عبدالناصر الحاج يكتب: الجيش والدعم السريع.. البحث عن توافق منضود على أعناق البنادق!!

لم يعد غريباً للسودانيين أن يتسامعوا بأن خلافاً كبيراً يتعرى الآن بين قادة الجيش السوداني وقيادة الدعم السريع، بسبب اهم ملامح الاصلاح العسكري والأمني والتي يفترض أن يتم تضمينها بداخل مسودة الإعلان الدستوري المتوقع التوقيع عليه خلال فترة وجيزة قادمة. والخلاف بين الجيش والدعم السريع؛ والذي كثيرا ما تصوره الآلة الإعلامية بأنه بمثابة شرارة لحريق قادم يقضي على كل الآمال المعلقة باستقرار الدولة السودانية وعدم انزلاقها في حرب أهلية شاملة، هو ذات الخلاف الذي يساهم الآن في تقسيم الساحة السياسية إلى معسكرين، معسكر يتشبث بالابقاء على حاكمية الجيش على كل تفاصيل وحيثيات المرحلة الانتقالية، ومعسكر يتمسك بضرورة استرداد التحول المدني الديمقراطي، وإنهاء سلطة الانقلاب العسكري المفروض على الدولة السودانية منذ ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١م. وبهذا باتت الآن العملية السياسية تواجه تعقيدا هو الأشد بسبب اختلاف قادة الجيش مع قيادة الدعم السريع فيما يتعلق بالدمج والتحديث، ومما يعني أن كل الرهانات لإنجاح العملية السياسية باتت معلقة على اعناق بنادق كلا الجيشين، اما الاتفاق النهائي الذي لا رجعة فيه، أو إفساح المجال للغة السلاح وصوت الرصاص.

(1) مراوغة البرهان
الناظر إلى منصات التواصل الاجتماعي في السودان، وإلى كل ما تحويه من صفحات خاصة بالسياسيين والناشطين والمراقبين، وكذلك صفحات رسمية لمنظمات مدنية وتجمعات شبابية وقوى مهنية ومواقع صحفية وإعلامية؛ يلاحظ أن اجماع شبه عريض بين رواد هذه المنصات، بأن رئيس مجلس السيادة قائد الجيش، الفريق أول عبدالفتاح البرهان، هو يريد المضي في الاتفاق الاطاري علناً، ولكنه في الخفاء يضع كل العراقيل في طريق إنهاء الأزمة. وتتهم هذه المنصات بأن البرهان وضع كل من توسعة قاعدة المشاركة وكذلك دمج قوات الدعم السريع في الجيش، شروطا يظن أنها تعجيزية لاعاقة التقدم في العملية السياسية، بينما كان إظهار الدعم السريع لحماس منقطع النظير تجاه تكملة العملية السياسية وتشكيل حكومة مدنية كاملة، هو ما يفسر حالة عدم الاتفاق بين قطبي الانقلاب، البرهان وحميدتي. وعلى الرغم من تلك الصورة النمطية التي وضعتها منصات التواصل الاجتماعي لشخصية البرهان في أذهان السودانيين، بأنه شخص يجيد المراوغة السياسية ولا يحرص على حل الأزمة السياسية، إلا أن البرهان نفسه فاجأ بالأمس السودانيين، خلال حديثه في مناسبة إفطار رمضاني دعا إليه الفريق ياسر العطا عضو مجلس السيادة في منزله، حيث جدد رئيس مجلس السيادة ، عبد الفتاح البرهان، موقف المؤسسة العسكرية بعدم السماح بالرجوع للوراء والى ما قبل ١١ أبريل٢٠١٩ مبشرا بقرب التوصل لإتفاق يعبر عن كتلة انتقالية كبيرة ومتماسكة تمضي بالفترة الإنتقالية الي نهاياتها. منوها إلى ان عامل الزمن ليس في صالحنا وان كل يوم نتأخر فيه، تظهر المكائد والعراقيل أمامنا من خلال التحريض والكذب وإختلاق قصص غير موجودة على أرض الواقع بقصد إثارة الفتن. وابان