره عملية (شريان الحياة) – تحويلات المغتربين ومن بالمدن التي تحت سيطرة الجيش – فكانت بحق وحقيقة شريان الحياة. وبدأ الجنجويد بجباية 10% من المبلغ المحول للمواطن، وارتفعت إلى 15%، واستقرت عند 20% لفترة، ثم وصلت الآن مع اقتراب قوات الجيش إلى 30%.
تحولت مراكز الإستار لينك إلى مصيدة للمواطن، فلقد تمركزت أعين أفراد المليشيا بداخل هذه المراكز لمعرفة المبالغ واصطياد الثمين منها بالمتابعه فور استلامك المبلغ.. تتم متابعتك ومن ثم تحت تهديد السلاح ينهبون المواطن، والمصيبة والكارثة يأخذون الهاتف ونوع آخر من السرقات يتم إجبارك تحت تهديد السلاح على تحويل كل رصيدك لحساباتهم.
المؤسف أن بنك الخرطوم لم يفعل خطاً ساخناً لإفشال وإيقاف هذا النهب، الذي لا يزال ساريا حتى اللحظة، ولم يكشف حسابات هؤلاء القَتَلة ويقوم بتجميدها.
مهما حكيت أو سردت لم أر بحياتي سوء سلوك بدءاً من قذارة اجسامهم ونتانة روائحهم التي تزكم الأنوف، أيام انقطاع المياه رأيتهم، وكانت الأمطار ملأت الشوارع، رأيتهم يغسلون وجوههم من برك الأمطار المتسخة -اي والله.
عانت مدني – بحكم وجودي بها ورصدي للأحداث – الأمرين وكذلك قرى الجزيرة، إلا أن ومدني افضل حالاً، لأن أهل القرى قتلوا بالمئات غيلةً وغدراً. من عمل لهؤلاء التتار الجدد غسيل مخ وجردهم من الإنسانية؟، ناهيك عن قيم الإسلام فلا وازع ديني لهم أصلاً، من غرس فيهم كراهية الآخر؟
شيئاً لا يمكن تصوره، منظر الجثث التي قتلوها بسبب مقاومة سرقة دفاع عن عرض؛ اصبحت منظراً عادياً بالساحات والملاعب، يرمون الجثث ليلاً.
قيضت لي الظروف – وبئسها من ظروف – ان أشهد واقعة قتل بدم بارد، فلقد خرج ثلاثة من المليشيا على ظهر دراجة نارية متجهين لسوق xxx ولم يحملوا سلاحهم معهم فتصدى لهم مجموعة، لاحظ انهم جنجويد مثلهم، وطلبوا منهم الدراجة وما بجيوبهم – سبحان الله انقلب السحر على الساحر – قاموا برفض ذلك فأطلقوا عليهم النار، قُتل واحد على الفور واثنان إصاباتهما خطيرة.
تمكن جماعة المجني عليهم من معرفة سكن الجناة، كنا نصلي صلاة المغرب، عندما احضروا اثنين موثوقي الأيدي والأرجل وسألوهما عمن قام بالقتل ومكانهما، فرفضا، قام هؤلاء على الفور بإطلاق النار عليهما، قفزت من مكاني فزعا وكان احدهم يشخر ويلفظ أنفاسه.. تقدم شقيق المجني عليه لم يتجاوز السابعة عشراَ وسط صياحهم المجنون للفتى (خُذ بثأر اخيك) واعطوه مسدسا، قام بإفراغه في جسد المحتضر والميت. وطلب القائد رمي جثثهم للكلاب، وحملوهم فعلاً ورموهم في مكب القمامة.. وبعد ذلك صلوا كان شيئاً لم يكن!!!
اعتذرت عن أداء صلاة العشاء، بعد الحادثة، فلقد تملكني صداع وحمى من هول المنظر.. اي صلاة تصلون واي مِلة تتبعون يا جنجويد؟.. حسبي الله ونعم الوكيل فيكم وعليكم.
إنّ ما تم فعله بالجزيرة، هؤلاء الأبالسة فعلوا مثله أيضاً بأهل بدارفور، ويتحمل وزرهم من أنشأهم ووظفهم وغض الطرف عن تمددهم، ولحكمة إلهية ارتد سهم الظلم إلى نحر من أنشأهم ومكن لهم، لكن دفع المواطن الثمن، وثمناً باهظاً جداً.
نقلا عن صحيفة السوداني