جعفر عباس يكتب : هل ينسف الزواج الأخلاق؟
في ذات بلد عربي شقيق (والكلمة قد تكون من الشقاء او الشقاق او الشقيقة التي تشق الرأس)، قامت وزارة التربية بفصل نحو 60 طالبة من مختلف المراحل التعليمية بعد أن حصلت على أدلة دامغة بأن أولئك البنات… متزوجات!! يا للهول ويا للعار! ولأن جماعة التربية يعرفون أكثر منا ما هو نافع وما ضار بالصحة النفسية والأخلاق، فقد رأت أن الزواج يفسد الاخلاق ويعوق العملية التعليمية، فمنطق طرد المتزوجات من المدارس استند إلى انهن قد يحكين لزميلاتهن تجاربهن كزوجات، مما قد يؤدي إلى اثارة الغرائز!! وعلى الوزارة ان تكمل جمائلها بطرد جميع المدرسات المتزوجات لنفس السبب لتقتصر مهنة التدريس على غير المتزوجات!!
ولكن من يضمن لنا أن المتزوجات لن “يفسدن” بناتنا غير المتزوجات، خارج العمل أو في الأحياء السكنية أو في مواقع العمل بسرد تجاربهن عليهن؟ الحل هو أن يتم تسييد (من سيدات) وتأنيس (من آنسات) الوظائف النسائية. مثلا تكون جميع النساء في شركة الاتصالات من الآنسات، بينما تقتصر الوظائف النسائية في شركة الكهرباء على السيدات والمطلقات والأرامل!! ولكن ماذا نفعل على الصعيد الاجتماعي؟ هل نسمح لبناتنا الآنسات بالتواصل مع زميلات الدراسة (سابقا) اللواتي تزوجن بل – يا للمصيبة – وأنجبن؟ والأمر الآخر هو أن 90% من أمهات البنات في المدارس متزوجات، والعشرة في المائة المتبقية كن متزوجات أي أنهن ربما مطلقات او ارامل! هل نعتبرهن مصدر خطر اخلاقي على بناتهن الطالبات الآنسات؟ باختصار هل نطلق زوجاتنا حتى نضمن أن بناتنا لن يخالطن نساء متزوجات؟
لماذا الافتراض أن النساء على الهبشة ويسهل جرجرتهن الى الانحراف والزيغ والزلل بمجرد سماعهن بما يدور في مخادع الزوجية، وأصلا هل من التربية في شيء أن تكون طالبة في سن الزواج غير مدركة لأسرار العلاقة الزوجية الحميمة؟ أليس واجب المناهج المدرسية وعلى وجه الخصوص “التربية الدينية” أن تجعل الطالبة في مراحل دراسية معينة مدركة لكيفية حدوث الحمل، ليس فقط لتهيئتها لتكون أُمّاً، ولكن أيضا لتوعيتها بحيث لا تصبح طرفا في علاقة محرمة، سواء أدت إلى “طفل الخطيئة” أم لا؟
والشاهد هو أن أمور التعليم والخدمة المدنية في بلداننا كثيرا ما تكون محكومة بلوائح تعيق التعليم والعمل، وتظل سارية ل”أن هذا ما وجدنا آباءنا عليه”- وهذا هو منطق الجاهلية الأولى، قبل أيام قليلة نشرت الصحف حكاية رجل من إندونيسيا تم قبوله في المدرسة الابتدائية وهو فوق الثمانين لأنه يحلم بمواصلة دراسته كي يصبح طبيباً بيطرياً، يعني يبقى على كراسي الدراسة ل17 سنة، ولو كان فالحا وناجحا فسيحقق حلمه وعمره يقترب مِن، أو يناهز المائة
وقبلها تناقلت الصحف حكاية استرالي نال درجة الدكتوراه وهو في الثالثة والتسعين، ونقرأ بين الحين والآخر عن فتى أو فتاة دخلت الجامعة وعمرها 11 سنة!! مثل هذه الأشياء لا تحدث في بلداننا، لأن لوائحنا العرجاء الخرقاء تعلو ولا يعلى عليها، يقول لك موظف عابس: اللوائح تقول كذا وكذا، فتحسب أن اللوائح تلك أحكام سماوية قطعية لا سبيل للالتفاف عليها أو تخطيها لمصلحة طرف أو آخر بتخطي المراحل!! وكي تسجل طفلك في المرحلة الابتدائية لازم تكون كل الشهادات موثقة من وزارة الداخلية والخارجية والمالية والكهرباء
عملت مدرساً في المرحلة الثانوية في مدارس البنات بالسودان، وكانت العديدات من طالباتي متزوجات، وكن مثالاً للانضباط والالتزام، وفي عموم أنحاء السودان يدير اتحاد المعلمين والنقابات المنضوية تحته، المدارس الحكومية ليلاً لحسابها الخاص، وفي تلك المدارس المسائية كان أكثر من نصف طالباتي متزوجات، وكان التدريس بتلك المدارس أكثر سهولة من التدريس في الصفوف التي معظم طالباتها آنسات!!
والخلاصة هي أن تجربتي الشخصية تفيد بأن الزواج غير ضار بالأخلاق، بل أجزم بأن “أخلاقي” كمتزوج أفضل منها عندما كنت خالي طرف!!