(النورس نيوز) تنقل تفاصيل مؤلمة من داخل أمدرمان
(النورس نيوز) تنقل تفاصيل مؤلمة من داخل أمدرمان
قذائف مليشيا الدعم السريع قضت علي العشرات بزقلونا الحارة ١٥
(عزالدين) انهت حياته قذيفة تاركا خمسة اطفال زغب الحواصل
تناثرت الرؤوس والاطراف المخضوبة بالحناء في قصف السوق
القصف العشوائي قتل (يوسف الجقر) وعشرات من رواد سوق زقلونا
اعتداء جنود المليشيا علي استاذ عابدين امبدة حتي الموت
تدمير تام للمنطقة الصناعية..وسرقة المصانع وتفكيك اسقف المدارس
الشرطة تحرس ماتبقي من المصانع ..ومقابر جماعية بسور مدرسة زقلونا
عودة اعداد كبيرة من سكان ام درمان..ويشكرون الجيش علي هذا الامر
ام درمان / احمد جبريل
الحرب سيئة في كافة تفاصيلها لاتورث الا الخراب والموت والاصابات والاعاقة وفقدان الممتلكات تلفا او سرقة،لايرحب بها الا تجارها او صاحب اجندة او من ليس لديه احد افراد اسرته عسكريا مرابطا في الجبهة حاملا روحه علي كفه.
صباح اليوم طوفت بام درمان من شمالها الي تخوم السوق وامبدة ال١٩، اديت واجب العزاء في بعض المعارف والاهل ممن افنتهم الحرب ، قصص وحكاوي لم نسمع بها في اسوأحروب الكون ، الجحيم الذي فتحت بواباته المليشيا علي المواطنين تقتيلا وتقطيعا،تهجيرا واذلالا،حكاوي تستحق ان تنتج افلاما ومسلسلات تحدث العالم عن مدي قسوة الانسان علي الانسان دون جريرة او ذنب جناه.
عزالدين (نسمة) زقلونا..دانة تنهي حياته وعناية الخالق انقذت طفلته
قبل شهور خلون قصفت مليشيا التمرد سوق الحارة ١٥ زقلونا،كان وقتها السوق مزدحما ، دمرته بعشرات القذائف المتتابعة دون ان يترك مطلقها الفرصة للاهالي للهرب والنجاة ،بشارع الشنقيطي الثورة التاسعة طرقت باب احد المنازل فتحته الاستاذة (احلام) ،لم اتعرف عليها، ملامحها تغيرت اذ يتبدي الحزن في عيونها ورسمت الحرب علي وجهها ملامحا جعلتها اكبر من سنها بعشرات السنين،مرافقي قال لي ان الحرب غيرت ملامح الناس فلو ذهبت نواحي الفتيحاب لوجدت الاشكال متغيرة تماما،لا اعلم هل هي الحرب والحزن والمشاعر السيئة التي يحيا الناس تفاصيلها في يومياتهم ام امر اخر لكنه قطعا مرتبط بالحرب،دلفنا الي داخل المنزل وادينا واجب العزاء في الشاب النبيل عز الدين الذي توفي في حادثة دانات مليشيا الدعم السريع الشهيرة التي اطلقتها علي سوق زقلونا،روت احلام ل ( النورس) قصة رحيله الفاجع ووجهها يتخطفه الالم الذي يري ويحس ويكاد ينطق.
قالت انها دعت شقيقها للانتقال من الحارة ١٥ زقلونا الي التاسعة خوفا عليه وعلي صغاره حيث رزق بخمس اطفال رحل وتركهم لعناية الله واهلهم،رفض الانتقال مفضلا البقاء بمنزله ،يعمل طوال النهار في بيع الخبز بسوق زقلونا حيث فقد عمله بفعل الحرب،قالت شقيقته يوم وفاته قال لي ان (جسمو مكسر) هذا اليوم ولن يذهب للعمل،خرج عند التاسعة رفقة طفلته الصغيرة لجلب الافطار من الدكان ،ما هي الالحظات حتي سمعت دوي انفجار مرعب بكلما تعني الكلمة من معان،اخذت الاطفال واحتمينا داخل غرفة وانا ادعو الله ان ينجينا،فجاءة لمحت طفلة شقيقي وملابسها قد تلخطت بالدماء هرعت نحوها دعوتها للدخول والاحتماء قالت لي (ابوي انضرب وواقع برة) مضت احلام بالقول اندفعت كالسهم الي الخارج وجدت شقيقي ملقي علي الارض ودمه ينزف،لقد اصابته القذيفة في مؤخر راسه من الخلف ويبدو انه لحظة سقوطه فارق الحياة،صرخت ، تجمع الجيران اخذناه الي مستشفي البلك وضعه الاطباء علي نقالة (جديدة) ربما هو اول من سجي جثمانه عليها وقال لي الاطباء البقاء لله،كانت لحظات سوداء امام ناظري لكنني استرجعت وتذكرت الله تعالي ومشيئته واقداره في خلقه،لقد كان يوما عصيبا فقد اطلق التمرد عدة قذائف علي السوق وعلي البيوت دمرت اجزاء من منزلنا وقتلت مايقارب المائة شخص،جميعهم كانوا يعملون بالسوق والبعض جاء متسوقا من الحارات البعيدة لانه كان السوق الوحيد المتاح للثورات.واضافت احلام في ذاك اليوم العصيب تناثرت الجثث والاشلاء علي قارعة الطريق كان الناس يحملون الرؤوس المقطوعة ويسالون هل تعرف هذا الشخص ؟ لقد كانت ماساة ومصيبة كبري،جمع الناس الاشلاء المتناثرة في اكياس،تجد راسا او يد من الكتف او قدم عليها حناء كان المشهد صعبا صعبا، لقد دفن عزالدين وكفنه لم يتلوث بنقطة دم واحدة رغم اصابته ونزيفه.
