همس الحروف
بلاغ إلى الرأي العام .. خطاب إلى الشعب السوداني المكلوم أدركوا مؤسساتكم
✍️ الباقر عبد القيوم علي
في البدء يجب علينا تحديد معيار ثابت للنجاح و الفشل في إدارة مؤسسات الدولة .. (المؤسسات العامة الحكومية ، و شبه الحكومية و كذلك مؤسسات القطاع الخاص ذات النفع العام قبل أن ندلف إلى موضوعنا هذا ؟!.
هنالك تعريف واحد يمكن إن نطلقه علي الفشل و يتمثل في عدم الوصول للاهداف المنشودة لأي مشروع نتيجة القصور الإداري ، و يشكل المدير الناجح العنصر الأساسي في العبور بالمشايع. و تعتبر الإدارة الرشيدة ذروة سنام النجاح في جميع المؤسسات ، و أما بخصوص تعريف النجاح الذي يعتبر نقيضاً للفشل هو بلوغ الأهداف المنشودة للمؤسسات المعنية ، و هذه المقارنات تظهر من واقع النتائج الإيجابية أو السلبية التي يستطيع المراقب العادي الوصول إليها من واقع إستقرائه لسياسة المدراء في مؤسساتهم من خلال المظهر العام الذي يرشدنا بوضوح لمعرفة نسب النجاح أو الفشل لتلك المؤسسات المعنية ، و من المؤكد تقودنا هذه النتائج إلى معرفة إمكانيات المدير الذي يجلس على كرسي إدارتها .
النجاح يقوم في المقام الأول على شخصية المدير ، و التي تعتبر العنصر الأساسي في الإدارة ، و يأتي ذلك قبل المهارات المكتسبة من الخبرات ، و تكتمل دائرة الإدارة مع ما ذكر بالتأهيل العلمي المتخصص ، و مقدرة المدير على إفراغ إمكانياته العلمية و العملية و مهاراته في إدارة مشروعه الموكل إليه و مشاركتة الفاعلة مع زملائه في العمل ، و يتحقق ذلك بإتباع كل الوسائل التنظميه و متابعة المشروع بصورة لصيقة مع تذليل كل العوائق التي تقود إلى الفشل و الإبتعاد عن إحتكار السلطة المخولة له بإشراك جميع أفراد إدارته من أجل صناعة النجاح .
في مدينة دنقلا حاضرة الولاية الشمالية(تحديداً) صادفتنا بعض هذه الحالات التي تشكل مهدداً خطيراً أدى أو حتماً سيؤدي إلى فشل المؤسسات في القريب العاجل ، و سنتناولها مؤسسة مؤسسة ، و يأتي هذا الفشل كنتاج طبيعي لحزمة من المظاهر الإدارية السالبة التي يتبعها تلمدراء في بعض المؤسسات و سنتعرض لكل مؤسسة بصورة مفصلة ، و ذلك من باب النصح العام لتقويم المعوج ، و إعادة النظر في طرق إدارتها الفاشلة و خصوصاً التي يجلس على سدتها الذين تلبسهم شيطان السلطة الذي جعل منهم وحوش كاسرة و يظنون أن هذه المؤسسات العامة تمثل حكوراً خاصةً بهم .
في هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها بلادنا نزح ما يفوق عن ال 4 مليون شخص من الخرطوم بسبب الحرب و تشتتوا داخل و خارج السودان ، و كان نصيب الولاية الشمالية ما يزيد عن 2 مليون شخص وفق تقارير دقيقة لمفوضية العون الإنساني بالولاية ، فنجد أن وزارة التربية و التعليم و الإتحاد المهني لقبيلة المعلمين هم الذان تحملا العبء الأكبر في الإيواء ، و يأتي ذلك من واقع مهنة العطاء التي إحترفتها هذه القبيلة العظيمة ، فهم بلا شك عبارة عن شموع متقدة تحترق لأجل إنارة الدروب للآخرين بكل تجرد و بكل إنسانية لا تعرف الحدود المقيدة للعطاء و لا تعترف بالأعراق ، ففتحوا مدارسهم و فنادقهم و كل إستراحاتهم لخدمة الذين سًدت في طريقهم السبل و لم يتمكنوا من إيجاد السكن و المأوى الآمن لهم ، و لهذا وجب على الجميع أن يرفعوا لهم القبعات إجلالاً و إحتراماً لكونهم يمثلون دائماً أعلى قيم العطاء الذي يأتي بدون مقابل ، و هذا الأمر ليس غريباً عليهم فهم أهل لذلك بدون منازع .