البرهان أن هناك تأخير في الوصول إلى اتفاق بسبب بعض الأمور التي تتعلق ببند الإصلاح الأمني والعسكري، متمنيا تجاوزها بالسرعة اللازمة مؤكدا في ذات الوقت أن القوات المسلحة مؤسسة راسخة لاتسعي لاثارة الفتن أو اشعال الحروب. موضحا ان صبر قادة المؤسسة العسكرية وتحملهم الكثير من العراقيل ربما يفسره البعض بالضعف ولكننا نصبر من أجل تحقيق طموحات الشعب السوداني، وهدفنا ان نقود البلاد الي دولة ديمقراطية مدنية كاملة يكون الجيش فيها بعيدا عن السياسة، واجبه فقط حماية الوطن. ويأتي حديث البرهان متزامناً مع عدة تقارير صحافية تشير إلى وصول اللجنة الفنية العسكرية المشتركة بين الجيش والدعم السريع إلى توافق حول المدة الزمنية المطلوبة لدمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة. وطبقاً لـ”الترا سوان” إن نقطة الخلاف المتبقية هي قضية تبعية قوات الدعم السريع، وأبان ”الترا سودان” أن المدة التي اتفق عليها الطرفان، عقب نقاش مستفيض داخل اللجنة، هي (10) سنوات، موضحًا أن الأساس الذي استندت إليه الأطراف هو بروتوكول “أسس ومبادئ الإصلاح الأمني والعسكري” الموقع عليه في مارس الماضي. وكشف الموقع الاخباري المذكور، أن نقطة الخلاف المتبقية هي قضية تبعية قوات الدعم السريع؛ فبينما ترى قيادة قوات الدعم السريع أن تكون تابعة لرأس الدولة، ترى قيادة الجيش أن يتبع الدعم السريع للقائد العام للقوات المسلحة، وأن تكون تحت إشرافه المباشر.

(2) عناد حميدتي
بالمقابل تشير تعليقات كل المهتمين بالشأن السياسي السوداني على منصات التواصل الاجتماعي، إلى أن قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، بات أكثر عناداً وتمسكا بالعملية السياسية رفضاً لرؤية مؤسسة الجيش وقياداته الحالية فيما يتعلق بالعملية السياسية. ومن قبل أوردت (نيويورك تايمز) الأمريكية على لسان قائد ثان قوات الدعم السريع، عبدالرحيم دقلو، بأن البرهان يريد تحصين نفسه بالجدار الخراساني حول القيادة العامة، وأنه لا يهمه أن يحرق كل الوطن وراء هذا الجدار- على حد وصفه. ومن خلال كثير من حيثيات الحرب الكلامية بين الجيش والدعم السريع، يتبين بأن الهوة لا زالت شاسعة بينهما فيما يتعلق بضرورة الاتفاق على مواضيع الإصلاح العسكري والأمني.
وتقول صحافة الخرطوم، أن الوفد التفاوضي التابع لقوات الدعم السريع متمسك بدمج القوات خلال عشر سنوات من تاريخ التوقيع النهائي على الاتفاق الإطاري . وأكدت تقارير صحافية متفرقة اطلعت عليها ” الجريدة” أن هذا الموقف جاء بعد قرار تأجيل توقيع الاتفاق بين القوى المدنية والعسكرية للمرة الثانية هذا الأسبوع بسبب خلافات متعلقة بالجدول الزمني المقترح لدمج تلك القوات في الجيش. وأشارت هذه التقارير الصحافية الى أن أصابع الاتهام موجهة الى أطراف يتبعون للنظام السابق موجودين داخل الجيش يسعون إلى محاولة افشال الاتفاق السياسي، وأوضحت أن لجنة التفاوض من قبل قوات الدعم السريع تتمسك بما جاء في الاتفاق الإطاري بتبعية القوات إلى رأس الدولة وبفترة العشرة سنوات الدمج وذلك استنادا للاتفاق الاطاري الذي قد وقع في 5 ديسمبر الماضي.
