عميد شرطة (م) عمر محمد عثمان …أين الشرطة ؟ وكيف ستعود ؟ (١-٢)
بسم الله الرحمن الرحيم
أين الشرطة ؟ وكيف ستعود ؟ (١-٢)
عميد شرطة (م)
عمر محمد عثمان
أين الشرطة سؤلاً يفتح الباب لسؤال أكبر هل غابت الشرطة أم غيبت والاجابة على هذا السؤال ربما تفك طلاسم حيرت الجميع، والبحث عن الشرطة تفرضه وقائع لم يعهدها الناس من قبل !! إنفلات وفوضي أمنية غير مسبوقة جرائم سرقة لم تحدث في تاريخ السودان إنتهاكات وإغتصابات بالجملة فقدان تام للأمن والأمان مع إختفاء تام لأي مظهر شرطي في الشارع بل وحتى في أقسام الشرطة التى أوصدت أبوابها للمرة الأولي منذ أغسطس ١٨٩٩م عندما أنسحب الجيش تماماً من مواقع حراسة المرافق والأسواق وحلت محله الشرطة.
مثل هذه الأسئلة الكبيرة و المشروعة يصعب الأجابة عليها بشكل مباشر ولابد من الحديث أولاً عن ماهية الشرطة (ماهية الأمر هي كنهه و حقيقته وطبيعته وصفاته الجوهرية) والشرطة كما تعرفها موسوعة ويكيبيديا “هي هيئة مكونة من الأشخاص المخولين من قبل الدولة، بهدف إنفاذ القانون ، لضمان سلامة المواطنين وصحتهم وممتلكاتهم ، ومنع الجريمة والاضطراب المدني وتشمل صلاحياتهم القانونية الاعتقال واستخدام القوة و غالبًا ما تُعرَّف قوات الشرطة بأنها منفصلة عن الجيش والمنظمات الأخرى المشاركة في الدفاع عن الدولة ضد المعتدين.” في هذا التعريف عبارتين غاية الأهمية لابد من الإشارة لهما لأنهما تسهمان بشكل أو بأخر في الأجابة على سؤالنا المحوري العبارة الأولي هي “الاضطراب المدني” و العبارة الثانية هي ” و غالبًا ما تُعرَّف قوات الشرطة بأنها منفصلة عن الجيش ….. في الدفاع عن الدولة ضد المعتدين”
قانون الشرطة السوداني لسنة ٢٠٠٨م يعرف الشرطة بأنها “قوة نظامية خدمية” والوثيقة الدستورية لسنة ٢٠١٩م عرفت الشرطة بأنها “قوات نظامية قومية لإنفاذ القانون، وتختص بحفظ الأمن وسلامة المجتمع”ومشروع الدستور الإنتقالي لسنة ٢٠٢٢م عرف الشرطة بأنها “قوات نظامية مدنية مهنية …. تختص بحماية المواطنين …وحفظ الأمن …” وبالطبع للشرطة واجبات حددها قانونها من أهمها المحافظة على أمن الوطن والمواطنين، سلامة الأنفس والأموال والأعراض، ….الخ
على الجانب الأخر الجيش لا يحتاج الى تعريف والعالم والدول عرفت الجيوش قبل أن تعرف الشرطة بالتالي واجبات الجيش معلومة ولمزيداً من التأكيد على الأختلاف الكبير ين ماهية الجيش وماهية الشرطة دعونا نلقي نظر على قسم الولاء التي يؤديه رجل الجيش ورجل الشرطة عند تعيينهم لنري هل هناك فرق جوهري وماهو ؟ قسم الولاء في قانون القوات المسلحة ينص على “يؤدي كل شخص يتم منحـه براءة ضابط أو تعيينه أو تجنيده بالقوات المسلحة قسم الولاء الآتي أقسم بالله العظيم أن أنذر حياتي لله والوطن وخدمة الشعب في صدق وأمانة …….. وان أنفذ أي أمر مشروع ………. وأن أبذل قصاري جهدي لتنفيذه حتي لو أدي ذلك للتضحية بحياتي” بينما ينص قسم الولاء في قانون الشرطة علي” أقسم بالله العظيم أن أنذر حياتى لله ثم لخدمة الوطن والشعب وحماية ……… وأن أنفذ أى أمر مشروع ……… وأن أبذل قصارى جهدى لتنفيذه حتى لو أدى ذلك الى المجازفة بحياتى ” . مطالعة نصي قسم الولاء لاسيما ما جاء في ذيل صيغة القسم يجعلنا نتوقف عند عبارتي “التضحية بحياتي” الواردة في قسم القوات المسلحة وعبارة “المجازفة بحياتي” الواردة في قانون الشرطة ويصبح من نافلة القول مما حاجة لذكره أو الاستطراد فيه أن هناك فرق كبير بين “التضحية” و “المجازفة” وهو فرق في المعني والمقدار.