فندق المعلم هو أحد أهم معالم مدينة دنقلا ، و يعتبر أول فندق حديث فيها و من أميز فنادق هذه المدينة ، فلم تأبى أنفس هذه القبيلة (المعلمين) بالولاية بأن يكون عطائهم محصور في شيء ضعيف لا يليق بمقامهم ، و لهذا كانوا هم الأظهر و الأجمل و الأكبر عطاءً فجزاكم الله عنا ألف خير ، فهم صانعي الأجيال ، فمنحوا الضيوف قلوبهم قبل أن يفتحوا بيوتهم لإستقبالهم و تبع ذلك تقديم كل ما يمتلكون إكراماً للذين وفدوا إلى ولايتهم ، و هذا ليس بغريب عنهم ، و يأتي ذلك في اطار الخدمات الجليلة التي قاموا بتقديمها لتخفيف العبء عن الذين تشردوا من منازلهم و إلتجأوا إليهم في الولاية ، و لكن قطعاً أن بعض الذين إستفادوا من هذه الخدمات الإيوائية لم يحسنوا إستخدامها و هذا أمر شائع الحدوث في المجمعات السكانية التي تتعدد فيها السلوكيات البشرية و الثقافات الإنسانية ، مما أدى ذلك إلى سوء إستخدام البعض لهذه الخدمات الشيء الذي ساق إلى حدوث بعض الأعطاب و قصور في الخدمة ، و هذا الأمر يتطلب تدخل سريع لعمل صيانة فورية و بصورة دورية حتي تتدفق الخدمات بصورة سلسة لهؤلاء المستفيدين ، فقد قامت إدارة هذا الفندق بمخاطبة مفوضية العون الإنساني و هي الجهة التي تتحمل الإشراف المباشر على دور الإيواء ، و طالبتهم و بتوفير مبلغ محدد لعمل صيانة ضرورية تنحصر في (السباكة و الكهرباء بعض الأشياء الأخرى) و أيضاً شفط أبار السايفون التي لم تكن معدة لهذا العدد الضخم من النزلاء ، و تأتي هذه الصيانة من أجل تدفق الخدمة و إستمرارها بصورة مرضية ، و ما هو معلوم بالضرورة أن مثل هذه المطالبات المالية التي تتعلق بروتين الحكومات في السودان قد لا تجد نصيبها من السرعة اللازمة لحلحلة نوع هذه الإشكالات ، الشيء الذي جعلني أن أتدخل من باب ما يمليه على ضميري في المساهمة العامة ، و إيجاد طرق أخرى بديلة لتوفير التمويل اللازم بصورة سريعة من واقع علاقاتي الممتدة ، و خصوصاً إني أقود مثل هذه المبادرات الشعبوية التي تسهم في دعم و تجويد الخدمات العامة هذه الأيام في ظل هذه الظروف العصيبة التي تمر بها بلادنا ، و تتطلب من الجميع التدخل و كل على حسب إستطاعته من باب تخفيف الضغط على المؤسسات و حكومة الولاية و خصوصاً في ظل ظروف هذه الحرب ، و لقد قمت بعرض تكلفة هذه الصيانة على بعض المانحين الذين نجدهم دائماً في الصف الأول في العطاء و لا يتأخرون في مثل هكذا حالات ، فتواصلت بعد ذلك مع مدير الفندق من اجل عمل الترتيبات اللازمة وهي (خطاب يفيد بالعجز و تحديد نوع الطلب و السقف المالي للخدمة المطلوبة) حتي يتم تواصل المانح بعد ذلك مع المؤسسة التي اصدرت الخطاب مباشرة ، إلا إنني صدمت بمقابلة ما قدمته له من طلب ، ولقد ذكرني بالمثل الشائع :(ساعدوه في حفر قبر أبيه ، فدس المحافير) ، فكال على بسيل من المحازير و التوجيهات حتى خال لي بأنني موظف تحت إدارته ، و كما طالبني بمنحه أسماء و اماكن و هواتف المانحين حتى يتواصل معهم شخصياً ، و لم يقف عند هذا الحد بل تجاوز ذلك ليمنعني من التواصل مع السيد والي الولاية بخصوص هذا الشأن .. لماذا ؟ الله و رسوله أعلم !!! ، و كأن هذا الأمر أمر شخصي يخصه في ملكه الخاص ، و أجده و كأنه لا يعتقد بأن هذه المؤسسة هي مؤسسة عامة ، و خصوصاً ان هذا الأمر بالذات يعتبر أمر عام لأنه يتعلق بعموم المواطنين ، و هم في حالة (ضعف) ،و يريدون الإستفادة من هذه خدمات هذا الفندق و لا يتحملون إنقطاعها أبداً لظروفهم الخاصة ، و لهذا يمكن أن يدلي في شأن هذه المساعدات كل حادب على المصلحة العامة بدون قيود ، و يساهم بما يستطيع بدون تحديد سقف لتلك المساعدة حسب ما تتطلب الحاجة و التي تعتبر ماسة و مستعجلة .
ولهذا ما زلت أكرر أن الإدارة الناجحة تشكل عبئاً ثقيلاً على بعض مدراء المؤسسات العامة و خصوصاً الذين يحتكرون الإدارة في قوالب خاصة بهم و ما زالوا يحسبون أن هذه المؤسسات قطاع خاص و تحت ملكيتهم الخاصة ، و قد تبين لي ذلك من خلال الحوار الذي دار بيني و بين المدير حينما طلبت منه ان يوضح الحاجة الماسة للفندق عبر مكتوب ، فإعتذر لي بأنه لن يستطيع المجىء يوم السبت و تواعدنا في اليوم الذي يليه إلا إنه في اليوم المحدد إعتذر مرة أخرى بأن هنالك ظروف خاصة ستمنعته من المجيء إلى الفندق يوم الأحد ، و كأن هذه المؤسسة تدار برجل واحد فقط يتمثل في شخص هذا (المدير) .. فرسالتي إلى كل الذين تربعوا على كراسي مؤسسات النفع العام ، أقول لهم بأننا سنكون لهم بالمرصاد بمراقبتنا اللصيقة لأداء هذه المؤسسات و تمليك الرأي العام كل صور القصور فيها ، و كذلك من باب آخر سندعم و بكل قوة أصحاب الهمم من المسؤولين الناجحين في مؤسساتهم حتى نبين للرأي العام إنجازاتهم المشرقة و المشرفة ليحذو الناس حذوهم في إدارة المؤسسات الأخرى ، و أخيرا أختم بقصة الشاب الذي دخل معاينة من اجل ان يتم توظيفه في احد المؤسسات فكان السؤال الموجه للشخص الذي سبقه و الذي كان مدعوماً من قبل أحد النافذين في الدولة : (ما هو إسم البلد التي يطلق عليها بلد المليون شهيد و تبتدئ بحروف الألف و اللام و الجيم و الزاء ، فعرف من السياق بأنها (الجزائر)) ، و سئل الشاب غير المرغوب فيه عن أسماء و مهن و تواريخ ميلاد المليون شهيد .. فيا ايها الشعب السوداني المكلوم و أخص تحديداً إتحاد المعلمين المهني و أقول لهم بكل شفافية كفاية إهمال و (أدركوا مؤسساتكم) حاولنا المساعدة بدون مقابل و لم يرحب بها المدير لعلة ما لا أعلمها و تبع ذلك محاذير كثيرة ، و طلبات كان حجمها أكبر من حجم العلة الأساسية ، فليعلم الجميع إن هذه الحرب قد إيقظت هذا الشعب من غفوته فلن يكون الحال كما كان في السابق أبداً .
و سنواصل إن شاء الله