همس الحروف … عظمة الصمود ، من رماد الحزن إلى إشراقة الأمل ، حكاية امرأة ملهمة (نهى عابدون) ✍️ د. الباقر عبد القيوم علي
همس الحروف
عظمة الصمود ، من رماد الحزن إلى إشراقة الأمل ، حكاية امرأة ملهمة (نهى عابدون)
✍️ د. الباقر عبد القيوم علي
في عالم مليء بالتحديات و الصعاب التي تعرقل أي تقدم و في ظل ظروف صعبة جداً ، و في مكان يعد هو الأكثر صعوبة في الخارطة المكانية و الزمانية تبرز إحدى النساء كرمز للتفرد والإلهام ، و القوة ، و الصمود فهي بلا شك إمرأة فريدة من نوعها ، إستطاعت قهر المستحيل ، و إستطاعت أن تثبت لمن حولها من الناس بأنها رمز من رموز العزة و الشجاعة و الشموخ في مواجهة أصعب الظروف و أحلكها ، بعد فقدان زوجها بسبب جائحة كورونا. لم تكن هذه المحنة سهلة على العالم أجمع ، إلا أن قدرتها على تحويل الألم إلى قوة وعزيمة جعلتها تستحق التقدير والإعجاب و التميز .
لقد فقدت هذه المرأة زوجها و بفقده فقد إفتقد السودان أجل علمائه في العلوم الحديثة ، فموت العالم يعد مصيبة لا تجبر ، وثلمة لا تسد ، و نجم طمس ، و كما قيل : أن موت قبيلة بأكملها أيسر من موت عالم واحد ، فكان الحدث صدمة عظيمة و لكن طريقة تعطيها مع الحزن كانت مصدر إلهام حقيقي ، لم تنكسر تحت وطأة الألم ، بل واجهت التحديات بشجاعة لا توصف ، و أستلمت دفة القيادة بإحترافية متناهية ، و إستمرت في تقديم الدعم اللازم لنفسها لأولادها لتخرج بهم من محنتهم ، و جلل مصابهم ، و عضال فقدهم إلي بر الأمان من الإستسلام للحزن ، و قد سعت مع ذلك في تقديم المساعدة للآخرين رغم عظم مصابها الشخصي و ضعف طاقتها الإحتمالية إىا أن قدرتها على تحويل الحزن إلى قوة إيجابية جعلها تنتصر ، و تفانت في الإستمرار في الحياة ، الشيء الذي أظهر جوانب عديدة من عظمتها ، و قوتها ، فحقاً كانت غير عادية ، و واجهت التحديات بصبر ، و إصرار ، و عزيمة . صمدت في تربية أبنائها ، مقدمةً لهم الحب والرعاية التي يحتاجونها في ظل هذه الظروف الصعبة ، فلم تكن مجرد أم ، بل كانت عموداً أساسياً في حياة أبنائها و سنداً حقيقياً لأسرة زوجها، تضحي بجهدها و وقتها لضمان سعادتهم واستقرار الجميع .
إنها السيدة نهى عابدون و لا فخر ، من فضليات نساء بلادي ، و التي تعد إنموذجاً نسوياً حياً يحتذى به ، و قد إستحقت عن جدارة لقب (المرأة الحديدية) ، فلم يتمكن الحزن العميق من السيطرة عليها و كما لم تكون أسيرة للظروف ، و لم تدخل في دوامة (خيبة الأمل) بعد غياب زوجها العالم من المشهد ، فقد إستطاعت إستخدام هذه المحنة كدافع لها لتصبح أكثر قوة وأشد عزيمة و منعة ،د ، فعززت هذه المعاني لدى أبنائها ، فلم تكن لهم مجرد أم ، بل كانت ركيزة أساسية في حياتهم، تقدم لهم الدعم النفسي و الحب الكافي والرعاية الكاملة والقدوة الحسنة، فجسدت لهم معنى القوة والإصرار في شخصها العظيم .
لقد رحل شهيداً عن هذه الفانية العالم الدكتور مهندس جمال الدين حسن سيد أحمد إسماعيل الولي ، زوج الأستاذة نهى عابدون ، و قد ترك بعد رحيله فراغاً ضخماً يصعب أن يسده أحد ، و كما ترك مسؤولية وطنية كبيرة بحجم الوطن لا يقدر عليها إلا متجرد ، إلا أن الأستاذة نهى عابدون كانت قدر هذه المسؤولية ، و سعت لحملها و تحويل كل التحديات إلى فرص لتنمية مشروع زوجها الذي تركه ، و الممثل في الأطلس الرقمي لكامل السودان ، و هذا الاطلس يحتوي بصورة مفصلة على أدق البيانات و الخرط الجغرافية الرقمية عبر الأقمار الصناعية و يقدم معلومات أساسية عن الإقتصاد ، و الزراعة ، و السكان و الثروة الحيوانية و المناخ ، و الابار الجوفية ، والجيلوجيا ، و توليد الكهرباء ، الإتصالات ، و الطرق و النقل ، و السياحة ، و الهجرات التاريخية ، والمواقع الأثرية ، و الوزارات و الجامعات و المدارس ، و كل المعلومات بصورة مفصلة ، و دقيقة جدا ، و مزودة بصور الأقمار الصناعية .
قبل وفاة الدكتور تم الإتفاق مع حكومة السودان بشأن بيع هذا المخزون المعلوماتي الضخم للحكومة ، و كان من المفترض أن تدفع الحكومة لأصحاب الأطلس مبلغ مليون دولار كشرط جدية ليكمل المبلغ فيما بعد إلى 20 مليون دولار ، إلا أن الحكومة كعادتها لم تلتزم ، و ملاك الاطلس عليهم إلتزامات تجاه الغير ، و في نفس الوقت تتعرض الأستاذة نهى عابدون بصورة شبه يومية لإغراءات وصلت الى 200 مليون دولار من قبل دول و شركات أجنبية و محلية لشراء هذا الأطلس ، إلا أن الأستاذة نهي قامت برفض كل الإغراءات و الطلبات التي قدمت لها من أجل بيع الأطلس لجهات خارجية ، و هذا إن دل أنما يدل على وطنيتها القحة وإخلاصها لقيم و مصالح الوطن العليا ، و رفضها للتأثيرات الخارجية يعكس التزامها بحماية موارد وثقافة البلاد ، فهل يا تري الدولة حريصة على نهى و أسرتها كما هي حريصة على مصالحها العليا و اسرارها ؟ .
و الله من وراء القصد