كتب- احمدجبريل التجاني
طوال الطريق الي أم درمان مرورا بهيا وعطبرة وشندي والمتمة وقري نهر النيل البائسة الفقيرة المتربة الي تخوم شمال ام درمان و(الشيخ الطيب) قرية صديقنا الباشمهندس الطيب محمد الحسن وزير البني التحتية في بحر ابيض ، بعضها احدث مافيه طلمبة وقود تطل علي اسفلت ام درمان في تغييب قصدي للتنمية والخدمات زادت طينه بلة الطبيعة القاسية اذ تتلوي امواج الغبار راسمة علي الاسفلت لوحات سريالية ، كنت افكر وانا امر باعالي ولاية كسلا حيث رواكيب الهدندوة المتناثرة و (ظهر الثور) واجساد نحيلة تطوف حول الاسفلت الاسود كانه كعبة بحثا عن رزق حلال فالرزق هناك ارتبط بالمدنية ومظاهرها والاسفلت ياتي بالرزق فثمة حفر ونتواءت يقوم بردمها بعض الشباب والكهول نظير جرعة ما او مبلغ مالي من اصحاب السيارات،ثم مررت بالطبيعة القاسية علي تخوم درديب وهيا في ولاية البحر الاحمر والمواطن الفقير المعدم الغني بوطنيته المعبا بالصبر العامل بكد لكسب قوته دون ان يسترزق من فوهة بندقيته، ثم ادرت الاحداثيات الي دارفور وبعض كردفان والنيل الازرق بؤر التمرد الحديث وجدت ماتتفوق به تلك الولايات علي الشرق والشمال في الخدمات والتنمية والموارد الطبيعية غير المطوعة لخدمة انسان تلك المناطق ،فلو كان حمل السلاح ينطلق من فقر خدمي لكان اهل الشمال والشرق اولي من غيرهم بالتمرد هذا بشكل عام للتمرد المتناسل في السودان ولا اعني به تمرد الدعم السريع الذي له اجندة لاعلاقة لها بتنمية مواطن او وطن ،خلاصة ما اريد قوله ان كل من ينطلق متذرعا بنقص في الاموال والثمرات عليه قبل الشروع في ذلك ان يمتطي دابة تعبر به الشرق والشمال.
البلدان تبني بالوحدة والروح الوطني الصلب والالتفاف حول ممسكات الامة ومنها الدين دين الاغلبية وروابطهم الاجتماعية بالاضافة للقوات المسلحة ضمير الامة وفرس الرهان علي مر التاريخ لكل الدول والسودان ليس استثناء،عابث من يريد طمس الحقيقة والدوران عكس عقارب الساعة ومواقيت التاريخ،ماشاهدته في ام درمان خلال سويعات من وصولي يبسط التفاؤل في داخلك مهما كنت متازما،فثمة حياة موارة بالحركة والابتسامات تحت ظلال بنادق جنود القوات المسلحة،الجميع في سوق صابرين آمنا مطمئنا يعرض بضاعته دون خوف ، عمارة ضخمة تضم عشرات متاجر الموبايلات ومستلزماتها،النساء يفترشن بضائعهن في هدوء وسكينة ،هذا يفاصل وهذا يشتري وجندي يحتقب سلاحه يحادث عبر جواله امه البعيدة يطمئنها وابتسامة علي محياه حملت كل حنين واشتياق الارض للام وقد سالته فقال ان امه في الدمازين.
المشاهد كلها تضج بالتفاؤل وبان الحياة طبيعية رغم استمرار القتال في جنوب ام درمان وتقدم القوات المسلحة وتحريرها الدوحة واقتحامها لامبدة،المواصلات تفرغ مافي جوفها ثم تعبئ من جديد من يريدون العودة الي بيوتهم بعد رهق يوم عمل طويل في السوق.
في الاسكان الكهرباء شبه منتظمة،الاطفال يملاؤن الطرقات،الافران والمتاجر تعمل بانتظام،دلفت الي صيدلية بسوق صابرين تطل علي الاسفلت الرئيس سالته عن علاج لارتفاع ضغط الدم استخدمه وقد انعدم بكسلا ، وجدته متاحا وبعدة انواع منها المستورد والسوداني ، ايضا ادوية السكر وقد ابتلاني الخالق عز وجل بهما معا ولله الحمد والمنة والفضل، الجزارات اكثر الاماكن ازدحاما ، كيما يبتاع ابن خالتي الجندي بالسلاح الطبي لحم (عافرنا) فالمعروض كثير واللحوم متاحة بانواعها كيلو الضان ب١٤ الف جنيه والبقري ب ١٠ الاف،الخضروات متاحة وطازجة وللمفارقة وجدت (الموليتا) معروضة بكثافة ولمن لايعرفها هي نبتة مرة المذاق تؤكل كالسلطة بعد فرمها وخلطها بالفول المسحون والبهارات تنبت (نواحي) بحر ابيض وولاية الجزيرة.
دخلت ام درمان مشفقا علي اهلها من الحرب وتبعاتها وعنت الظروف فاذ بي امتلئ بطاقة ايجابية غير عادية ،الذي شاهدته يشرح القلب فثمة جنود يملاؤن الارض بلا تعدي او (قلع) اموال الناس او خطف جوالاتهم من ( تسعة طويلة) ، امان مبذول في طرقات ام درمان لاتخطئه العين وطمانينة تغمر القلب كانما هذه القطعة من السودان بعيدة عن الحرب، اكتب هذا المقال وانا اتابع اعادة لمباراة في بطولة امم اوروبا كانني في مدينة غير ام درمان التي نتسقط اخبارها ودوران عجلة الحرب والموت فيها من علي البعد ،تضخم الميديا ماتضخم لكن ارض الواقع تكذب كل ذلك ومن راي ليس كمن سمع او من قرأ.
ام درمان صمدت بصمود رجالها في القوات المسلحة فعادت اجزاء كبيرة منها لحضن الوطن بفضل مجاهدات وصبر ابناءكم الجنود وقادتهم واولهم الفريق ياسر عبدالرحمن العطا الذي قبض ومايزال قابضا علي لهب القضية ماكثا قرب فوهات المدافع ودوي الدانات قائدا وقدوة من خلفه رجال سنكتب عنهم تباعا مقبل الايام ان كان في العنر بقية ولنا عودات الي ام درمان وثمة حكايات نسردها عليكم لاحقا عن انتهاكات الدعم السريع مؤلمة ومبكية وبها من الفظاعة مايملأ قراب الارض .