محمد عبدالقادر يكتب:
بلغت الفجيعة مداها يا اسامة ابوشنب
التقيته فى شارع الصحافة العريض ونحن فى بدايات مشوارنا المحفوف بالطموح والامانى، نرنو الى المستقبل الوريف رغم الارق وسهر الليالي ومشاوير النهارات المتعبة
والسير على اشواك مهنة المتاعب .
لم تخطئ عيني فقيدنا الحبيب الصديق اسامة ابوشنب الذى فجعنا ورحل خلسة بالامس لانه سبقنا الى نفس الكار (مطبخ الاخبار) ..
ولانه من مدرسة الاخلاق الحميدة والسجايا السمحة والاداء المهني الرفيع فقد كان الاسم كافيا لابحث عن انامله فى كتابة الاخبار خاصة وانه من قلة انذاك تخصصت فى الترجمة المميزة وتغطية الفعاليات الخاصة بالدوائر الاجنبية فى الخرطوم.
كنا نهرع الى تغطية الراحل اسامة ابوشنب صاحب المهارة النزيهة فى نقل الاخبار وسيد الترجمة وملك الانجليزية الرصينة فى بلاط صاحبة الجلالة.
كان تواصلنا يتجاوز جغرافيا المكان ، ويجمعنا (فى المانشيتات) والتغطيات، ووصل ملاحقة الاحداث اناء الليل واطراف النهار، على الرغم من عدم عملنا تحت ظل مؤسسة صحفية واحدة حتى ذلكم الوقت..
مرت السنوات والتقيته قبل سبعة عشر عاما وقد كنت حينها مديرا للتحرير فى جريدة الصحافة فيما يراس (ابوشنب) قسم الاخبار، كنا اخر من يغادر الصحيفة سويا بعد ونزف العدد الى المطبعة بعد وضع ( المانشيت) الذى يختاره رئيس التحرير الاستاذ الحبيب عادل الباز.
عرفته عاشقا متبتلا فى محراب المهنة يكتب الخبر مقدسا من الاهواء والاجندة، سمحا اذا رصد واذا كتب وترجم ونبيلا فى اخلاصه وانحيازه للمصداقية والموضوعية، عاش مهنيا من الطراز الاول، ونابها اعانته دربة الخبرة الطويلة على معرفة (من اين يؤكل الخبر) ، تميزه عراقة ومهارة فى كتابة واضحة ورفيعة و (ابنة اصول مهنية) لا تخطئها عين القارئ رغم انه (حلفاوي قح) لكن لغته العربية ( ماكانت شوية)..
عملنا سويا بعد ذلك فى محطة ثانية وانا رئيس تحرير ل(صحيفة الراي العام) الحبيبة، فكان من اسباب نجاح تجربتي فى بيت السودان الكبير، كان اخر من يحادثني قبل ان اغادر الصحيفة مع الاخ سنهوري عيسى، ويوافقني على اختيار العناوين قبل ان نستغل سيارتبنا ونكمل بقية الونسة ( فى الشارع) لان طريقنا واحد هو الى العزوزاب وانا الي يثرب وفى الساعات الاولى من الصباح مثلما يكتب استاذنا العزيز احمد البلال الطيب..
تالفنا فى عشرة نبيلة اظلتنا بغيم من المودة والتقدير عمقتها الجيرة وطول العشرة فى ملاحقة الاخبار و(حب الجرايد) وطعم السهر ورائحة الاحبار والمطابع ، كنا اصدقاء يحتدم بيننا الحوار صعودا وهبوطا لكنا نلتقي بعد كل فاصل نقاش ( ساخن اوبارد) عند ابتسامته البيضاء التى يرسلها لاشاعة روحه السمحة فى الوجدان والمكان، كان وطنيا من طراز نبيل، لايعرف خلط الاجندة والاوراق، خلوقا تتزاحم فى ملامحه صورة السوداني ،( الطيب ود البلد).
برحيل اسامة ابوشنب بلغت الفجيعة مداها، ونفد رصيدنا المدخر لاحتمال وجع فراق الاعزاء، وانطوت صفحة ناصعة وجميلة فى ( كتاب الصحافة المهنية)، ورث من السودانيين الطيبة والمكارم الحميدة، ومن الحلفاويين الوضوح فى المواقف، والشجاعة فى التعبير عن ما يرى دون ان يجرح احد، حتى فى تعصبه للهلال كان صاحب قاموس معقم فى ولهه بالازرق فى مواجهة (المريخاب)، لا اتذكر ان (اسامة ابو شنب) قد اغضب احدا فى يوم ما ، ولعل الاشارة الى انه ( الاخ الكبير) كان القاسم المشترك فى كتابات من نعوه من الزملاء والزميلات المحزونين والمكلومات..
رحم الله صديقي وحبيبي اسامة ابوشنب، وجعل الجنة مستقره، واثابه على احسانه لاخائنا والصدق والنبل والاستقامة التى قضى بها حياته..
غفلتنا ورحلت يا ابوشنب…
ربنا يصبرنا على فراقك ( اخونا الحبيب)..
العزاء لاسرته ولكل الزملاء والزميلات ولصاحبة الجلالة التى حق لها ان تتشح بالسواد، فقد مات احد ابنائها المخلصين،وترجل فارسها الجميل…