اعترافات شباب مدمن عائد من عالم المخدرات .. لقاء مع أُم ابنها مدمن بنقو
المخدرات تخطت مرحلة الانتشار ووصلت مرحلة الغرق!
ربط الإبداع بالمخدرات والخمر مجرد وهم
قوة الشخصية والإرادة تحصن الشباب من الانجراف لعالم المخدرات
(الخرمة) أصعب مرحلة في علاج الإدمان وتعني الاشتياق والشوق
مدمن المخدرات يعاني من أعراض (تمجيد الذات) المتمثلة في حالة النشوة والنرجسية والراستا
ماذا تعرف عن (المسؤولية الذاتية) المرتبطة بالإقلاع عن المخدرات؟
**عالم المخدرات حافل بالمحن والمآسي أكثرها خطورة الإدمان ..إدمان المخدرات بأنواعها المختلفة يبدأ بجرعة صغيرة مجاملة لبعض الأصدقاء او (الشلة) فتتسلل المواد المخدرة السامة للدم محفزة له بالمزيد من الجرعات حتى يتحول المتعاطي إلى مدمن تأسره المخدرات وتطوق حياته بحبالها وتلغي شخصيته وتهدد صحته وتذهب بعقله وتزيل نضارة شبابه وتطفئ بريقها ليتحول بعدها إلى حطام إنسان .. ولكن إدمان المخدرات ليس نهاية المطاف فيمكن للمدمن التحرر من قبضتها وأسرها فقط لو تسلح بالعزيمة والإصرار واتجه نحو الأسلوب العلمي الأمثل للمعالجة من الإدمان والانسحاب بخطوات علمية من عالم المخدرات وذلك بالاستعانة بالمراكز العلاجية والمستشفيات المتخصصة في ذلك .. وكثير من مدمني المخدرات بأنواعها المختلفة نجحوا في التخلص منها وغادروا عالم المخدرات والإدمان إلى غير رجعة لينخرطوا في المجتمع مرة أخرى ويمارسوا حياتهم الطبيعية وبعضهم عاد للدراسة بعد أن تركها بسبب سطوة السموم.. (الحراك) من خلال هذا التحقيق الاستقصائي تورد نماذج لمدمنين عادوا من عالم المخدرات وتخلصوا منها إلى غير رجعة .. وهم من خلال تجاربهم في التعاطي والانغماس في عالم (الدخان الأزرق) يرسلون رسائل في منتهى الأهمية لغيرهم من الشباب من مدمني المخدرات بأن العودة من عالم السموم ليست من المستحيلات كما يتوهمون فقط يحتاج للعزيمة والإصرار وقوة الشخصية والمعالجة العلمية بمراكز معالجة الإدمان .. ونشير أن لدينا نماذج كثيرة خلاف النماذج التي ننشرها من خلال هذا التحقيق لشباب كانوا مدمنين للمخدرات لكنهم بفضل إرادتهم وقوة عزيمتهم ومجهودات الأطباء والمعالجين بمراكز علاج الإدمان أقلعوا عنها وعادوا لحياتهم الطبيعية **
الراستا والنرجسية
من خلال الحلقة الأولى التقينا بعدد من مدمني المخدرات بأنواعها المختلفة قرروا بعزيمة قوية الانسحاب من عالم المخدرات نهائيا فلجأوا بإرادتهم للمراكز العلاجية ونجحوا في التخلص من هذه السموم التي تفتك بعقول وصحة الشباب.. كما كشفنا حقيقة أحدث أنواع المخدرات وأشدها فتكا ويفوق مخدر (الآيس) خطرا ألا وهو مخدر (البيسه) والذي ينتشر حاليا ببعض مدن الشرق، موضحين آثاره المدمرة وعواقبه الوخيمة على مدمنيه .. وفي الحلقة الثانية التقينا بمتخصصة في علاج الإدمان متحدثة عن الأسباب التي تقود الشباب لتعاطي المخدرات والخطوات العلمية التي يفترض اتباعها والاسترشاد بها بواسطة مراكز علاج الإدمان العلمية محذرة أن محاولة المدمن الإقلاع من ذات نفسه أمر غير مجد ويقود للانتكاسة والعودة للتعاطي مرة أخرى.. ومن خلال هذه الحلقة الثالثة نستعرض وجهة نظر معالج ومرشد نفسي حول الجوانب النفسية لمدمن المخدرات خاصة ما يعرف بـ(تمجيد الذات)، وتقديمه معلومات غاية في الأهمية عن كيفية الإقلاع عن المخدرات.. وهو دكتور معالج ومرشد نفسي، فضل حجب اسمه لاعتبارات خاصة به وبالمدمنين الذين يشرف على علاجهم من الجانب النفسي والديني.. تحدث لـ(الحراك) مفجرا معلومات خطيرة بقوله:
“نحن كمعالجين للإدمان من تخصصات مختلفة طبية كانت او نفسية او دينية وخلافها نعمل كآلية ونستصحب معنا دائما الإعلام فهو شريك أصيل في آلية معالجة الإدمان.. فالمخدرات عالم كبير في حجمه، خطير في أثره، مدمر في نتائجه.. قديما كنا نتحدث عن (ظاهرة) المخدرات، لكنها تحولت إلى (انتشار)، وبعد تفاقمها مؤخرا تجاوزت الانتشار فنحن الآن في حالة (غرق) بكل ما تحمله هذه المفردة من معاني.