( الجقر)..لحقت به قذيفة المليشيا داخل دورة المياه
ذاك اليوم الذي وصفته احلام بالاسود كان قاسيا علي اهالي زقلونا الحارة التي قضيت اجزاء كبيرة من عمري فيها اذ تعد مركز ثقل اسرتي من ناحية الوالدة واعرف اهلها واسرها واحدا واحدا،يوسف شعيب الشهير بالجقر شاب علي اعتاب العقد الثاني من عمره،يافعا مقبل علي الحياة،بساما طلق الوجه خدوما ،يقع منزل جده الراحل ادم علي شرق المسجد والنادي وغرب منزل الراحل عزالدين،داهمته الدانة داخل دورة المياه دون ان تصيب خاله (علي) الذي كان داخل الحمام الملاصق ،اختارته القذيفة لتحيله الي اشلاء متناثرة ،فجعت اسرته الصغيرة واسرة زقلونا فيه فقد كان طيبا وهادئا مؤدبا ومحترما موقرا للكبار،عقب رحيله انتقلت اسرته من زقلونا الي الحارة ٣٩ ، قدمت واجب العزاء لخاله عبدالرحمن ادم علي الشهير ب (جبود) وجدته عائشة علي اذ توفيت والدته اميمة قبل سنوات،وجدت الحزن يرسم ملامحه الكريهة علي محيا جدته وخاله وخالته لكنهم سلموا امرهم للخالق فهذه مشيئته وارادته.
النجار جلال..اصطادته الدانة علي اعتاب مسجد الحارة ٢٥
في الحارة ٢٥ من لايعرف جلال النجار وشقيقه بدر الكنان ابناء حجر الطير، اتسم الرجل بالطيبة والبشاشة والقاء السلام بصوته الجهور علي كل من يلتقيه،جلال رفقة رهط من المصلين وهم علي اعتاب دخول مسجد الحي اصطادتهم قذيفة طائشة اطلقتها المليشيا قضت عليهم جميعا،كان يوما حزينا علي اهالي ال٢٥ لعلاقتهم الطيبة بالراحل ورفاقه الذين قضوا معه،توقفت امام البوابة الغربية للمسجد تاملت اثر القذيفة والرائش ثم ذهبت الي منزل المرحوم تاملته مليا لقد اظلم نهارا بفقد من كان يجمع الناس ويذهب الي جيرانه بطعامه في ابهي صور الكرم الذي اتسم به.
عشرات المقابر الجماعية قرب سور المدرسة
لم تترك مليشيا الدعم السريع الفرصة للمواطنين للذهاب بالجثامين لسترها بالمقابر القريبة،فاضطر الاهالي لسترها قرب سور مدرسة الحارة ١٥ الاساسية بنين كما يظهر في الصور،المدرسة من الداخل شهدت اكبر عملية نهب لسقوفات الفصول والكنب والمقاعد،هولاء لايعلمون اهمية التعليم لذلك حملوا ماخف وثقل في آن تاركين اغلب فصول المدرسة بلا سقف وابواب وشبابيك،بالخارج من الناحية الشرقية توجد سيارات تم (جزرها) وسرقة احشاءها ودواليبها وتركها بلا نفع لصاحبها او الحرامي الذي يعقبهم عليها.
المنطقة الصناعية ام درمان اثر بعد عين..والشرطة حاضرة لتامين ماتبقي
الماساةالكبري كانت داخل المنطقة الصناعية ام درمان ، قديما كنا نشقها ونحن في طريقنا الي السوق الشعبي نمر بمصنع كمبال الشهير نتكرف روائح البسكويت وهو داخل الافران،رائحته ذكية تجعل عصافير البطون (تصوصو)،المصانع دمرت بالكامل ،عندما التقيت وزيرة الصناعة الاستاذة محاسن علي يعقوب في مايو الماضي ببورتسودان حدثتني عن حجم الخراب والدمار الذي طال القطاع الصناعي لم اتوقع ان يكون الضرر الي هذه الدرجة،اعتقدتها سرقات للماكينات والاليات فقط،للاسف وجدتها سرقة ونهب وحرق ،اقتلعوا الزنك والماكينات من مواقعها،داخل احد مصانع الزيوت اقتلعوا زنك الجملون الضخم الذي يقع في مساحة عشرة الاف متر مربع ، ثقل عليهم حديد السقف فتركوه ( كما تشاهد في الصور ) ،حاولوا فك احد الدينموهات الخاصة بماكينة عصر الزيت فاسقطوها ارضا وتركوه،داخل اغلب المصانع توجد حراسات من الشرطة حيث يقفز بعضهم نهارا وليلا لسرقة ماتبقي فيقف لهم افراد الشرطة بالمرصاد والسلاح.
