حكومة جديدة وأخرى موازية.. هل السودان على شفا التقسيم ؟
تقرير- هبة علي
بالتزامن مع انتهاء مباحثات سويسرا دون الوصول لاتفاق ينهي الحرب في السودان، بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، جدد رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان رغبته في تشكيل حكومة حرب تتولى شؤون البلاد خلال الفترة القادمة، رافضاً تبديل الخرطوم بالفاشر ، ومن جانبه المح الدعم السريع على لسان أحد مستشاريه لإعلان حكومة في الخرطوم ، واثارت هذه التصريحات بهذا التوقيت الجدل حول احتمالية تقسيم البلاد..
وكان رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، قد جدد أمس الأول في لقاء مع الصحفيين ببورتسودان ، جدد رغبته في إعلان حكومة حرب مدنية من مجموعة من التكنوقراط لتولي إدارة الشؤون التنفيذية، وتشكيل مجلس شورى يتكون من قادة القبائل وشيوخ الطرق الصوفية لأغراض تقديم المشورة والنصح لإدارة شؤون السودان.
وأكد البرهان التزام الحكومة بتقديم المساعدات الإنسانية لجميع المواطنين، حيث أشار إلى أنهم “مستعدون لتوفير الإغاثة حتى على أصغر التفاصيل”. كما أوضح أن الحكومة لا تتوانى عن فتح أي ممر يضمن وصول المساعدات إلى المستحقين من خلال آليات الأمم المتحدة، شريطة ألا تتعرض هذه المساعدات للاعتداء أو النهب أو تُدخل إلى الأسواق.
كما رفض ما سماه “التبادل” بين الخرطوم والفاشر، عاصمة إقليم دارفور، قاطعاً بأن الجيش لن يتخلى عن سلاحه حتى يتمكن من إنهاء “التمرد”، ومُشيرًا إلى أنهم سيستمرون في القتال لمدة 100 عام.
وفي تغريدة على منصة “X” ذكر مستشار قائد الدعم السريع، الباشا طبيق، إن “تعنت قادة الجيش ورفضهم للتفاوض واختيارهم التصعيد والحرب قد يؤدي إلى إعلان حكومة في الخرطوم تهدف إلى حماية المدنيين وسحب الشرعية من رئيس مجلس السيادة الانتقالي .
وأردف: “إن مهام الحكومة ستتضمن إقامة علاقات دبلوماسية مع الدول، وشراء طائرات حربية وأنظمة دفاع جوي متطورة، بالإضافة إلى تأسيس نظام مصرفي لحماية اقتصاد وأموال المواطنين في المناطق التي تسيطر عليها الدعم السريع”.
وانطلقت منتصف أغسطس الجاري محادثات جنيف بين الشركاء الإقليميين والدوليين بهدف تحقيق اتفاق لوقف العنف في السودان وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى كل المحتاجين، وخرجت المباحثات التي أصدرت بيانها الختامي قبل يومين، باتفاق الأطراف على فتح معبر ادري الحدودي وطريق الدبة لإيصال المساعدات.
وشاركت قوات الدعم السريع في المباحثات فيما تمسكت الحكومة السودانية برفض المشاركة حتى يتم تنفيذ “إعلان جدة” الذي وُقع بين الجيش وقوات الدعم السريع في مايو 2023، واكتفت باتصالات هاتفية مع الوساطة.
ويشهد السودان أسوأ كارثة إنسانية بسبب حرب التي تمضي نحو العام والنصف، حيث أودت بحياة حوالي 15 ألف شخص، وتسبب في تهجير أكثر من 10 ملايين نازح ولاجئ، حسبما أفادت الأمم المتحدة، فيما يهدد الجوع 26 مليون سوداني من بين 48 مليون نسمة إجمالي السكان، فضلاً عن تدمير البنى التحتية والمرافق الخدمية وانهيار شبه كامل لقطاع الصحة.
السيناريو الليبي في الأفق
ولأجل إعادة الإستقرار بإدارة شؤون البلاد عبر جهاز تنفيذي مدني سعي الجنرال البرهان عدة مرات لتشكيل حكومة بعد اندلاع الحرب، وفي هذا السياق يمضي المحلل السياسي طاهر المعتصم بالتأكيد على أن حديث الفريق أول البرهان بتشكيل حكومة مكرر وكان آخره في نهاية يونيو الماضي، مشيراً إلى عدن حدوث شيء على أرض الواقع.
ويرى المعتصم من خلال حديثه لـ”صدى السودان” أن تلويح أحد مستشاري الدعم السريع بإعلان حكومة هو بمثابة رد فعل لعدم نجاح مفاوضات جنيف، وفي الوقت ذاته لا يجب الاستهتار بمثل هذه التصريحات.
وأضاف: “هذا سيناريو يجب أن يؤخذ على محمل الجد من قبل متخذي القرار والمراقبين وحتى دول الجوار، إذ أن هذا السيناريو “تقسيم السودان” طُرح مبكراً قبل أكثر من عشرة أعوام”.
ولفت المعتصم إلى أن خسائر إستمرار الحرب ستكون أكبر من شبح المجاعة وانتشار الأمراض والاوبيئة، وسيكون هنالك سيناريو ليبي يقسم البلاد.
وتابع :” لن تهنأ البلاد بالأمن والأمان إذا حدث الانقسام بها باعتبار أن هذا الانقسام ليس طوعياً مثلما حدث مع جنوب السودان في عهد البشير عندنا قسم ثلث البلاد، هذا السيناريو غير وارد هنا لأن الصراع على أشده بالتالي لن يتوفر استقرار ليس فقط للمنقسمين بل لحتى دول الجوار والبحر الأحمر”.
مبادلة الخرطوم بالفاشر
أما المحلل السياسي د. الفاتح عثمان فيرى تلميح مستشار الدعم السريع بانهم قد يفكرون في تكوين حكومة في الخرطوم في حالة عدم التوصل الي اتفاق سلام يعتبر بمثابة حديث دعاية لا معنى له، لأن من شروط إتخاذ مكان عاصمة لدولة أن تكون الطرق إليه سالكة وأن تكون قادر على حمايته جوا وبرا وبحرا وبالطبع هذا لا ينطبق علي الخرطوم التي تقع في قلبها قوات المدرعات والقيادة العامة للجيش السوداني ولا يوجد فيها شبر لا يقع تحت مرمي مدفعية الجيش السوداني ناهيك عن الطيران الحربي.
وقطع عثمان من خلال حديثه لـ”صدى السودان” على أن سيناريو التقسيم المتوقع لا علاقة له قط بحديث مستشار الدعم السريع، بل له علاقة بما قاله البرهان عن رفضهم للعرض المقدم من الدعم السريع بمبادلة الخرطوم بالفاشر وهي اشارة واضحة لرغبة الدعم السريع في الخطة “ب”، أي الاكتفاء بدولة في اقليم دارفور. وأردف: “لطالما تعذرت محاولة حكم السودان كله، لكن حتى الخطة” ب” تحطمت علي يد الجيش والقوات المشتركة، حيث فشلت كل محاولات دخول الفاشر، وتم تكبيد الدعم السريع خسائر جسيمة من دون جدوى، ومن المعلوم أن ولاية شمال دارفور تمثل عاصمة اقليم دارفور وحوالي نصف مساحة دارفور.