من الأدلة القاطعة على أن الغربيين لا يفهمون الكثير عن تراث وتقاليد وعادات العرب والمسلمين، أنهم يحكمون عليهم بقشور الأمور، ويعممون السلوك السيئ لفرد مسلم على عموم المسلمين، ويعتبرون رفض المسلم لسلوكيات معينة شائعة في الغرب دليل تخلف، (وفي ذاكرة الكون كله التباكي الذي صاحب منافسات كأس العالم في قطر على حظر الشذوذ الجنسي)، فقبل عشرين ونيف سنة ما أن أفلح الأمريكان في الإطاحة بحكم طالبان في أفغانستان، حتى سمعنا عن شابة تشبه شعبان عبدالرحيم قررت خوض مسابقة ملكة جمال العالم، ثم تشكيل فريق نسائي لكرة القدم في أفغانستان، ولحين من الدهر طبلت صحف بريطانيا لسارة مندلي، لأنها قررت خوض مسابقة ملكة جمال انجلترا ولكونها أول مسلمة في تاريخ ذلك البلد تخوض تلك المسابقة. وسارة هذه ليست «خواجية/ غربية» بالميلاد، بل وصلت بريطانيا قبل فترة ليست بالبعيدة بعد أن نالت أسرتها حق اللجوء السياسي هناك، والغريب في الأمر أنها تحمل درجة جامعية في الكيمياء الحيوية، يعني أمامها مستقبل علمي ومهني زاهر في بلد يحترم التخصصات العلمية، ولكن يبدو أن تعليمها من النوع الذي نقول عنه في السودان «القلم لا يزيل بلم» والبلم هو البلاهة والغباء.
أذكر جيدا كيف خاضت المنافسة مع سارة مندلي مسلمات أخريات هن ديلاي طوبوزغلو (سويدية من أصل تركي) وسونيا حسنين وحماسا كوهيستاني وهي أي حماسا، أيضاً من أسرة لاجئة في إنجلترا هربت من أوزبكستان، وقد فازت باللقب وظهرت على الشاشات بتاج يغطي رأسها بينما بقية جسمها معروض «للفرجة»، وكانت مبسوطة ومفرفشة لأن الكاميرات واصلت نهش لحمها وعرضه في الفترينات «هُبر، هُبَر» كما يقول المصريون عن كتل اللحم الكبيرة.
وصار من حق حماسا كوهيستاني أن تمثل إنجلترا في مسابقات ملكة جمال الكون، حيث تم عرض اللحوم البيضاء والسمراء والصفراء عبر الأقمار الصناعية وخضعت للتقييم على أيدي سماسرة لا يختلفون كثيراً عن نظرائهم في سوق الغنم الذين يقومون بتثمين وتسعير البهائم بعد فحصها بعيونهم وأيديهم (تساءلت أكثر من مرة لماذا يتحسس من يريدون شراء الخرفان ذيولها؟ يعني اقتنعت على مضض بأنهم يفحصون أسنانها ليعرفوا كم عمرها، فوجود أسنان مفقودة أو مسوسة قد يعني أن الخروف بلاستيكي اللحم، ولكن ما هي الذبذبة التي تصدر عن ذنب الخروف ليعرف المشتري ما إذا كان الخروف في عز الشباب او من فئة «هرمنا»؟).
المهم أرى أنه من واجبي أن أقول لسارة مندلي: معلش خسارة اللقب، وكفاية عليك لقب ملكة جمال بيرمنجهام.. بس لو تريدين أن تفوزي في مسابقات مقبلة لا تجعلي داود حسين مثلك الأعلى في الرشاقة، وبلاش تأكلي الباجا (أكلة لذيذة من فصيلة الكوارع).
طوال تصفيات مسابقات ملكة جمال إنجلترا تلك وكانت قبل بضع سنوات، ظلت كلمات مثل مسلمة ومسلم وإسلام تظهر في عناوين الأخبار المتعلقة بها، طبعاً ليس بغرض التشهير بالإسلام بل من باب التنويه إلى أن هناك مسلمات «مستنيرات» ومن باب «يا ناس يا عسل تأثير العولمة وصل». ثم جاءت حكاية برنامج بيغ براذر (الأخ الأكبر) على القناة الرابعة للتلفزيون البريطاني الذي شاركت فيه كينغا. وهذه البرامج من الفئة المسماة تلفزيون الواقع (رياليتي) وخلال البرامج شربت كينغا الخمر أمام الكاميرات وخلعت ملابسها وصرحت بأن لها ابناً غير شرعي وبأنها شاذة جنسياً وبأنها عملت راقصة في الحانات. والد كينغا هذه (عربي غير مسلم) التقى بأمها في بولندا وتزوجها ثم خرج ولم يعد. ولكن حتى الخواجات قالوا إن كينغا ثورية ولكنها «فاتت الحد وزودتها حبتين» فقالت المسكينة إن منتجي البرنامج خدعوها وطلبوا منها أن تفعل ما فعلت. (ثورية التي قصدوها ربما عكس بَقَرِيّة)
عندما تجد طفلاً فالتا وسيئ الأدب تستنتج أن والديه قصرا في حقه، وهكذا فإن آباء وأمهات هؤلاء الفتيات اللاتي ارتضين إخضاع لحومهن للتقييم هن/هم من يستحقون التذكير بالانتماء إلى أمة ينبغي أن تموت فيها الحرة ولا تأكل بثدييها وأردافها.