الخرطوم _ نبيل صالح
ترقب الشارع السوداني التوقيع على الإتفاق النهائي في الأول من ابريل الجاري باعتباره الطريق الأول المتاح للخروج من الأزمة التي ظلت الدولة السودانية تدور في رحائها منذ أكثر من عام ، أي عقب تلاوة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان قرارات الخامس والعشرون من اكتوبر 2021م الموصوفة بالانقلابية ، التي مكنت مجموعة من العسكر المحسوبين على النظام السابق ، على السلطة ليعود السودان الى ماقبل 2019م.
ومنذ زهاء عام وأكثر تبحث المجموعات الموصوفة بالثورة المضادة عن مخرج من الأزمة التي اقحمت فيها السودان ، واعادته الى مربع العزلة الدولية والرفض الشعبي مرة أخرى ، قبل أن يعلن العسكر عن تفاهمات بينهم وبين مدنيين يتمثل في قوى الحرية والتغيير المركزي وأنتهت هذه التفاهمات باتفاق اطاري وقعه الطرفين في نهاية العام المنصرف على أن يحشدوا دعم القوى المدنية والسياسية للاتفاق النهائي ، الا أن الاتفاق الذي أثار قلق الاسلاميين من عودة أدوات إزالة التمكين ومحاسبة المتورطين في جرائم الفساد بات هدفاً للمتضررين من اكتمال العملية السياسية حسب المراقبين ، وظلت مجموعات محسوبة للنظام السابق ، ومجموعات مصالح تخلقت بعد سقوط النظام تتمثل في قوى سلام جوبا التي باركت الانقلاب على المسار المدني في اكتوبر 2021م وظلت جزءاً من الحكومة الموصوفة بالانقلابية بحجة أن بقائها في السلطة تأتي من باب الالتزام باتفاق سلام جوبا .
وتمكنت هذه المجموعات من حمل البرهان أو الكتلة العسكرية الى عرقلة الوصول الى الصيغة النهائية للعملية السياسية باختلاق أزمة دمج الدعم السريع في الجيش وهو الملف الذي ظل مغلقاً او غير مسموح الاقتراب منه من جهة العسكر لاكثر من ثلاثة أعوام ، وفسر المراقبون تمترس منسوبي القوات المسلحة على موقف واحد يتمثل في تقديم دمج الدعم السريع على الإصلاح وهيكلة القوات المسلحة وهو الأمر التي ترفضه الدعم السريع فسروه على أنه أحد أدوات تعطيل الاتفاق الاطاري جراء ضغط قيادات المؤتمر الوطني المحلول على البرهان ، وآخرون محسوبين على الحزب ، بينما رفض الكتلة الديمقراطية الاطاري أحد مسوغات البرهان بتأخير الاتفاق النهائي ، وبالرغم من ترديده المستمر للذهاب بعيداً في الاتفاق النهائي الا أن المراقبون يعتقدون أن البرهان ليس مستعداً للذهاب من دفة السلطة ، وأعتبروا تصريحاته باستعداده للتخلي عن السلطة غير جدية ، وأكد البرهان، الجمعة، اقتراب الانتهاء من الاتفاق السياسي النهائي، مشيراً إلى أنّ التأخير سببه خلافات بشأن بند “الإصلاح الأمني والعسكري” وقال البرهان في مأدبة رمضانية الجمعة أنهم يقتربون من الوصول لاتفاق نهائي، ويريدون المضي في الاتفاق إلى نهايته بأكبر كتلة انتقالية دون شروخ أو اعوجاج” ، وأضاف: “هناك تأخير في الاتفاق بسبب بعض التفاهمات المتعلقة ببند الإصلاح العسكري والأمني، ونتمنى أنّ نتجاوزها بأسرع وقت ممكن ونتخطى العقبات الموضوعة أمامنا”. وتابع “الجيش السوداني ليس لديه أي