لقد دمرت دانات المليشيا منازلا لاسر فقيرة لاتستطيع تشييد (راكوبة) ،منازل شيدها الاباء بعرقهم وكدهم فقدها الابناء في ثواني بسبب قذائف التمرد العشوائية.
هدوء وامان تام بالثورات
عقب زيارة المنطقة الصناعية عدت الي حارات الثورة ١٢ و١٣ ودلفت غربا الي الحارة ٢٣ تفقدت بعض معارفي من جرحي الحرب ،بعض امبدة مازالت غير ماهولة بالسكان يجري الجيش جراحاته العميقة فيها ليطرد المليشيا ويعيد تنظيفها مثلها واحياء ام درمان القديمة ليعود بعد ذلك اهلها الي منازلهم،داخل الحارة ٢٥ الثورة هدوء تام وماكينات لاليات ثقيلة مصفوفة خارج احد المنازل مغطاءة بقماش وهو امر يؤكد مدي الامان الذي تعيشه مناطق سيطرةالجيش اذ لايجرؤ شخص علي السرقة او تفكيك تلك الماكينات رغم انها مبذولة في الطريق العام وبلاحراسة،من بعد ذلك اتخذت الطريق بين حارات الخمسينات متجها غربا الي الستينات مقتربا من الحارة ٨٠ ثم عدت شرقا الي الحارة ٧٩، لم اسمع صوت طلقة او قذيفة او يستوقفني متفلت او قاطع طريق، انتشار كثيف للقوات المسلحة مع حركة تجارية نشطة علي الشوارع العامة وعدد كبير من الناس يتجولون مايؤشر الي مدي الامان الذي يشعر به المواطن،بظلط الشنقيطي لفتت نظري (دفارات)
تحمل (عفشا منزليا ) يبدو ان اهله قد عادوا الي بيوتهم وقد وجدنا في الحارة ٣٤ اسرة تقوم بانزال اثاثاتها ومتعلقاتها توقفت سالتهم ما اسباب العودة ردوا بصوت واحد فترنا من استغلال الايجارات وحارتنا امان فلماذا نمكث بالخارج،لقد امن الجيش عودتنا الي بيوتنا وسهل لنا الوصول وهاهو يؤمننا ونحن فيها فالحمد لله رب العالمين.
حكاية استاذ عابدين الذي اصابه الدعامة بعاهة في الراس حتي قتلته
الاستاذ عابدين احمد امبدة مدرس قديم معتق رجل صادح بالحق والنصح لاي شخص لايخشي في ذلك لؤمة لائم،قابلته مجموعة من جنود المليشيا في ام درمان قبل سبع اشهر تحدث اليهم بطريقته تلك فانهالوا عليه ضربا خاصة منطقة الراس حتي تسببوا له بعاهة مستديمة ، وجده بعض المارة ملقي علي الارض ادخل احدهم يده في جيبه فعثر علي هاتفه اجري منه اتصالا بابناءه الذين سارعوا بنقله الي المستشفي ليخرج منها بتلك العاهة بعد ان كان بصحته التامة فتم نقله الي مدينة الجبلين اقصي جنوب النيل الابيض ليقضي بها عدة شهور ثم يرحل الي دار البقاء له الرحمة والمغفرة.
الاسواق ..عودة الحياة والضجيج
عندما تشق سوق ١٧ خليفة او صابرين او سوق الجملة بظلط الوادي او الاسواق الصغيرة بغرب الحارات لاتشعر بانك في منطقة حرب وموت ودمار،لقد صنع الجيش حياة جديدة لاهالي كرري وشمال ام درمان،حياة طبيعية تعاش قاسمناهم فيها خلال مكثنا بام درمان ، القهاوي مشرعة الابواب ورواد الشيشة يسحبون الدخان المبرد بالمياه الي صدورهم تبدو علي ملامحهم وتقاطيع وجوههم الراحة والثقة وهم يثرثرون بيوميات الحرب وقصصها المؤلمة ورحلة تضحيات الجيش وفدائيته في دحر المليشيا واعادة صنع الابتسامة علي الوجوه بعودة الحياة العادية لهم،ممتنون للقوات المسلحة ويقدرون كل الامور بعبارة(الجيش شغال كويس) دون عبارات تخوين او تثبيط الهمم،هولاء الناس الذين يجوبون الاسواق للعمل او التسوق يدعمون اقتصاد ولاية الخرطوم الذي تاثر بالحرب لكن الاهم منه دعمهم المعنوي لجيشهم اذ يمازحون الجنود ويحملونهم في سياراتهم الخاصة حتي اذا لم يؤشروا لهم،هذه الروح الوطنية الوثابة هي وقود متبقي معركة تحرير الخرطوم.