الخرطوم _نبيل صالح
أثارت الخلافات بين العسكريين مخاوف المراقبين و تأثيرها المباشر على العملية السياسية الجارية واعادة البلاد الى مربع العنف ، بيد أن البعض يعتقد بأن ما يثار حول الخلافات بين الجيش والدعم السريع ليس أكثر من تكتيك من قادة القوتين لإجبار الشارع الثائر التسلم بحكومة أمر واقع يترأسها العسكريين بحجة المهددات الأمنية فيما يعتقد فريق آخر أن التباين داخل المكون العسكري حول “الاتفاق الإطاري” الذي تم توقيعه مع قوى سياسية من بينها تحالف الحرية والتغيير (المجلس المركزي) في ديسمبر، وعارضته بعض المكونات السياسية، قد يعيد البلاد إلى دائرة العنف.
وفي الوقت الذي يتمسك فيه محمد حمدان دقلو قائد الدعم السريع بالاتفاق الاطاري ، يلمح قادة الجيش بالمجلس السيادي بعدم الوصول الى اتفاق نهائي ما لم يتم دمج الدعم السريع في القوات المسلحة ، وقال (حميدتي)، ، إن المكون العسكري سيمضي قدماً في “الاتفاق الإطاري”، لأنه “مخرج للبلاد من أزمتها، ويجلب الدولارات”، بحسب وصفه ، بينما سبقت تصريحات الفريق شمس الدين كباشي، تصريحات دقلو بأيام والتي أعلن خلالها أن القوات المسلحة لن تمضي في “الاتفاق الإطاري” ما لم تنضم إليه قوى أخرى، معتبراً أن القوى الموقعة عليه حالياً “ليست كافية لحل المشكلة بالسودان”.
وفسر المراقبون ذلك بوجود خلافات داخل المكون العسكري ، وأعربوا عن مخاوفهم إزاء ما يجري من استقطاب من القوتين على الوضع السياسي والأمني مستقبلاً ، وقال المحلل السياسي د.نصر الدين عثمان أن الخلافات بين العسكريين قد يؤثر بشكل قاطع على العملية السياسية بيد أنه شكك إزاء ما يظهر من خلافات بينما ما تبطنه هذه التصريحات أمر مختلف ، ومضي نصر الدين بقوله لـ “النورس نيوز ” أن العسكريين يخططون لكسب الوقت، وإلقاء اللوم على المدنيين في فشل الانتقال المدني الديمقراطي بمسوغ عدم رضا مكونات سياسية أخرى بالاطاري .
ويعتقد نصر الدين ان البرهان ومجموعته العسكرية في المجلس السيادي دعموا المبادرة المصرية لعرقلة الاطاري وورش القضايا الـ “5” بينما كانوا يتحدثون عن عدم أهلية الإطاري في حل الأزمة رغم توقيعهم عليه في ديسمبر العام الماضي
ومع بروز اتجاه لدى المكون العسكري لـ”التنصل من الاتفاق الإطاري”، أعرب حميدتي عن إصراره على الإطاري وقال خلال مخاطبته حشداً جماهيرياً في منطقة ريفي شمال الخرطوم، ، أنهم “لن يرجعوا إلى الوراء” وسيكملون الاتفاق الحالي لأنه مخرج للبلد، وأشار إلى أنه لم يقف إلى جانب أي طرف ولم يكن جزءاً في النقاشات التي قادت إلى مشروع الاتفاق، مضيفاً أنه “آنذاك كان مرابطاً بمدينة الجنينة غربي السودان”.
وكان كباشي قال في لقاء جماهيري بمدينة كادقلي بولاية جنوب كردفان، إن القوى السياسية والعسكرية الموقعة على “الاتفاق الإطاري” ليست كافية لحل المشكلة السياسية في البلاد، وشدد كباشي على أن “القوات المسلحة خارج العملية، وتقف على مسافة واحدة من كافة المبادرات السياسية”، مؤكداً أنها لن تمض في “الاتفاق الإطاري” إذا لم تأتِ قوى أخرى بمقترح مقبول لتحقيق التوافق ، وأضاف: “القوات المسلحة لن تحمي دستوراً غير متوافق عليه”، داعياً الموقعين على الاتفاق الإطاري إلى قبول الآخرين”.
وأثار هذا التباين في مواقف العسكريين السودانيين تساؤلات ملحة بشأن مصير “الاتفاق الإطاري” الذي تُعارضه أيضاً تيارات سياسية مدنية منضوية في تحالف الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية) ، ويقول المحلل السياسي سعد محمد أحمد إن “التباين الذي ظهر في مواقف العسكريين يُمثل انعكاساً لرؤى حواضنهم الدولية والإقليمية لحل الأزمة السياسية في السودان”، واوضح أن تصريحات البرهان وكباشي من جهة، وحميدتي من جهة أخرى، تُوحي بـ”خلاف حقيقي” داخل المنظومة الأمنية، وليس ثمة أمور تكتيكية تجاوزها الوقت ، وأضاف خير أن “الخلاف العسكري يعكس أيضاً انقسام القوى الدولية والإقليمية تجاه الأزمة السودانية والأطراف السياسية، فهناك جانب يدعم الكتلة الديمقراطية التي تضم حركات مسلحة، “بينما ألقى الجانب الأميركي والأوروبي والخليجي بثقله وراء الاتفاق الإطاري، وحشد له الدعم الدولي الكبير، لاعتقاده أنه سيحل الأزمة السودانية نظراً للدعم القوي لمكوناته في الشارع الذي لا يزال يواصل الخروج في احتجاجات”.
وفي السياق جزم نائب أمين سر حزب البعث العربي الاشتراكي الأصل عثمان إدريس أبوراس بأن الخلاف بين رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقائد الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو مجرد “تكتيك” سياسي، قصد به إطالة الفترة الانقلابية وإيهام الكل بوجود نزاعات بين العسكريين. ونوه بأن هنالك تباينات بين البرهان وحميدتي قال بأنها لا ترقي لمستوى الخلاف بين الرجلين. وشدد أبوراس طبقا لـ(الحراك) بأن “حكاية تسليم العسكر السلطة للمدنيين وهم كبير”، مشيراً بأن المصالح والمخاوف التي جعلتهم يقومون بالانقلاب مازالت قائمة، وأكد أن البرهان سينصب نفسه “فرعون” على البلاد قريباً ..على حد قوله.