كواليس
لماذا تحول الدعم السريع إلى “قميص عثمان” عند الفلول؟
على الرغم من الحقيقة التي يدركها كل أهل السودان بأن المنظومة البائدة التي كانت في يد الإسلاميين، هي من أنشأت قوات الدعم السريع ووفرت لها كل الإمكانيات التي جعلت منها قوى ضاربة موازية للجيش الوطني، إلا أن ذات العناصر التي ترتبط بالنظام البائد أو ما يعرف بالفلول، فهي التي تدير الآن معركة الانقضاض على الدعم السريع وتبتغي إخراجه من المشهد، ولأنها تتهم في الأساس هذه القوات بأنها هي من ساعدت الجماهير في إسقاط نظامهم. ولكن نشاط الفلول سواء داخل الجيش أو خارجه ضد الدعم السريع، يقرأه كثيرون بأن كلمة حق اريد بها باطل، لأن الفلول يسعون للعودة للسلطة ولا يريدون غير إعاقة التحول المدني الديمقراطي؛ والذي ينبري الدعم السريع الآن للدفاع عنه وحراسة العملية السياسية التي تقود إليه. يقول عضو تجمع قدامى المحاربين السودانيين اللواء معاش معتصم العجب، طبقا لتصريح أوردته (اندبيندنت عربية)، أن الثورة السودانية تم الالتفاف عليها من قبل اللجنة الأمنية لنظام الرئيس السابق عمر البشير للمحافظة على مكتسباته، وبالتالي العمل على إجهاض الثورة، وهذا ما ظل يمارسه قائد الجيش عبدالفتاح البرهان مع بقية القيادات العسكرية، وأصبح الجيش يمثل الوكر لنظام الإخوان والإمبراطورية الاقتصادية التي ترعى مصالحه”. و أضاف العجب “مؤكد أن الخلاف القائم بين القوات المسلحة والدعم السريع كبير، وبلغ درجة من الحدة والتباعد في المواقف، لأنه مس مصالح قادة الجيش، وذلك بإصرار قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) على المطالبة بتنظيف الجيش من الإخوان، وأن تؤول ولاية الشركات الاقتصادية التابعة للمنظومة العسكرية إلى وزارة المالية، لكن مسألة الدمج من الناحية الفنية ليست مشكلة كبيرة ولا يوجد خلاف حولها لأن الجيش السوداني له خبرة ودراية بكل ما يتعلق بهذه العملية وظل، لسنوات طويلة، يقوم بتدريب آلاف الضباط والجنود”. ولفت عضو تجمع قدامى المحاربين السودانيين إلى أنه لا يرى أن تطورات الخلاف قد تؤدي إلى مواجهة بين الطرفين، “فهي مجرد ضغوط ومناورات لأن كلا الجانبين يدرك تماماً أن كلفة المواجهة لن تحسم الخلاف بل ستؤدي إلى كارثة، لكن، عموماً، لا بد من أن يعلم الجميع أن الهدف الرئيس من إثارة هذه المشكلات هو تعطيل المسار الديمقراطي بخاصة من جانب قائد الجيش، فهو درج على وضع العراقيل كلما كان هناك تقدم باتجاه استقرار الفترة الانتقالية، وما انقلاب 25 أكتوبر إلا واحد من سيناريوهات إعاقة الانتقال – على حد قول اللواء معاش معتصم العجب.
همس الشارع
عدّت ٦ أبريل ولا زال الانقلاب يسعى!!
على الرغم من حالة التفاعل العالية التي ابداها عدد كبير جدا من قطاعات شعب السودان تجاه حراك لجان المقاومة في ٦ أبريل، إلا أنه وبمجرد انتهاء يوم المليونية، عاد الناس للتساؤل مجددا: كيف يمكن أن يذهب هذا الانقلاب بعدما جرّب الثوار كل أنواع التصعيد الثوري؟
سؤال الملف
هل ينجح “الاطاريون” في العودة للواجهة من جديد وهم أكثر يقيناً بالانتصار للحل السياسي؟؟
همس الكاميرا
لا تظن أن الخرطوم تحتفي بعيد الأضواء.. إنها تقاوم في العنف!!

Exit mobile version