رشان أوشي … تكتب … حرب السودان تفضح الكثيرين!
رشان أوشي
حرب السودان تفضح الكثيرين!
مع فظائع القتل والإبادة الجماعية التي تمارسها مليشيا الدعم السريع بحق السودانيين، ومشروع التهجير الممنهج لإخراجهم من أراضيهم التاريخية، يعود الاهتمام الكبير لبعض القوى السياسية السودانية وقيادتها التي تجوب العالم الآن بحثاً عن المزيد من الدعم والتمكين لقوات التمرد، بتفاصيل وتاريخ وجود الدعم السريع كظاهرة سياسية وعسكرية وتمحيص أصل السردية التي تم اعتمادها كرواية للتاريخ، ويظهر فيها أن القوات المسلحة هي من سمحت بتمكين قوات التمرد، بينما الحقيقة أنها نمت وكبرت ونهب موارد البلاد تحت غطاء سياسي وفرته لها قوى الحرية والتغيير وليس غيرها مطلقاً، السودانيون كانوا على وعي بما يدبر.
الناظر إلى سير العمليات العسكرية لمليشيا الدعم السريع في الخرطوم ودارفور، يجد أن الحقيقة الماثلة هي حرب استيطان وليست من أجل قضية سياسية عادلة كالتحول الديمقراطي.
المتابع لأسلوب التمرد في القتال، يجد عنف مطلق بلا كوابح أخلاقية أو إنسانية، انتهاج البطش الشديد والتنكيل بالسكان المحليين في دارفور، وتجلى ذلك في إبادة الآلاف من قبيلة “المساليت” في الجنينة، والتمثيل بالجثث، وتصوير مقاطع فيديو لتلك الجرائم، وتعمد بثها في تجاوز واضح لكل القوانين والأعراف الدولية والإنسانية، حتى دون خوف من العقوبات الدولية، كل ذلك يؤكد فرضية أن الغرب أطلق يد هذه المجموعات (عرب الشتات الأفريقي) في بلادنا بقصد تدميرها واحتلالها وطرد وإبادة السكان المحليين.
T
كل هذه الجرائم البائنة، والنوايا الواضحة والتي تسعى لتغيير ديمغرافيا السودان، لاستيعاب شتات عرب الساحل الأفريقي كسكان جدد في بلادنا، تخيل معي عزيزي القارئ أن هناك سياسيين سودانيين وقادة، يعتبرون أن مليشيا التمرد هي طريقهم إلى الحكم والسلطة، وأنها حليف خلف الكواليس لا بد من دعمها ومساندتها، حتى وإن كان الثمن هو إبادة السودانيين وتهجيرهم واحتلال بلادهم.
سياسي مثل الدكتور “الهادي إدريس”، صعد إلى قمة هرم الدولة عبر رافعة سياسية وهي قضية دارفور، وحصل على مقعده بمجلس السيادة نيابة عن أهل دارفور، اليوم هو الداعم الأكثر وفاء لآل دقلو، ويعمل باجتهاد كبير في أن تحصل المليشيا على المزيد من الدعم والإمداد لارتكاب المزيد من الجرائم ضد أهله بدارفور.
كل تلك المعطيات تدفعني للتساؤل، هل ما زالت السياسة في السودان جزء من المنظومة الأخلاقية؟ أم غادرتها واتخذت النقيض حيزاً لها، لا يمكن أن نتصور سياسياً ملتزماً بالمثل الأخلاقية، وفي الوقت عينه جائراً في سلوكه السياسي، ولا يمكن أن نتصور سياسياً متمرداً على القيم الأخلاقية، ويسلك سلوكاً سياسياً مستقيماً.
ومن منطلق التجربة والعمل بمهنة الصحافة والإعلام، وفي بيئة معقدة كالبيئة السودانية ومتغيراتها، تيقنت أن السياسي ليس بالرجل الحكيم الذي يطبق قيمه الأخلاقية الفاضلة في الحكم، بل كل ما يحدث الآن ينفي وجود الأخلاق في مساحة العمل السياسي.
وهذا بالطبع لا ينطبق على الجميع، بجانب وجود هؤلاء الخونة هناك ساسة وطنيون عظماء كالدكتور “تجاني سيسي” الذي قاوم وما زال يقاوم كل مساعي العملاء في رفد المليشيا بالدعم السياسي والعسكري، ويعمل بجد من أجل أهله في دارفور وكل السودان.
ما أحاول التأكيد عليه، أن السياسة والعمل السياسي هما جزء من الأخلاق والمنظومة القيمية للفرد والمجتمع؛ فالسياسي الذي يؤمن ويعمل لأجل بناء دولته وتطويرها هو المتمسك الفعلي بقيمه الأخلاقية، وهو جاهز لترك كرسي الحكم إذا ما أجبر على التخلي عن متبنياته الأخلاقية، ولن يلجأ إلى خيار تدمير بلاده وتهجير أهله، والاستمتاع بمعاناتهم من أجل الانتصار للذات أو الوصول إلى السلطة بأي وسيلة متاحة.
إن مشكلة السودان الأساسية هي مشكلة أخلاقية وقيمية وليست سياسية فقط، فجزء كبير من الطبقة السياسية غادر القيم الأخلاقية في تعامله السياسي إلى حد كبير، وذهب بعيدا في ذلك، رغم تبنيه العلني لها.
وهذه هي معضلتنا الأكبر في بلاد النيل والبحر والصحراء والسهل، هذا التشخيص يوجب البحث عن أفق يشكل منطلقاً لحل مشكلات البلاد؛ من دون معالجة هذا الخلل الفادح، فإن الشرخ يزداد على اختلاف الأصعدة، لن يكون الخلل محصورا بالعمل السياسي وسلوكيات بعض الممارسين له، بل سيتوسع ليكون جزءاً من سلوكيات المجتمع وأفراده، ويتحول- لاحقا- إلى سلوك طبيعي.
ولا بد من الإشارة إلى أن مشكلتنا ليست في طبيعة النظام السياسي وآلياته أو دستوره، كما يرى كثيراً من المثقفين السودانيين ، فالمقدرات والإمكانات والموارد والكفاءات قادرة على النهوض بالدولة ومؤسساتها وتثبيت استقرارها، لو أتيح الحكم لشخصية أو لطبقة سياسية ملتزمة بقيمها الأخلاقية من دون مساومة أو مقايضة.
محبتي واحترامي