ومن الخطوات المتبعة في علاج الإدمان جلسة مع المدمنين تحت العلاج تسمى (المسؤولية الذاتية) وهي من الاتجاه النفسي، لأن الأثر النفسي للمخدرات متعدد وخطير، ونحن نريد غرس كيفية التعامل مع الذات والتي تتمثل في: الذات، فنجد المتعاطي عنيفا ويكره من حوله حتى أمه ـ ثم النقد وهو صورة إيجابية لأنها تصحح المسار..وتمجيد الذات هي حالة النشوة او النرجسية او الراستا او السوبرمان، حيث يمكن أن يقف المدمن امام الخطر ولا يبالي به حيث أن المتعاطي يفقد الإحساس بالخطر والزمن فالنرجسية مرحلة خطرة”.
المسؤولية الذاتية
ولكن ما هي المسؤولية الذاتية؟..يجيب:” الإنسان يوفي بالاحتياجات الشخصية ويتحمل تبعاتها بالقول او الفعل او السلوك.. والمسؤولية الذاتية لديها أهداف معينة، منها أنها تدعم التوافق النفسي بتحمل المسؤولية الذاتية والتي تعزز الصحة النفسية للشخص فدائرة التعاطي تجعل المدمن يحس بقصور ما فهو يريد البهجة او إكمال النقص، ولذلك يجب أن يتحمل المسؤولية الذاتية تجاه نفسه حتى يستجيب للانسحاب من المخدرات.. والمسؤولية الذاتية تعمل على تقوية الشخصية.. وأغلب حالات تعاطي المخدرات سببها الصاحب ونادرا انفصال الأبوين، او تقليد الوالد المتعاطي وهو ما يعرف بـ(التأثير بالسلوك)، ومعالجو الإدمان يعملون على تقوية الشخصية بحيث لا يستجيب للصديق.. وكمثال شباب من جيل السبعينات وحتى التسعينات عندما يذهبون لأوربا تحدث لهم صدمة حضارية او دهشة فينحرف في سلوكه ويتعاطى المخدرات لأنه إنسان ضعيف الشخصية.. ولو كان قوي الشخصية حتى لو كان الأب يتعاطى مخدرات او خمر فلا يستجيب لتقليد الساحب لأن قوة شخصيته وإرادته تحصنه من ذلك.
وأهمية المسؤولية الذاتية في إطار المنظور النفسي فإنك إذا كنت قوي الشخصية يحدث لك تقدير لذاتك بحيث تفرق بين الخطأ والصواب، وهذه واحدة من مهام المسؤولية الذاتية.. مثلا يقول لك متعاطي صديقك:”انا بعزك ويقدم لك المخدرات”، وفي مثل هذه الحالة فإن قوة شخصيتك تجعلك تفرق بين الخطأ والصواب وبالتالي تحصنك وتمنعك الاستجابة لطلب صديقك بتعاطي المخدرات معه.. مسألة أخرى فالمسؤولية الذاتية تعزز القيم الإيجابية وفي مقدمته (الدين) والحد الأدنى (العُرف)، فالعُرف ضابط كحد أدنى بالاحتكام للأعراف.. والمسؤولية الذاتية ايضا تحقق الوصول للهدف، والوصول للهدف ليس نهاية المطاف، فالنقطة الأولى هي (الوصول)، والنقطة الثانية هي (الهدف) نفسه.. ولتوضيح الصورة أكثر فالمدمن يمكن أن يصل لمركز العلاج لكنه يرجع وهنا تبرز الإرادة ثم القدرة ثم اتخاذ القرار وهو جزء من تحقيق المسؤولية الذاتية.
وهناك محور آخر مهم يطلق عليه (محور الاعتماد على النفس)، فحالة الإدمان تأتي من الاعتمادية على المادة المخدرة، والمسؤولية الذاتية هي الاعتمادعلى النفس.. ومعروف أن اصعب شيء في عالم الإدمان هو (الخرمة)، أي الاشتياق والشوق للمخدر، وهذا يتطلب الصبر ثم قبولك لذاتك.. فتعايش المدمن مع نفسه هو قبول لنفسه وبالتالي يدخل في دائرة الإقلاع.. وللأسف كثيرون يربطون تعاطي المخدرات والخمر بالإبداع، معتقدين أن الفنان مغني او شاعر او خلافهما لا يستطيع إخراج إبداعه إلا بعد التعاطي وهذا (وهم)، والحقيقة أن الفنان من هذه الشاكلة يكون ضعيف الشخصية لأنه لا يستطيع مواجهة الجمهور إلا بعد تعاطي المخردات او الخمر، وهذا يصنف في علم النفس بضعف في الشخصية ووهم.. بدليل أن هناك كثير من الفنانين والمبدعين والشعراء لا يتعاطون الخمر والمخدرات ورغما عن ذلك يواجهون جمهورهم في منتهى الثبات وذلك يعود لقوة شخصياتهم”.
