ليندا زين … تكتب … الطوفان
الطوفان
ها هو أكتوبر المجيد يطل علينا من جديد، ها هو ذا صادق الوعد تتقدمه نسمات باردة تصافح الوجوه، ها هو يرتب التاريخ من جديد ويمسح الغبار الذي نثرته السنين عن نقوش الذهب التي خطتها دماء شهداء حرب اكتوبر/ رمضان ١٩٧٣.
خمسون عاما مضت منذ أن لونت الدماء السماء بطعم النصر، خمسون عاماً مرت حتى نسي المغتصب الهزيمة وغرته البالونات الفارغة التي تغطيه طوال هذه السنين، كم خط بارليف صُنع وكم قصر من الرمال شيدها وكم دولة زُرع فيها ازرع الموت.
خمسون عاما مرت وفي كل عام تتفتح ازهار الصبار التي ارتوت بدماء الشهداء في سيناء، في كل عام تتراقص الأنغام على وقع خُطى ستة أكتوبر اليوم الذي اجتمعت فيه الدول لترد المغتصب وتقهره.
وهل كان أكتوبر إلا شهر الوعود، ألم يكن أكتوبر هو الشهر الذي أشهد العالم على ملحمة العبور التي نسفت غطرسة الطغاة بخراطيم المياه التي اخترقت حوائط الرمال من قبل خمسين عاماً.
لكأن الأرض تردد أنغام النصر فرحاً، وكما هو الحال في كل عام شهدنا جميعاً الاحتفالات بتاريخ النصر المجيد، لم نكن نعلم اننا في هذا العام على موعد للاحتفال بشكل خاص، خمسون عاماً والرمال تتراكم في صدورنا حتى اصابتنا بوعكة اليأس، خمسون عاماً وأبصارنا يغطيها الضباب الذي صنعناه من الوهم مارداً وشبحاً أقض مضاجعنا، كيف نمنا وغفلنا عن هويتنا حتى صار الدم الذي يسري فينا ماء يرسل باقات الورود، خمسون عاماً ونحن في كل عام نحتفل ونعود نغرق في السبات من جديد، أو هكذا كانوا يحسبوننا.
وها هو أكتوبر يعود من جديد، دقت طبول النصر، وامطرت السماء جنوداً يدكون الحصون، لكانما الأرض الحبلى بالشرفاء أنجبت مكان كل حجر رجل، لكأنها كانت خمسون ثانية وصحونا، أو هي غمامة انقشعت وافقنا، ولكأننا صحونا على شمس جديدة وسرت فينا أنفاس مختلفة.
وهل كان أكتوبر إلا شهر الوعود، ألم يكن أكتوبر هو الشهر الذي أشهد العالم على ملحمة العبور التي نسفت غطرسة الطغاة بخراطيم المياه التي اخترقت حوائط الرمال من قبل خمسين عاماً، ها نحن ذا نرى ذات الغطرسة يُكسر انفها بمظلات وصواريخ من دولة محتلة مكسورة تعاني القهر منذ أكثر من مائة عام.
هل عاد أكتوبر ام عدنا نحن، هل هؤلاء جنود الأقصى أم انها أرواح الشهداء ولدت في أجسادهم.
لا يهم ماذا سيحدث غدا أو بعد غدٍ، ليس جديداً أن تقوم الدنيا وتوجه الاتهامات، ليس جديداً، لكن المهم ان البالونة التي خدعت العالم تحت اسم الدولة الأولى قد وخذت بإبرةٍ من الشعب الذي نُفخت في وجهه، وأن سور الرمال الذي خطف الرمال قد انهار حين لامسته هتافات الجنود، صفعة تلقوها فانهارت اقنعتهم وسقط الزيف الذي غلفوا به الأشياء، انهارت الأكاذيب وخرجت الحقيقة عارية.
المهم ان الوهم الذي بيع للعالم قد انكشف، تساقط الضحايا ودفع العديد ثمن الخداع والاغتصاب.
كانوا يحسبون انهم قتلوا كل صوت وأخمدوا كل الثورة وأبادوا كل المقاومة، إنهم لا يعلمون أن هنالك أشياء لا تموت، وأن الأقصى يسكن في الافئدة، لا يعلمون أن الشعوب لا تموت أنفاسها باغتصاب أراضيهم، لا يعلمون أن القدس تسري في كل مسلم مسرى الدم وخمسون عاماً قد شكلت فينا قنابل موقوتة ضد الطغيان واستباحة الأقصى، وها هي تنفجر في وجوههم وتمزق كيانهم شر تمزيق.
سيبكون كثيرا وسيتوعدون ويصنفون الجميع، ستترك الدولة الأم كل مشاغلها لتمسح دموع ابنها المدلل، سيقتلون الكثيرين ويعتقلون العديد، لكنها صحوة اصابت من اصابت ونور سطع غطى العالم من الأقصى ينادي أن لبو النداء.
أي جمال في جمالك يا أقصى وحولك المصلين بالآلاف، الآلاف خرجت تنشد نسيم الحرية، الآلاف خرجت تتبع الضوء الذي خرج من ثنايا الارض الفرحة.
هكذا فعلت بنا اهازيج النصر التي انطلقت تعزفها أقدام الجنود الأحرار، يقولون هجوم ويقولون إرهاب ويقولون استهداف، ونقول نصر من الله وفتح قريب، إنه طريق النور.
قد نغفل لحظة وقد ننام حينا وقد نضل الطريق احياناً، لكن يبقى فينا من يحمل روحه على كفه ليصحو الجميع، تنجب الأرض كل حين من يشعلون أجسادهم ليضيئوا الطريق لمن ضلوا ومن غفلوا.
هنيئًا لمن قتل في سبيل الله وهنيئاً لمن ضغط الزناد فكسر حاجز الخوف واسُقط الغشاء فتهاوى المارد وترنح الشبح، هنيئاً لمن تذوق طعم النصر وشارك في الملحمة التي زلزلت كيان المغتصب.
لكنهم آتون
من درب رام الله
أو من جبل الزيتون
مهما هم تأخروا فإنهم يأتون
طوفان الاقصى قد تدفق وسيطوي معه اكذوبة الزمان إسرائيل، وسنبقى ما بقي الزمان، أمة لا تُقهر في دينها ومهما تمزقت فهي لا تحمل صكوكاً للغفران
سنبقى شعوباً مهما تفرقت فهي تاريخ قادر على أن يخرج من الاضابير إلى ساحة المعركة، سنبقى ويخرج المغتصب لا محالة.
لأنه وعد الله…
وإن وعد الله حق..
إن وعد الله حق وآت لا محالة…
ليندا زين