بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على هدر الطعام، والقاء كميات مهولة منه في الزبالة ومقالب القمامة، صدر تقرير أممي خطير يقدر المهدور من الطعام ب 1.3 مليار طن، في الوقت الذي يعاني فيه أكثر من 880 مليون شخص من الجوع، ووفقا للتقرير يبلغ المتوسط العالمي لإهدار الفرد الواحد للأكل 74 كيلوغراما، وتتجاوز نسبة الاهدار في العالم العربي هذا الرقم بأكثر من 40 في المئة حيث تصل الى 100 كيلوغرام، ويأتي السودان في صدارة الدول المهدرة للطعام بالعالم العربي، اضافة الى مصر والعراق والسعودية والجزائر..
هذا التقرير الذي وضع السودان في صدارة الدول المهدرة للطعام بالعالم العربي، لم يتحامل علينا بل كشف حقيقة أننا السودانيون مسرفون ومبذرون في بسط موائد الطعام عند الأسر المقتدرة بكميات تفوق كثيرا حاجة أفراد الأسرة فيذهب كثير منه إلى مقالب القمامة، بل أستطيع أن أزعم أن الفقراء أنفسهم يمارسون هذه العادة حين يعدون طعامهم الفقير، فإنهم يعدونه بأكثر من حاجتهم ويذهب الباقي أيضا إلى الكوشة، والأغرب أن هذه الظاهرة السودانية ليست حكرا على الأسر السودانية داخل الوطن، وإنما انتقلت مع الأسر التي هاجرت خارج الوطن، وتحضرني في هذا الصدد واقعة طريفة في ذم هذه العادة السودانية، ففي واحدة من محاضرات مادة التحرير الصحفي وكان موضوعها (العنوان الصحفي) وكنا وقتها طلابا ندرس الصحافة، وكان أستاذ هذه المادة مصري هو الدكتور أحمد المغازي وكان شديد الغيظ مما شهده ووقف عليه من إسراف وتبذير الأسر السودانية ورصده للمعدلات الكبيرة من فاقد الطعام التي تذهب إلى الزبالة رغم صلاحيتها للاستخدام الآدمي، فما كان من هذا الأستاذ بعد أن طرح هذا الموضوع إلا أن اقترح له عنوانا هو (بمراجعة صفيحة الزبالة ينصلح حال الاقتصاد السوداني)..وغير هدرنا للطعام في السودان،
فنحن كذلك نهدر كثيرا من الأشياء والممتلكات التي يمكن إصلاحها والاستفادة منها مجددا، مثل الأثاثات والمعدات القديمة وغيرها وتسمى شعبيا (الكراكيب)، يقذف بها عندنا فى السودان على أسطح البيوت ورؤوس المنازل، فمثل هذا التصرف يدخل أيضا فيما يمكن أن نسميه الاختلال في إدارة الاقتصاد المنزلي، وهذا باب واسع يبدأ من مرحلة تقييم الحاجيات الضرورية لإستهلاك الأسرة ومقدار المصروفات اللازمة خلال وقت معلوم، وتحقيق التوازن بين الدخل والمنصرف وتعليم أفراد الأسرة وخاصة الأطفال على ترشيد الاستهلاك وعدم التبذير، ولا ينتهي إلا بترتيب الحياة الأسرية على النحو الذي يحقق الاستقرار ويبعث على الاطمئنان. إن أهمية موضوع الزبالة يكمن في علاقتها الجدلية بالسياسة والاقتصاد، ومن هنا فإن الأمر ليس شأنا أسريا محضا، ولا هو أمر ترشيد فقط، وإنما له علاقة قوية بأنظمة الحكم والسياسات غير الرشيدة التي تزلزل أركان المجتمع وتقسمه إلى فئتين، فئة منعمة وغنية ومرفهة تلقي بفضلاتها في المزابل، وفئة معدمة لا تجد شريحة منها حتى الفتات فتضطر للإقتيات من هذه المزابل والأمثلة موجودة بكثرة..