تجربة أم مدمن
والدة شاب مدمن على المخدرات التقيتها وطلبت منها البوح بحالة ابنها وكيف ومتى اكتشفت تعاطيه المخدرات وكيف تصرفت حيال ذلك؟.. فقالت:” ابني عمره (22) سنة، وهو أكبر أولادي وأخو بنات، فهو ولدي الوحيد لا أخ له بل بنات، يعمل عامل حُر اكتشفت تعاطيه البنقو منذ (4) سنوات وذلك من تغير عينيه حيث أصبحتا محمرتين، وأصبحت تنتابه حالة سكون وعزله ودائما تجده يحملق في المجهول ولا يتحدث مع أحد وقبل التعاطي كان خلاف ذلك تماما..وكان يأتي للبيت في حالة صعبة فقلت له: (يا أخو البنات بتعمل شنو بقيت تشرب البنقو، فأنت أخو بنات وعيب عليك ما تفعله وعليك ترك طريق المخدرات الخطر لأنه سوف يدمر مستقبلك ويعصف بشبابك وحياتك.. فأنت ضعيف الشخصية لأنك لجأت للمخدرات، فيا ابني اسمع نصيحتي لك كأم أشفق عليك من الضياع عليك أن تكون قوي الشخصية ولا تقلد أصدقاءك في الخطأ).. حاولت إخضاعه للعلاج بأحد مراكز علاج الإدمان لكنه رفض تماما الذهاب.. وصل لمرحلة صعبة بسبب المخدرات التي جعلته في حالة هياج وعدوانية مفرطة أصبح كالمجنون!.. حاولنا معه كل الأساليب ولم ننجح في ذلك وفي النهاية قمنا بتقييده كآخر مرحلة حيث كانت تنتابه حالة غضب وهياج فخشيت أن يصيب أحد أفراد الأسرة بأذى فلم أجد وسيلة سوى ربطه بالسلاسل.. ونقلناه لمستشفى الأمراض النفسية والعصبية ببحري ومكث فيها ثلاثة أيام كانوا يتعاملون معه بالحقن المهدئة لكنه رفض تعاطيها.. وكان قبل دخوله عالم المخدرات اجتماعيا من الدرجة الأولى ولديه عدد كبير من الأصدقاء”.
×سألتها.. ألم تستعيني بأصدقائه الذين لا يتعاطون البنقو للتحدث معه ونصحه؟.
ـ أجابت: المشكلة أن شباب الحي كلهم أصبحوا مدمنين للبنقو و (الآيس) والحبوب.. وعندما أحاول تقديم النصح له للإقلاع عن البنقو يقول لي: (أنا بشرب البنقو منذ عشر سنوات ولم يعمل لي شيء ولذلك لن أتركه).. أي أنه بدأ تعاطي المخدرات منذ أن كان عمره (12) سنة.
وأخيرا نصحني البعض أن علاج ابني من الإدمان لا يتم داخل المنزل بل بمراكز علاج الإدمان العلمية المتخصصة.. وتعرفت على عنوان أحد المراكز وحاولت اصطحابه معي لكنه رفض رفضا قاطعا ولذلك ذهبت للمركز لوحدي لأستشيرهم في الكيفية التي تجعل ابني يتعالج من إدمان المخدرات ويوافق الالتحاق بالمركز فقدموا لي بعض النصائح والإرشادات منها أن المدمن لا بد أن يأتي للمركز من تلقاء نفسه وبإرادته.. كما نصحني بعض المدمنين الشباب الذين تعالجوا من الإدمان أن أتحدث إليه كأم وأخبره عن مخاطر الإدمان ونهايته المأساوية، وحاليا أحاول إقناعه بشتى الطرق والوسائل للتوجه للعلاج بالمركز لكنه في كل مرة يرفض بحجة أنه كويس والمخدرات لم تؤثر عليه في شيء لكنني لم ايأس سأحاول معه حتى يقبل بالعلاج بالمركز.. ربنا يهديه ويسحبه من عالم المخدرات الخطر.. وأنصح الشباب من الجنسين عدم الخوض في مستنقع المخدرات حتى لا تدمروا مستقبلكم وحياتكم فما رأيته في إبني أتمنى ألا تراه أم في ابنها”.
تحقيق ـ التاج عثمان – صحيفة الحراك