يشتد بي الحنين الى السودان مع مقدم رمضان فألجأ الى قنوات التلفزة السودانية على أمل ان تساعدني على أن “أبِل” شوقي وأطفئ ظمئي الى الوطن والأهل، وأفاجأ بها جميعا تجعل من الفانوس شعارا لرمضان بينما الفانوس لا يرمز لرمضان الا في مصر ثم إذا بها تمد لي ألسنتها وتقول لي ان الأهل لا هم ولا شغل لهم سوى الغناء، فالبرنامج تلو البرنامج عن الغناء، ولا أعرف أجهزة إعلام في أي مكان غير السودان تخصص البرامج ل”الكلام عن الغناء” فتأتي بخبراء يحكون كيف ان ود الرضي والعبادي وأبو صلاح والمساح قالوا ما قالوا، وكيف أن الشاعر الفلتكاني نصب كمينا للمحبوبة حتى رآها تخرج من البيت لترمي القمامة في المكب، فجلس تحت شجرة نيم وكتب: جات ترمي الزبالة ووقعت أنا في حبالا (حبالها)، وكيف ان المطرب فلان امسك بالقصيدة وهو في التاكسي من ام درمان الى بحري واكمل تلحينها، ثم غير اتجاهه وعاد الى ام درمان حيث دخل الإذاعة وسجلها، وتتم فلفلة الأغنية وكأنها حديث قدسي فيه أحكام تحتاج الى علماء لاستجلاء معانيها، وكعادتنا في تقديس كل ما هو قديم فالغزل في شعر الحقيبة عفيف ونظيف ولو تغنى شاب بالكفل المرجرج والنهود الرمان والشفاه التي تنقط عسلا لتم رجمه بالكلمات وربما الشباشب
والرياضة عند قنواتنا هي كرة القدم وبس، وبرامجنا الرياضية أيضا كلام وبس: لو الجناح اليمين مرر الكورة لحسب الدائم كان مؤكد هدف يؤهل الفريق للدوري الإسباني .. ولما مارادونا ضيع ضربة جزاء في عام 1986 تسبب ذلك في اتساع ثقب الأوزون وما إلى ذلك من ورجغة لا علاقة لها بالرياضة
ثم انظر الى الإعلانات المتلفزة: 99% منها كرروكررو كما غناء ندى القلعة، (هل رأيتها وهي توقف سيارتها عند سلم الطائرة وتصعد اليها بينما حتى رؤساء الدول يمشون عشرات الخطوات كي يصلوا الى سلم الطائرة؟) ولا تفهم من الدوشة الموسيقية المصاحبة للإعلانات ما هو الشيء المراد الترويج له، ولكن وفي المرات القليلة التي يقال فيها شيء عن السلعة المعلنة ينتهي الإعلان بأن كذا وكذا هي “خيارك الأول” يعني لو قال “اجعله خيارك الأول” تكون مفهومة، لكنه يقول إنه سلفا خياري الأول، فطالما الأمر كذلك فما الداعي للإعلان عنه؟ ونصف الإعلانات ينتهي ب”هواتفنا على الشاشة”! هل من الوارد ان التقط رقم هاتف من الشاشة كيف اطلب بلك كهرباء او قماش بنطلون، ومن ابدع الإعلانات واحد عن زيت طعام يقول انه يزيد المناعة، يعني عندك إيدز (الذي ينجم عن نقص المناعة) تشرب من ذلك الزيت
*الغثاء هو الرغوة عديمة الفائدة وهو ما جف من نبات (عويش) فتذروه الرياح