أيضاً هناك أمر مهم يجدر بنا الإشارة إليه وعدم إغفاله فقد نص قانون الشرطة على جواز أن يقوم رئيس الجمهورية عند إعلان حالة الطوارئ بدمج قوات الشرطة فى القوات المسلحة .و تخضع حينها لكل قوانين القوات المسلحة. وهو أمر لم يتم لأنه لم يتم الأعلان عن حالة طوارئ بالتالي بقي الحال كما هو عليه.
ترتيباً على ما تقدم نفهم وبشكل واضح وجلي أن للشرطة واجبات أتجاه المواطن لكن ومن خلال كل ما مررنا عليه من تعاريف للشرطة لابد أن نتذكر أن الشرطة قوة مدنية وأن الشرطة ليست بجيش بالتالي هل ما تمر به البلاد من حالة حرب كما أتفق على وصفها الجميع يمكن ادراجها ضمن حالة “الأضطراب المدني” بالطبع لا. و على الرغم من ذلك أعطت الشرطة وما أستبقت شيّ وقدمت خلال هذه الحرب أكثر من (50) شهيداً من رتبة الفريق الى الجندي بخلاف شهداء الإحتياطي المركزي وهي معلومة قد يجهلها الناس. وقد شاهد الجميع الصمود الأسطوري لقوات الإحتياطي المركزي في معسكرها بالخرطوم ولاتزال تعمل جنباً الى جنب مع قوات الشعب المسلحة.
أخيراً لابد من التذكير بأن أقسام الشرطة ومقارها تعرضت ومنذ اللحظات الأولي لأندلاع الحرب لعدوان غاشم من قوات الدعم السريع حيث قامت بإحتلالها وإتخاذها ثكنات عسكرية مخالفة بذلك كل القوانين و المواثيق الدولية حيث تعتبر مقار الشرطة من ضمن الأعيان المدنية المشمولة بالحماية بموجب القانون الدولي الإنساني بالتالي اضطرت الشرطة الى اغلاق ما تبقي من أقسام. ويحضرني هنا إستشهاد بعض الناس بحالة الشرطة في اوكرانيا يسوقنها كدليل على تواجد الشرطة وقيامها بواجباتها وينسون أن الشرطة الأوكرانية التى نشاهدها هي في كييف والمدن التى لا تدور فيها معارك حربية بخلاف حربنا التى تدور في شوارع الخرطوم.
أخيراً يمكننا الأجابة على سؤالنا المحوري هل غابت الشرطة ام غيبت ؟ ودون أدني شك الاجابة هي أن الشرطة غيبت عندما احتلت قوات الدعم السريع مقارها وغابت عندما انعدم التكافوء في التسليح بينها وبين القوات المعتدية فالبون شاسع جداً وأي محاولة للإبقاء على الشرطة في الميدان تعني أن ندفع بهم الى مذابح لن ينجو منها أحد منهم بالتالي يكون من الواجب الحفاظ على هذه القوات لوقت الحاجة وتوفر الظروف الملائمة للتشغيل وهو عين ما حدث في محلية كرري حيث عادت الشرطة لتمارس أدوارها وتقوم بواجباتها وفقاً للقانون.
بإذن الله في الجزء الثاني من المقال سنحاول الإجابة على الشق الثاني سؤال كيف ستعود الشرطة بأي شكل وأي ثوب نريد للشرطة أن تعود وهل تحتاج الشرطة إلى إصلاح وإعادة هيكلة أم تحتاج إلى إعادة بناء أول مدماك فيها أن نحافظ عليها من الانهيار.