الدكتور ضيو مطوك ديينق وول … يكتب
جدلية الانتخابات العامة وفرص الانتقال السياسي الديمقراطي بجنوب السودان.
مع اقتراب العدد التنازلي لإجراءات الانتخابات العامة وانتهاء الفترة الانتقالية الممتدة بجنوب السودان تبعثرت الآراء بين المؤيد والرافض لفكرة قيام الانتخابات في مواعيدها المضروبة، التي تبدأ في ديسمبر 2024 وتنتهي بإعلان النتائج وهي حالة تبعث بالقلق عند بعض الأوساط السياسية في البلاد، فبحلول عام 2025 سيدخل جنوب السودان عامه العشرين في ظل الحكومات الانتقالية التي بدأت منذ 2005 بالتوقيع علي اتفاق السلام الشامل بنيروبي، العاصمة الكينية، وكانت حكومة الرئيس السابق عمر حسن أحمد البشير نظمت الانتخابات العامة في نهاية الفترة الانتقالية المنصوصة في اتفاقية السلام الشاملة لعام 2010 وأجريت هذه الانتخابات علي امتداد السودان شملت جنوب السودان الذي كان يتمتع بالحكم الذاتي حيث تم انتخاب فخامة الرئيس سلفا كير ميارديت رئيسا لحكومة جنوب السودان وتم أيضا انتخاب أعضاء المجالس التشريعية وحكام الولايات.
حسب دستور جنوب السودان لسنة 2011 كان من المفترض إقامة الانتخابات العامة بعد استقلال جنوب السودان في موعد أقصاه 2015, إلا أن الدولة الوليدة دخلت الحرب الأهلية عام 2013 وألغيت الانتخابات ولكن عندما وقعت الاتفاقية سنة 2015 تم تمديد الفترة الانتقالية لثلاثة أعوام أخريات إلا أن هذه الاتفاقية لم تصمد كثيرا حيث تم تقويضها في أقل من عام مما دفع بخروج دكتور رياك مشار تينج وبعض القيادات المعارضة المسلحة إلي الخارج ومطالبة بإجراء محادثات سلام جديدة تخلل ذلك بالتوقيع علي اتفاقية السلام المنشطة التي تشترط علي قيام الانتخابات العامة قبل نهاية الفترة الانتقالية والتي كانت تفترض أن تكون عام 2023 ولكن لم يكن ذلك ممكنا حتي اتفقت أطراف الاتفاقية علي تمديد الفترة الانتقالية لسنتين أخريين تنتهي عام 2025.
لكن جدلية قيام الانتخابات من عدمها في موعدها المضروبة ما زال حاضرا بين القوى السياسية الموقعه علي الاتفاق المنشطة من جهة والقوي المدنية والمجتمع الدولي من جهة اخري وهي جدلية لم يحسم بعد رغم محدودية الزمن المتبقي، بحيث هناك فقط ١٨ شهرا لانتهاء الفترة الانتقالية الممتدة، فالحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الفريق أول سلفا كير ميارديت حسمت أمرها وأعلن قيام الانتخابات في مواعيدها وسمت مرشحها للرئاسة الجمهورية وبدات التعبئة العامة في الأقاليم المختلفة، حيث أقامت لقاء جماهيرا لولايات بحر الغزال بواو ويتم الترتيب للقاءات أخر في الولايات الاستوائية بمدينة جوبا، عاصمة ولاية الاستيوائية الوسطي والعاصمة التاريخية لجنوب السودان والمديرية الاستوائية في العهود الاستعمار.
لم يكن توجه الحركة الشعبية لتحرير السودان هذا مقبولا من قبل الحركة الشعبية في المعارضة التي يقودها دكتور رياك مشار بحيث تري أن الحملات الانتخابية جاءت مبكرًا ويجب التركيز علي اكتمال تنفيذ بنود الاتفاق المنشط الذي تم تمديده العام الماضي خاصة الجوانب المتعلقة بتدريب واندماج القوات في المنظمة العسكرية والأمنية الموحدة، إقرار الدستور الدائم للدولة، إعادة تشكيل الموسسات التي تشرف علي إجراء الانتخابات مثل؛ مفوضية الانتخابات العامة ومفوضية تنظيم الأحزاب والمحكمة الدستورية.
المجتمع الدولي اتخذ موقفا مغايرا ضد فكرة إجراء الانتخابات قبل تنفيذ بنود الاتفاق المنشط الممتد فبعض المبعوثين الدوليين يروا خطوة الحركة الشعبية لتحرير السودان بالمطالبة بقيام الانتخابات العامة وإعلان الحملة الانتخابية الشاملة خطوة استباقية ليس لها ضرورة في هذا الوقت ويجب على أطراف الاتفاقية التركيز على إكمال خارطة الطريق المتفق عليها من قبل الاطراف في اغسطس الماضي. الاتفاقية تواجه عقبات عديدة خاصة تمويل بنودها مما يجعل مطالبة المجتمع الدولي باتخاذ اجراءات سريعة لتنفذ بنود الاتفاقية دون الدعم المادي الملموس غير مجدي وكان من الأحري لجميع شركاء السلام بما فيهم المجتمع الدولي تحمل مسؤليتهم كاملة بتمويل الاتفاقية بدلا عن الضغوطات من أجل قيام الانتخابات أو عدم قيامها في مواعيدها.
الذي يدور الآن من الشد والجذب وعدم التوافق علي تنفيذ خارطة الطريق التي تقود إلي الانتخابات العامة في مواعيدها المضروبة ينذر بحدوث الكارثة في المستقبل القريب والعودة إلي مربع الحرب وعدم الاستقرار لأن ذهاب القطبيين الرئيسيين الحركة الشعبية لتحرير السودان والحركة الشعبية في المعارضة في الاتجاهين المعاكسين دون وجود الحوار السلمي، يوحي بانهيار اتفاقية السلام والرجوع بالدولة الي الحرب وهو خيار يجب ان يتفاداه الطرفين باجراء حوار هادف وبناء لما يمكن أن تؤول اليه الأمور عند انتهاء الفترة الانتقالية الممتدة هو رأي كثير من المحللين السياسيين وبعض كبار الأعيان في مجتمع جنوب السودان الهادفين لامن واستقرار جنوب السودان وعلي رأسهم جنرال جون مورويل مجاك الذي بعث برسالة مماثلة و مكتوبة للقيادة السياسية بالبلاد الأسبوع الماضي يحثهم علي الحوار ومواصلة التحالفات التي أوجدتها اتفاقية السلام المنشطة.