عداء”، واصفاً إياه بأنه “مؤسسة قديمة وراسخة لا تسعى لإثارة الفتن ولم تتسبب في فتنة بالبلاد” ودعا كل القوى السياسية إلى “الجلوس والتفكير في الوطن وعدم التمترس في المواقف والجري وراء المحاصصات الحزبية” ، وأردف: “صراعنا الداخلي مصطنع، ونريد أنّ نعمل انتقالاً حقيقياً، وأنّ يختار السودانيون الشخص الذي يحكمهم” ، وزاد البرهان: “إذا فشلنا في التوافق على إقامة أكبر كتلة فعلينا أنّ نفسح المجال لغيرنا”، دون التطرق إلى التفاصيل ، وشدّد البرهان على “التزام الجيش بالعملية السياسية واضاف “جميعنا متفقون على أنّه لا ردة ولا عودة لما قبل 11 أبريل 2019م
وكانت قوى إعلان الحرية والتغيير، أعلنت مساء الأربعاء الماضي، إرجاء توقيع الاتفاق السياسي النهائي الذي كان مقرراً يوم الخميس، للمرة الثانية بعد الإرجاء الأول في فاتحة أبريل الى السادس من أبريل بسبب المباحثات المشتركة بين الأطراف العسكرية وما يتردد عن خلافات بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وفي 29 مارس اختتم مؤتمر “الإصلاح الأمني والعسكري” بالخرطوم، آخر مؤتمرات المرحلة النهائية للاتفاق السياسي، وغاب عنه قادة الجيش بسبب خلافات حول دمج قوات الدعم السريع في الجيش، الذي أعلن لاحقاً التزامه بالعملية السياسية والتطلع لاستكمال “عمليات الدمج”.
ويأتي المؤتمر استكمالاً لعملية سياسية انطلقت في 8 يناير الماضي، بين الموقعين على الاتفاق الإطاري في 5 ديسمبر 2022، وهم مجلس السيادة العسكري الحاكم وقوى مدنية أبرزها “الحرية والتغيير ـ المجلس المركزي”، للتوصل إلى اتفاق يحل الأزمة السياسية بالبلاد.
وتبقى فرص الحل ضئيلة جداً في حال فشل الاتفاق الاطاري حسب المراقبين الذين يعتقدون أن الاتفاق الاطاري آخر الحلول المتاحة للأزمة التي ظلت تراوح مكانها منذ اكتوبر 2021م بسبب تعنت البرهان ورفضه تسليم السلطة للمدنيين بمساعدة منسوبي النظام السابق ، وحذر المراقبون من دخول البلاد في أتون حرب اهلية حال فشل العملية السياسية الجارية ، ويقول المحلل السياسي د. عبد اللطيف محمد عثمان أن الاتفاق الاطاري رغم نواقصه وعلاته يعتبر الطريق الأوحد المتاح الآن أمام السودانيين للخروج من النفق المظلم ، وقال عثمان لـ “النورس نيوز ” كل أعداء الاستقرار يدفعون نحو افشال الاتفاق الاطاري ولكن عواقب ما يفعلونه ستكون وخيمة علىهم وعلى مستقبل البلاد القريب ، وجاءت ابرز التحذيرات على جاءت على لسان عضو مجلس السيادة السابق محمد الفكي سليمان، القيادي البارز في الحرية والتغيير الذي افصح قائلاً ” نقول إن الاتفاق الإطاري موجود ولا بديل له، وإذا سقط فسيقود البلاد إلى المواجهة” . وتابع: “هذا أمر لا نرغب فيه، لأن بلادنا غير مهيأة له، وأوضاعها الاقتصادية لا تحتمله” .
وتهدف العملية السياسية الجارية إلى حل أزمة ممتدة منذ 25 أكتوبر 2021، حين فرض قائد الجيش عبد الفتاح البرهان إجراءات استثنائية، منها حلّ مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين وإعلان حالة الطوارئ